مرة جديدة يعود إلى الواجهة ملف التمديد لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، وسط مؤشرات على محاولات لإعادة تشكيل دورها ومهامها لا سيما من الجانب الأميركي بحيث يكون لصالح العدو الصهيوني. فالواضح أن بعض وحدات اليونيفيل، باتت تسير دورياتها في الجنوب من دون التنسيق المسبق مع الجيش اللبناني، خلافاً للصيغة التي كانت سائدة لعقود، مما يثير إشكالات بينها وبين الأهالي ويهدد الاستقرار المحلي في بعض القرى. وهذا يوحي بأن ثمة تمهيد لتغيير مفهوم مهام هذه القوات الدولية.
اليوم مع اقتراب موعد التمديد الجديد في 31 آب المقبل، ثمة قلق في لبنان حول مستقبل اليونيفيل، وسط حديث متصاعد عن ضرورة تعديل مهامها في ضوء الحرب “الإسرائيلية” الأخيرة وتزايد الدعوات لتطبيق القرار 1701 بحذافيره.
على الصعيد الدولي والموقف من التمديد لليونيفيل يلاحظ المراقبون أن هناك تجاذباً داخل أركان اللجنة الخماسية، والدول الاعضاء في مجلس الأمن، لا سيما الولايات المتحدة الاميركية التي لا ترغب بالتمديد، وسط توجهها لتعديل وتوسيع مهام اليونيفيل وصلاحياتها في الوقت الذي تؤيد فيه موقف “اسرائيل”. أما فرنسا فقد أبلغت لبنان دعمها لموقفه لجهة المطالبة بالتجديد لقوات اليونيفيل وبالمهام المعمول بها حالياً.
من جهته باشر الجانب الرسمي اللبناني تحركاً دبلوماسياً لضمان موافقة الدول الأعضاء على التمديد لليونيفيل وتفادي إدخال أي تعديلات جوهرية على صيغة المهمة الحالية. وقد صرح رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا الصدد أن لجنة تشكّلت لإعداد نص الرسالة بخصوص التجديد للقوات الدولية إلى مجلس الأمن الدولي طلبا للتجديد من دون أي تعديل. كما جدّد تأكيده الوقوف إلى جانب اليونيفيل، سواء أكانت ظالمة أم مظلومة، متمسكاً أكثر من أي وقت مضى بدورها في دعم الجيش وتمكينه من الانتشار حتى الحدود الدولية.
ومن جهتها أبلغت الدولة اللبنانية المجتمع الدولي أنها لا تسمح بتحول اليونيفيل إلى قوة تعمل بشكل منفصل عن التنسيق مع الجيش اللبناني مشددة على هذا الموقف في مشاورات لبنان مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن خلال الأسابيع المقبلة، وعلى رؤيته للتمديد ضمن الصيغة القائمة.
وكما هو معروف فإن جيش العدو الصهيوني لا يلتزم بالاتفاقات والقرارات الدولية ولا يقيم وزناً لما ينتج عنها، وهو باستمرار يقوم بالاعتداءات على قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) ويقتحم مواقعها عنوة محاولاً إجهاض مهامها، تنفيذاً لخطة لطالما حاول رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تنفيذها وتقضي بإبعاد قوات اليونيفيل من الحدود مع الكيان الصهيوني.
وفي كل سنة وفي موعد التجديد لليونيفيل تطالب “إسرائيل” بإخراج قوات اليونيفيل من الجنوب وتصوب على الأمم المتحدة. ذلك أن هذه القوات الدولية تتواجد في قواعد أساسية على الحدود، وتشكل لجيش العدو نقاطاً إستراتيجية ومحورية تساعده في كشف المواقع اللبنانية. وما يسعى إليه العدو الصهيوني من خلال الضغط لعدم التجديد لقوات الطوارئ الدولية يندرج ضمن مساعي تل أبيب لإلغاء القرار الأممي 1701.
بالعودة إلى تاريخ إنشاء اليونيفيل فقد تبنى مجلس الأمن في 19 مارس/آذار 1978 القرارين 425 و426 ودعا “إسرائيل” إلى وقف أعمالها العسكرية وسحب قواتها من جميع الأراضي اللبنانية. ووصلت قوات اليونيفيل إلى لبنان في 23 مارس/آذار 1978. ومنذ ذلك التاريخ يقوم مجلس الأمن بالتجديد سنوياً ولاية هذه القوات الأممية بناء على طلب من الحكومة اللبنانية.
في بادئ الأمر كان أنشاء هذه القوات للتأكيد على انسحاب قوات العدو من جنوب لبنان، وإعادة السلام والأمن في المنطقة، ومساعدة الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها الفعلية على المنطقة. وقد جرى آخر تمديد لليونيفيل في 28 أغسطس/آب 2024 حين اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2749، الذي مدد فيه ولاية البعثة الأممية حتى 31 آب/أغسطس 2025.
على الأرض تنتشر قوات اليونيفيل جنوب لبنان ما بين نهر الليطاني شمالاً والخط الأزرق جنوباً. ويقع مقرها في بلدة الناقورة. وتضم اليونيفيل قوات بحرية انتشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2006 بناء على طلب من الحكومة اللبنانية لمساعدة بحريتها على تأمين المياه الإقليمية.
حتى مطلع سبتمبر/أيلول 2024 بلغ عدد جنود قوات يونيفيل نحو 10 آلاف جندي، وينتمي أفرادها إلى نحو 50 دولة أبرزها فرنسا وجمهورية كوريا الجنوبية وبنغلاديش وغانا وبولندا وإندونيسيا وإيطاليا وإسبانيا وتنزانيا وماليزيا.
وتتمثل أولوية اليونيفيل في ضمان استقرار المنطقة وحماية السكان، عبر دعم الأطراف للقيام بمسؤولياتها للحفاظ على وقف إطلاق النار. ولديها من جهة أخرى السلطة والقدرة على الرد بقوة على الأعمال العدائية.
وخلال هذه السنوات من وجود اليونيفيل في جنوب لبنان، تعرضت قواتها ومراكزها لاعتداءات “اسرائيلية” لعل أبرزها مجزرة قانا حين قصفت “اسرائيل” مجمع الأمم المتحدة في قانا في أبريل/نيسان 1996 فقتلت 120 مدنياً في منطقة انتشار قواتها وجرح المئات بينما أصيب 4 من جنودها.
في أغسطس/آب 2017 عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات مغلقة حول عمل قوات حفظ السلام الدولية، وسط مطالبات أميركية و”إسرائيلية” بتوسيع مهام هذه القوات لضبط أنشطة حزب الله بصورة أكبر في جنوب الليطاني، وفي هذه الجلسة انتقدت الولايات المتحدة الأميركية دور اليونيفيل، وقالت المندوبة الأميركية أن هذه القوات لا تقوم بمهامها بالقوة المطلوبة، وإن الأوضاع الأمنية في جنوب لبنان أصبحت أكثر خطورة.
اليوم لبنان أمام تحدي التمديد لليونيفيل، فهل سيلتزم التشدد في مواجهة الضغوطات الأميركية و”الاسرائيلية” ويتشبث بموقفه؟ الإجابة هي رهن الأيام المقبلة.