يقول سعاده: «أن في النفس السوريّة، كل علمٍ وكل ثقافةٍ وكل فن.«
لنبدأ بتوضيح الفكرة عمن هو السوري ولنكن موضوعيين ولنعطي التاريخ حقه. أن أول ظهور لكلمة «سورية» كان في القرن 24 قبل الميلاد وكانت أول ممالكها ماري وسومر ومن ثم بابل وأشور (ومنها اشتق الاسم) وبعدها فينيقيا وكنعان اللتان اصبحتا لبنان وفلسطين ولن أدخل في الجغرافية التاريخية أكثر ولكن من المهم التنويه أن كلمة سورية أقدم من كلمة العراق التي كانت أرض الرافدين ب 2600 عام ولم تشتق كلمة عراق من مملكة «اوروك» إلى القرن العاشر قبل الميلاد. فسورية هي منطقة جغرافية ولا تختصر بدولة اقامها المستعمر الفرنسي بالاتفاق مع البريطاني. وبالتالي السوري هو ليس جنسية اكتسبها أحد بل عرق من الناس عاشوا على هذه الأرض منذ ما قبل التاريخ الجلي وتم تقسيمهم إلى دويلات تحت مسميات مختلفة.
في هذه الرقعة من الأرض ظهرت الأبجدية الأولى وأول نوتة موسيقية، واكتشف اجدادنا الزراعة، وتهجين الحيوان، واستخدام الحديد، وتخمير الفاكهة والري والفن المنحوت والشعر والأدب والطب والهندسة والقانون وعلم الفلك. ودونت ملاحم وقصص واساطير عدة، كثير منها امتد تأثيره على الأديان السماوية التي لحقت بآلاف الأعوام مثل الوصايا العشر وقصة يوسف وطوفان نوح والاسراء والمعراج الخ….
سعاده غاص في تاريخ سورية واستنتج وحلل وفسر ودرس وربط ما لا يستوقف القارئ الكلاسيكي للتاريخ. السؤال الذي طرحه سعاده «كيف استطاعت أمة الرقي والتقدم في ذاك الزمن مثل الأمة السورية أن تنهض بينما تواجه في هذا الزمن معوقات للنهوض؟» ومن أجوبته العديدة وضعت مبادئ العقيدة السورية القومية الاجتماعية.
يقول سعاده: «الحزب السوري القومي الاجتماعي هو للأمة». نعم انه حزب الأمة، اجتماعيا وثقافيا واخلاقياً وسياسياً. الأحزاب السياسية تأتي وتذهب والأحزاب الاجتماعية تبقى لأنها مشتقة من ايمان موحد يجمع أبناء الأمة.
فمن هو السوري القومي الاجتماعي في نظر سعاده؟ وضع سعاده إطاراً محددا لتعريف السوري القومي الاجتماعي لا بل وضع قالباً للنفس الانسانية وشروطا صارمة وصعبة مبنية على أسس عدة. الأخلاق، الحق، الخير، الجمال، العمل، الصراع، الصبر، التحمل، الحرية، النظام، الواجب، القوة والعز. فليس السوري القومي الاجتماعي من قال انه كذلك ولا حتى من أخذ القسم ولا من وضع الزوبعة شعاراً ولا من حفظ المبادئ ولا حتى من حمل سلاحا باسم العقيدة، بل من آمن وانتمى قلباً وقالباً وفكرا وحياة وفعلا لا قولا. يقول سعاده: «آمن بالحق وانصر الحق، تفز بالمجد»، فالحق جزءٌ لا يتجزأ من الأخلاق والتي عنها قال: «أن لنا من أخلاقنا ولنا من مناقبنا ما يرتقي بنا إلى أعلى درجات السمو» وهنا توضيح صريح عن الأخلاق والمناقب والارتقاء للسمو أي العز اذ أن سعاده أكد مرارا وتكرارا على أن «الحياة كلها وقفة عز فقط». وقال أيضاً: «أن لنا من أخلاقنا قوة فاعلة تصمد في وجه أي صعوبة» وهنا يأتي دور الصبر والصراع والقوة للمواجهة اليومية الحياتية قبل المواجهة السياسية أو العسكرية. وركز سعاده للقوميين على النظام وقال: «أن النظام لا يحارب بالقوة بل بنظام اقوى منه» أي الابتعاد عن الفوضى ووضع نظام أفضل لاستبدال النظام القائم. السوري القومي الاجتماعي في منظور سعاده هو شخص يعمل للحياة ولا يتخلى عنها وله نفس لا تكل ولا تمل وصفها بقوله: «أن النفس الكريمة لا تكف عن العطاء» وهذه النفس السورية هي القوة التي قال عنها: «أن فيكم قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ.» فالسوري لا يستسلم لأن في الاستسلام قبول للعبودية ونحن «لسنا مستسلمين، نرى في الحياة صعابا ونرى أننا قادرين على حملها.»
فلسفة سعاده أخلاقية، نفسية، انسانية، اجتماعية تدخل إلى عمق السيكولوجيا لتحلل وتستنتج وتلخص. فأنت لا تكون سوريا قومياً اجتماعياً إذا أقسمت اليمين وتكلمت بالسوء عن الناس أو شهدت بالزور أو سرقت الناس. «الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى». في هذه العقيدة القومية كبح للغرائز، أغلال للشهوات، أكبال للسوء ووسيلة لارتقاء الفرد بفكره وروحه ونفسه إلى مستوى السمو الاجتماعي بالفعل لا بالكلمة فقال عنها سعاده: «كلكم سمع بالقول» إنما الأعمال بالنيات «أما أنا فأقول» إنما النيات بالأعمال. وقال: «أن السوري القومي الاجتماعي هو الذي يحاسب ضميره قبل الخلود إلى فراشه».
سعاده أراد تنظيف النفس الإنسانية فالنفس تصنع الفرد والفرد يصنع المجتمع والمجتمع يصنع الأمة. السوري القومي الاجتماعي حسب القالب الذي وضعه سعاده هو «نفسّ إنسانية حرة» تعمل لأجل الحق والخير والجمال تحت مبدأ الحرية والنظام والواجب والقوة، تعرف اصولها وتاريخها، تترفع عن الدنايا، تطلب المعرفة والعلم، لا طائفية، تترك الدين لله، ترسي مفهوم الانسانية، تحيا ولا تعيش، انها نفس لا تقبل الذل، قوية، صامدة، تتألم لكن لا تذل ولا تقهر، فخورة بجراحها لأنها جراح عزاء، لا تتكبر، كريمة، عفيفة، معطاءة، طموحة، لا تعتدي ولا تظلم لكنها كالأسد اذا هاجمتها. «إذا سار سوريا قوميا اجتماعيا في الطريق، يجب أن يعرف الناس أن سوريا قوميا اجتماعيا يمشي«.
فيصل موصلي