لا تكترث (إسرائيل) لقواعد الدبلوماسية ولم تعد تقيم وزنا لأهمية التطبيع الرسمي السعودي معها ولا تبدي شكراً لأي من السعودية وتركيا ومن وراءهما من دول عربية إبراهيمية وقفوا جميعاً إلى جانبها في حربها على الشعب الفلسطيني المستمرة منذ تشرين اول 2023 ، وهذا ما كان واضحا عندما حظرت الحكومة الإسرائيلية على هؤلاء زيارة رام الله قبل أيام والتي كانت تهدف إلى إعطاء جرعة أوكسجين للسلطة الفلسطينية وهي التي بدورها لم يشفع لها وقوفها ضد المقاومة لا في فلسطين فحسب وانما في سوريا ولبنان ولا تعطي (اسرائيل) تقديرا للتنسيق الامني باعتباره ثمنا على السلطة الفلسطينية دفعه مهما نكلت بها دوله الاحتلال وعملت على اضعافها ووضعها في حالة غير محترمة من امام شعبها.
قامت خطط الحكومة (الإسرائيلية) عند تشكيلها في كانون اول 2022 على فكرة أن حكومات اسرائيل السابقة كانت تدير الصراع مع الفلسطينيين والأمة، أما هذه الحكومة فسوف تحسم الصراع بضم الضفة الغربية وطرد سكانها ومعهم من بقي في مناطق 1948، وتكريس يهودية الدولة والاستيلاء على المسجد الاقصى وقبة الصخرة (جبل الهيكل وفق مفرداتهم)، واهمال غزة و تركها للجوع و الحصار التي راها (الاسرائيلي) مرتدعة ولا تفكر بالمواجهة، وكان من المفترض ان يبدا الشروع في هذه الخطة مع مطلع 2024 ولكن المفاجأة التي حصلت صبيحة السابع من تشرين أول 2023 أدت إلى وقف خطة الحكومة الإسرائيلية لصالح الحرب التي طالت لزمن لم يكن يخطر على بال احد.
وبسبب طول أمد الحرب وعدم اتضاح نتائجها النهائية حتى الان، رأت الحكومة (الإسرائيلية) وتحديداً الاطراف المؤثرة بها أن الزمان يجري وأن الظرف ملائم للعمل بهدوء على تنفيذ خططهم القديمة في الضفة الغربية، فيما العالم منشغل بمجريات الحرب في غزة وتفاصيل المفاوضات التي يجريها المبعوث الامريكي ويتكوف في الدوحة مع قيادة المقاومة، واليوم تسير هذه الخطط بسلاسة ودون عقبات أو ضجيج وتحقق النتائج، فيما لا تجد السلطة الفلسطينية ما تفعله سوى انتظار ما لا نعرف وما لا تعرف هي غير مدركة ان زمن المعجزات قد انتهى.
في الايام الأخيرة اصدر الوزير سموترتش قراراً بتحويل ملفات ووثائق أراضي الاغوار ومناطق (ج) إلى دائرة أراضي (اسرائيل) وهو ما يعني ضم المناطق المذكورة وفي اليوم التالي تم الاعلان عن اقامة 22 مستوطنه (إسرائيلية) جديده في مناطق مختلفة من الضفة الغربية بعضها مناطق (الف وباء) التي تخضع نظرياً للسلطة الفلسطينية، كما صدر قرار آخر بإضفاء الشرعية اقامها متطرفون يهود دون قرار حكومي وعلى أراضي مملوكة لفلسطينيين ،قرار آخر بشق طرق واسعة لاستخدام المستوطنين ومحظور استعمالها على الفلسطينيين، وعملية ضم الأراضي ذات معنى جغرافي لا ديمغرافي اذ يتم ضم الارض فيما لا يمنح السكان حقوق المواطنة، و كل ذلك يرضي الجمهور الناخبين في مجتمع يسير بتسارع نحو مزيد من التطرف.
في هذا الوضع المركب والمعقد نشب خلاف حاد داخل الحكومة (الإسرائيلية) ومؤيدها في البرلمان (الكنيست) وذلك بسبب مشروع قانون تجنيد الحريدين وطلاب المدارس الدينية الذين لا يخدمون في الجيش ولا يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، فيما يأخذون الحصة الاكبر من اموال الدولة على شكل مساعدات، الأمر الذي قد يؤدي إلى سقوط هذه الحكومة والدعوة لانتخابات مبكرة في تشرين أول القادم.
ولعل هذا الخلاف بين نتنياهو وحلفائه في الحكومة والبرلمان جاء ليصب في مصلحه المعارضة والتيارات الليبرالية في دولة الاحتلال وعند يهود العالم الذين يرون ضرورة مغادرة نتنياهو الحكم باعتباره قد أصبح عبئاً على المشروع الصهيوني وعلى الدولة بعد كل ما جرى في غزة وانعكس على صورة الدولة عالميا، فالرواية الأساس التي قامت عليها الدولة اليهودية هي مظلومية الهولوكوست (المحرقة النازية) التي حصلت في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي فيما يرى العالم اليوم هولوكوست جديد ولكن اليهود ليسوا الضحية في هذه المرة بل هم المجرم القاتل، ويريد هؤلاء العمل على تصوير نتنياهو وفريقه انهم فقط المسؤولون عن هذا الهولوكوست وليس اليهود أو الإسرائيليين.
في حل حصل على ذلك وسقطت الحكومة وتمت الدعوة إلى انتخابات مبكرة فان مسالتين ستكونان مطروحتين للنقاش الأولى ان نتنياهو سيفكر بادراة الانتخابات لا ادارة الحرب، وستكون الحكومة في هذه الحالة حكومة تصريف اعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية ولا تملك تخويلاً واسعاً، فان ذلك قد يدفعه باتجاه مزيد من الاجراءات التهويدية في الضفة الغربية وقد يعني مزيدا من الضراوة (الإسرائيلية) تجاه غزة باعتبار ان اراقة الدماء وإزهاق الأرواح سوف يتحولان إلى أصوات في الصندوق الانتخابي لصالح نتنياهو. الثانية هل سقوط الحكومة يعني نهاية الحرب دون تحقيق الأهداف (الإسرائيلية) المعلنة أو المضمرة وفي هذه الحالة تكون الحرب التهت على قاعده لا غالب ولا مغلوب الذي يعني بقاء المقاومة وفي ذلك كفاية لنا.
لا جواب حتى الان وانما الأجوبة برسم الايام القادمة، ولكن نتنياهو الذكي وصاحب الدهاء قد يكون يحمل في جيبه اوراقا لا يعرفها أحد غيره وتكفى البقاء في الحكم.