«اجتماع أمنى برئاسة رئيس الجمهورية لبحث الاعتداءات الإسرائيلية وسحب سلاح المخيمات». عنوان يحمل في طياته الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام والتعجب، كيف لا، والاعتداءات من جهة وسحب السلاح من أي طرف آخر من الجانب المتلقي للاعتداءات من جهة اخرى وحتى لو كان من الجانب الفلسطيني (سلاح المخيمات). مفارقتان أو مسألة من جزئين لا يمكن أن يلتقيا في ظرف واحد. لا يمكن أن يسحب أو ينزع أي سلاح سواء كان الفلسطيني المقاوم أو المقاوم اللبناني (مع وجود بعض الفارق) طالما أنه مصوب باتجاه الغاية النبيلة منه، وطالما أن العدو ما زال جاسماً على شبر واحد من أرض الوطن فالقوانين الدولية تشرعن المقاومة وسلاحها، وطالما لا يزال يستبيح سماءه ويقتل أهله مقاومين ومدنيين ساعة شاء.
بل أكثر من ذلك، كل دعوة أو أعلان أو مسعى أو عمل تحت شعار نزع سلاح «المليشيات» التي يقصد بها وحصراً «سلاح المقاومة دون أية محاولة أو مناورة ولو استعراضية لتجريد الميليشيات الاخرى التي تدعي انها تمتلك 15000 مقاتل (طبعا» لا يحملون مناديل بيضاء) بسلاحهم، ولطالما جاهر قائد احداها بجهوزيتهم لمقارعة المقاومة التي يعرف الجميع قدراتها قبل وبعد معركة الاسناد وأولي البأس.
إن الحديث الاميركي الاسرائيلي ومن يدور في فلكهما عن نزع سلاح المقاومة ويتردد ببغائياً في لبنان دون اكتمال تسليح الجيش وتجهيزه، خاصة بأسلحة دفاع جوي متطور يسمح له بكبح جماح وعنجهية القيادة اليهودية وإيقاف استباحة أجوائه وخصوصاً مع الحالة «الجولانية» الشاذة في سورية والتي لا تقل خطراً عما سبق ذكره. وتأتي من ضمن حملة تشويه سمعة المقاومة وتأليب الداخل الرسمي والشعبي اللبناني ضدها، وأي تحرك من هذا الداخل في الاتجاه الاعلامي أو العملي يعتبر خطراً على السيادة والاستقلال الوطني ويندرج ضمن خطة افراغ البلد من معامل قوته وصموده وجعله ساحة مفتوحة للعدو ومشغليه، أصحاب التاريخ الحافل بنكث العهود وخيانة المواثيق، يسرحون ويمرحون ويرسمون الخرائط والحدود المناسبة لمشاريعهم المعاكسة لمصالحنا وحقوقنا القومية والوطنية.
بناءً عليه كل دعوة أو محاولة تأتي في ظل هذا التفلت والعربدة العبرية للضغط على المقاومة لسحب أو تسليم سلاحها هو عمل مأجور للأميركي أو خضوع لضغوطه المتوازية والمتناغمة والمكملة والمتوحدة مع مصالح العبري وتوجهاته ومتطلباته الواصلة حدود بناء المستوطنات على الاراضي اللبنانية بمسمياتها العبرية الجاهزة، وأين؟؟!! حيث ضحى الاف الابطال المقاومين بدمائهم دفاعا عنها، لا لأن تسلم بأمر سلطاني عبري أو غربي أو عربي.
لذلك قد تصل عند البعض حد العمالة الوقحة الواجب وضع حد لتماديها وتجريحها بالمقاومة.
من هنا يبدو تمايز رئيس الجمهورية عن طائفة مطائطي الرؤوس لتجاوز هذا «القطوع» الضاغط في ظل أزمة اسرائيل واستعجالها قطف ثمار فوزها التكتيكي على المقاومة المربكة لا المهزومة في مقاربة الملفات خصوصاً مع سقوط النظام والدولة في سورية في يد قوى الظلام التي كانت تعالج جرحاها في المستشفيات العبرية أثناء الحرب على سورية بمسمياتها المزيف (الثورة السورية أو الربيع العربي) والمدعومة من الطامعين بخيرات سورية وأراضيها.
تبقى النصيجة او التحذير لكل هؤلاء اللاهثين الذين أخذهم مشهد الطائرات والدخان المتصاعد من الابنية القيادية المحصنة أو مستودعات اسلحة أصيبت ومسؤولين اغتيلوا في جولة رابحة من جولات الحروب الخاسرة الممتدة منذ اجتياح 1982 خاصة ، أنها ليست النهاية (مع انه كان من المفترض أن تكون للدولة المصطنعة) ، والمشهد السابق الذكر لم يقض على المقاومة رغم الخسائر ، والعدو يألم منذ 600 يوم متواصلة تستنزف قدراته المجتمعية والبشرية وتماسكها ووحدتها المهددة بالانفجار وهي اعجز عن القضاء على المقاومة الغزية المعزولة منذ حوالي العقدين من الزمن، والتي لا تمتلك مما لدى المقاومة اللبنانية الا الارادة والعزيمة ، ولا يزال العدو بلسان وزير حربه يعلن بأنه: « سيحاول القضاء على حماس خلال فترة لن تدوم الي الابد وخلال فترة اشهر قد يحتل ثلثي غزة» وكان اسلافه اعلنوا أكثر من مرة(كذباً على جمهورهم والمطلبين لهم) انهم حرروها من هؤلاء الإرهابيين (المقاومين). أما العديد والعتاد والظروف لا مجال للمقارنة رغم ما حصل، والأكيد أن العدو يعرف ويخفي ويعلن عكس ما يدرك لإيهام جماعات النعيق والارتزاق أنه المنتصر. والا لما طالب بوقف لإطلاق النار وحقق خلاله ما لم يتمكن من إنجازه في الحرب من تدمير وتقدم
القادم من الأيام سيثبت أن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني تآكل الردع الاسرائيلي وتآكل الدعم الدولي له وربما تستكمل خطوات ترامب المتهاون طبعاً والمؤيد لإبادة غزة وخنق مقاومة لبنان دون التنازل عن أدنى مكسب ممكن تحصيله ولو أدى الى ضياع الكيان العبري خصوصاً في الاستثمار المربح في السلام مع إيران، وهذا الاخير يرى أنه أمام خيارين احلاهما مر:
-الاول بالذهاب الى خيار ضرب ايران منفرداً منتحراً وقد أعلن قادته علناً عجزهم منفردين. متخطياً المصلحة الأميركية مهما كلفه ذلك من نقمة اميركية أو رد فعل ايراني مباشر ومن اليمن بالتأكيد.
-الثاني ويتمثل بالرضوخ لواقع عدم القدرة منفرداً بالذهاب في المغامرة الفاشلة سلفاً دون الدعم الترامبي (الرافض المغامرة) في هذا الهجوم، وبالتالي انتفاء الوظيفة التي من أجلها وجد الكيان على تراب فلسطين وما يترتب عليه من انتفاء الحاجة الى الدولة اليهودية، كمزراب لهدر الدولارات بدل أن يكون مصدراً أو سبباً يضمن استمرار المصنع العسكري التصنيعي في قمة عطائه الانتاجي.
بين حاجة نتنياهو وكابينته الى تسجيل انتصار مدوي في لبنان أو فلسطين، تتضارب مع سعي ترامب لتسجيل انتصار آخر تبقى الابادة الجماعية للأطفال والمدنيين هي سلاحه لاركاع المقاومة وهو العاجز أمامها وأمام انقلاب الرأي العام العالمي بصوت ماكرون: « لم نعد قادرين على تآكل ارثنا القيمي الحضاري»، وإسبانيا التي قطعت علاقاتها التجارية ومنعت السفن العبرية المحملة بالسلاح من المرور في اراضيها.
أيضا هذه الاعتداءات الهمايونية على مواقع ومناطق يتواجد فيها حزب الله يضعف موقف لبنان الرسمي بالتالي، يحرج مطالبيه بالسرعة في نزع السلاح فيما يستمر القصف الجوي والبحري، ويضعف موقفهم امام العرب، مع بدء وصول مواطنيهم للتمتع بالسياحة في ربوع لبنان.
وخير من عبر عن هذا الواقع الصحافي المتشدد أكثر من اليهود والمستميت في تسويق ما يحصل في غزة بأنه دفاع عن النفس بيرس مورغن الذي فاجأنا بانقلاب موقفه بسؤاله: «لا أرى النصر الإسرائيلي، واراهم يتآكلون الدعم العالمي بسرعة» اما البروفسور جيفري ساكس الذي أجاب مستطرداً بأن: « 180 دولة من أصل 190 حول العالم باتوا يعلنون تأييدهم لدولة فلسطينية هي خارج الحساب العبري».
قادم الأيام سيثبت أن المقاومة (مطلق مقاومة) لا تهزم وأن استمرار العدوان دليل مأزومية الواقع العبري الواقع تحت سلسلة من الضغوط التي ستولد انفجاراً داخلياً يطيح بالدولة العنصرية المفلسة قيمياً ومادياً وأمنياً حيث هرب رئيسها من ملعب كرة القدم بعد اعلامه بأن اليمن ارسلت سفيرها الفرط صوتي، يحمل رسالة موت الطمأنينة والتفوق التكنولوجي العبري ويقلب معاني مقولة الشرق الاوسط الجديد الذي كان يحاضر في الكنيست بالتفوق اليمني وبالهدية الجديدة القادمة التي لا ترد من عبد الملك الحوثي زعيم مفتاح الشرق الاوسط والبحر الاحمر الأوحد.
بات الرهان على المشروع العبري الاميركي كالرهان على وعد اميركا بجعل افغانستان دولة ديمقراطية.