تذهب المؤشرات إلى أن الرئيس الأمريكي ترامب يمارس ضغطا غير مسبوق على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لإجباره على القبول بوقف إطلاق نار في غزة وهو المطلب الذي أصبح مشتركا بين عموم الفلسطينيين و(الاسرائيليين) باستثناء رئيس الحكومة واركانه الذين يتمنعون، ولكن لا يستطيعون رفض المطلب الامريكي المباشر.
لا يستطيع بنيامين نتنياهو الصمود كثيرا امام ترامب القوي والفظ في طريقة عرضه لما يريد، خاصة وان في اتفاق وقف إطلاق النار هذا مصلحة (إسرائيلية) مباشرة، وعلى ما يبدو أن ترامب استطاع تدوير معظم الزوايا ولم يبق الا مسالة حجم الانسحاب (الاسرائيلي) من غزة وحول مساحة المناطق العازلة التي يريدها نتنياهو بشكل مبالغ فيه وسيتم تجاوزها برغم ما يزعمه من وجود معارضة قوية داخل ائتلافه الحاكم..
في هذه الاثناء يصعد (الاسرائيلي) من جرائمه في غزة واجدا في الوقت المستقطع للتفاوض الأمريكي – الإسرائيلي فرصة لمضاعفة جرائمه بحق المواطنين الفلسطينيين في حين تنجح المقاومة في ارهاق جيشه المرهق اصلا والحائر والذي يشكو قادته من غياب الرؤية السياسية لهذه الحرب وبالتالي وكما يقول كبار ضباط الجيش انهم لا يعرفون ماذا تريد الحكومة من استمرار هذه الحرب هل تريد البقاء في غزة هل تريد احتلال كامل قطاع غزة هل تريد ابادة جميع سكان غزة.
وهكذا يمكن القول أن الحرب على غزة قد شارفت على نهايتها وهي لم تحقق الاهداف (الإسرائيلية) بالسياسة وانما حققت لهم ممارسة رغبتهم ودمويتهم وجنونهم بالقتل والحرق والتدمير، في حين صمدت غزة وكانت عصية على التهجير اما المقاومة فهي باقية وان بشكل كامن، والانتصار في الحروب مرتبط بتحقيق اهدافها السياسية لا بحجم القتل والتدمير، ودولة الاحتلال لم تستطع تحقيق الاهداف التي رفعتها في بداية هذه الحرب في حين أن المقاومة تدرك أن هذه الحرب ليست حرب التحرير وكنس الاحتلال وانما خطوة في طريق طويل.
لكن سوء الطالع لا زال يرافق الحالة القومية العامة للامة وبشكل متواصل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، اذ أن نهاية كل مشكلة في بلادنا يكون مفتاح شيطاني لمشاكل جديدة تحول دون الوصول إلى حالة استقرار وهدوء حتى ولو كانت بشروط الاعداء، فدونالد ترامب يريد تحقيق رؤية اقليمية وعالمية منطلقها تعميم التطبيع العربي والاسلامي والدولي مع دولة الاحتلال إضافة إلى استهدافات أخرى لا يمكن الإحاطة بها في مقال واحد، ولكن يذهب التبسيط العقلي للاعتقاد أن الرئيس الأمريكي قد اصبح خصما لدوله الاحتلال او انه قد اصبح صديقا لنا، فمقابل كل تنازل يجبر الرئيس الامريكي نتنياهو عليه في غزه سيعطيه مقابله ما لا يقل عنه ثمنا بل ربما ما يفوقه اهمية، نتنياهو سيقبض اثمانا اولها في اطلاق يده ويد المتطرفين في حكومة بالضفة الغربية باتجاه ضم اجزاء واسعة منها وهو هدف معلن للحكومة وسبق لترامب أن تحدث بأسف عن صغر مساحة دولة (اسرائيل)، وهذه الحكومة ستمعن برضى وضوء اخضر امريكي في الاستيطان ومصادرة الأرض وتحويل جموع المستوطنين إلى ميليشيا عدوانية تعمل خارج القانون وتستبيح الضفة الغربية وتجعل من حياة مواطنيها جحيم لا يطاق وذلك لدفعهم للرحيل في هجرة جديدة، وحكومة الاحتلال ستمعن في اجتياحاتها للمسجد الاقصى وقبة الصخرة وتدنيسهما كمقدمة للاستيلاء عليهما.
على الصعيد الاقليمي القومي فسيقبض نتنياهو ثمانا ا اخرى في الشام التي يفرض بها الاسرائيلي امرا واقعا باحتلاله قسما واسعا من جنوبها وربما ضم بعض أجزائه بالإضافة إلى ما يتم الحديث عنه من موافقة حكام الشام الجدد على سماحهم وتنازلهم عن هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967 و التي يرى بها حكام الشام الجدد انها ليست أكثر من عقار تجاري يمكن بيعه عند الحاجة او عند الحصول على سعر مناسب له، وهي ليست ارضا قومية لا يمكن التنازل عن ذرة من ترابها..
يريد نتنياهو اثمان اخرى في لبنان في البداية يريد مياه نهر الليطاني، ثم يريد جنوب لبنان الذي يحتله الآن ليحوله إلى مناطق عازله تفصل بينه وبين باقي لبنان وليس ذلك فحسب وانما يريد استباحه كل لبنان بطوله وعرضه باعتباره مجالا حيويا له.
هكذا وان كنا نميل للاعتقاد أن جولة الحرب في غزة قد شارفت على نهاياتها، إلا أن حربنا مع العدو القومي متواصلة في جبهات اخرى، و هو ما علينا الاستعداد له.