مجدداً سقطت دولة الكيان الغاصب في الفخ الذي وضعته لسواها، ولم تفلح كل طبول الحرب التي قرعتها في هزم إيران والانتقال بالعالم إلى حرب عالمية ثالثة، لطالما سعى إليها نتنياهو، منذ إعلانه الحرب على غزة منذ عامين ومحاولاته المتكررة دفع واشنطن إلى الانخراط المباشر في هذه الحرب، لتكون له من المكاسب حصة الأسد على منطقتنا، ولتهيمن دولته العنصرية المغتصبة على أرضنا، هيمنة أبدية.
كما لم تنجح مؤامرات واشنطن وتل أبيب في تأليب الشارع الإيراني ضد قيادته، بقصد إسقاط النظام من الداخل، بل بالعكس، فوجئت هاتين الدولتين بردة الفعل الإيرانية للشعب كله ومكوناته كافة من معارضة داخلية وخارجية، بالتفاف حول دولتهم لاعتبارهم الحرب ضد إيران الأمة لا النظام.
وانتصرت إيران ومعها انتصر محورها المواجه لواشنطن وتل أبيب، بعد جنون دام نحو اثني عشر يوماً تمكنت فيه طهران من تبديل موازين القوى في منطقتنا، رغم مواجهة اعتبرها البعض خاتمة المسار لسياق متسارع في التطورات المدعومة لتكريس الهيمنة حرباً وسلماً، حتى بات ممر داود الذي يصل امتنا بإيران شبه سالك ليعبر منه «نتنياهو» المعظم ظانا نفسه موسى عصره الذي سيفرض بعصاه أحلامه الموعودة لشعبه زيفاً وكذباً.
كان صباح الثالث عشر من حزيران موجعاً جداً على إيران ومحور الممانعة، وكاد يكون أفظع لولا صدفة أو شبحاً كما قيل، منع وقوع كارثة التخلص من مرشد الثورة الإيرانية وقائدها الأعلى، علي الخامنئي بعد الخسارة التي جرت باستهداف ضباط وقيادات وعلماء ذرة ومعظمهم في منازلهم
ساعات قليلة، دامت حالة الذهول الإيراني قبل استعادة زمام المبادرة وتحول الأهداف في دولة العدو إلى نار تلتهمها الصواريخ الباليستية ومسيراته المتطورة كما الأبنية والملاجئ.
وهذا ما لم تتوقعه دولة العدو، اذ فاق التدمير التوقعات، وأدى الهلع بالمستوطنين إلى طلب المغادرة للكيان، رغم منع رئيس الدولة ذلك بقرار واضح.
دقة الإصابات للمراكز الأمينة والمخابراتية وكذلك صحراء النقب حيث محيط مفاعل ديمونا، أعاد لأذهاننا استطلاعات الهدهد الدقيقة، وانقلبت المعادلة من جديد وأعيد توازن القوة للجبهة، وهذا ما عطل نشوة «الانتصار» الذي أعتقده صبية السفارات وسياسييها وإعلامييها المدللين.
التوازن الذي حصل اظهر عجز القبة الحديدية وكل أشكال الحماية وصفارات الإنذار وكذلك مزاعم هيمنة القوة الجوية للعدو على سماء إيران، وهذا ما دفع العدو إلى تبديل تكتيك تغطية الخسائر إلى إعلانها والتباكي عليها ناسيا ما يفعله إلى الان بالمدنيين والمستشفيات في غزة ولبنان، وذلك بقصد استعطاف العالم، الذي لم يتمكن من خداعة هذه المرة، بل ان بيانات الشجب والاستنكار للهجوم على إيران، توالت من جهات غير متوقعة، مثل دول الخليج العربي ودول أوروبية عديدة كذلك.
بينما كانت الخشية تكبر من مواقف حادة ترفض الحرب وتعلن مساندتها لإيران، مثل باكستان وروسيا وتركيا وكذلك الصين وبات إغلاق مضيق هرمز قاب قوسين أو أدنى، مع ما يرتبه ذلك من خسائر على العالم اجمع.
وهذا ما استدعى تدخل واشنطن المباشر والمعلن واستطاعت ضربة ترامب لموقع «فوردو»، النووي والموقعين الأخرين في نطنز واصفهان، أن تخطف أنفاس العالم.
وبين ان يتحول حدث قصف موقع «فوردو» إلى حدث يشبه قصف «هيروشيما وناغازاكي»، ويعلن فيها هزيمة إيران كما هزمت اليابان، فقد تمكنت إيران بضربها قاعدة العديد في قطر، إلى رد الصاع صاعين للإسرائيلي والأميركي على السواء
مع العلم ان الضربة الأميركية، لازالت في دائرة التساؤلات إذا كانت قد قضت على قدرات إيران النووية، ام اخرتها فقطً، بعد تطابق الكلام الإيراني، مع تقارير وزارة الدفاع الأميركية ومحطات إعلامية وكلام رؤساء سابقين وصفوا الضربة بأنها مجاملة لنتنياهو لا غير.
شعور الهزيمة هذه المرة كان حصة الكيان الغاصب ومستوطنيه، علماً انه صعب جداً على الراغبين بالنصر من جماعات الداخل اللبناني والعربي، الاعتراف بالهزيمة الواقعة وباعتقادنا أن تداعيات ما حصل ستظهر تباعاً في غزة كما في لبنان وأيضاً في المنطقة اجمع وداخل الكيان نفسه.
غزة التي لا تزال تباد بآلة الحرب وبالتجويع الذي يطال مليوني شخص، وما زالوا صامدين يرفضون الخروج من غزة تحولوا بين ليلة الانتصار الإيراني وضحاها، أي منذ يومين إلى قنابل متفجرة تجعل من صباح المسؤولين اليهود، كارثياً ومؤلماً لهم من رئيس الدولة إلى وزرائهم العنصريين «سموتريتش» نموذجاً وكذلك المعارضين للدولة. ويعدهم الغزيين بعد بالمزيد
اما في جنوب لبنان، لاتزال آلة القتل الصهيونية تقتل وتدمر، فيما تخشى الدولة أي اهتزاز لدور اليونيفيل، ودون ان تتوجه بخطة ديبلوماسية جادّة لدفع العدو للانسحاب من النقاط التي احتلها بعد وقف النار في نوفمبر الماضي، لكن توازن القوة الذي استعيد رفع من معنويات الجنوبيين وكانت الاحتفالات التي دعت إليها المقاومة احتفاء بالنصر، خير تعبئة لمرحلة مقبلة لا بد آتية وعنوانها عدم كسر إرادة الصمود واستسلام الشعب.
أما في سوريا وحيث يبدو العدو مستثمراً لكل فراغ كانت خطوة تدمير كنيسة مار الياس في الدويلعة بدمشق أبرز تطور لخطة تدمير النسيج المجتمعي الداخلي بعد استهداف أهل الساحل وجبل السويداء، لكن إصرار الشعب على البقاء في أرضه صامداً مواجهاً، يقابله لدى العدو مجتمع يهرول إلى الخارج طالباً السلامة الشخصية لا غير.
إذا وبعد سقوط أهداف الحرب «الإسرائيلية» على إيران لم يعد أمام الشريك الأميركي الا التفتيش عن آفاق جديدة لمستقبل العلاقة مع طهران بعدما أعلنت الجمهورية الإسلامية، تعليقها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة.
لقد قدمت إيران درساً في الصمود لا ينسى للعالم اجمع، لتصبح المعادلة التي أرساها زعيمنا سعاده، أساساً في قواعد قيام الأمم الحية وهي «القوة هي القول الفصل في إقرار الحق القومي او انكاره».