ترشيح ترامب لجائزة نوبل من قبل نتنياهو لا أساس موضوعي وواقعي له

يشكل ترشيح رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام أمراً مثيراً للسخرية. أي «سلام» هذا الذي يدّعيه هذان الرجلان في زمن الحروب التي يخوضانها شرقاً وغرباً، ويلحقان بسببها الكوارث الإنسانية بحق شعوب، هي التي تستحق جائزة الصبر وتحمّل كبرى المآسي التي لم تتحملها أي شعوب على مدار الكرة الأرضية وعلى مدى العصور.

 دور ترامب ونتنياهو في «السلام» الذي يدّعيانه لا يمكن إلا أن يقنع من يدور في فلك هذين الرجلين من دول ومؤسسات إقليمية ودولية. فهل حصول الرئيس الأميركي على هذه الجائزة يؤدي بمؤسسة نوبل للسلام إلى تحولّها إلى مؤسسة واقعة في قبضة القطب العالمي الداعم للحروب، وللدول التي ترتكب الإبادة الجماعية الأبشع في التاريخ، وذلك على غرار المنظمات والمؤسسات الدولية الأخرى التي فقدت مصداقيتها وثقة الشعوب بها؟

بوقاحة فائقة قدم نتنياهو لترامب خلال اجتماع في البيت الأبيض نسخة عن رسالة الترشيح التي أرسلها إلى لجنة جائزة نوبل. وباعتزاز«قال أن الرئيس الأميركي» يصنع السلام في هذه الأثناء، في بلد تلو الآخر، في منطقة تلو الأخرى. وفي رسالته إلى لجنة نوبل، التي نشرها علناً على الإنترنت، قال نتانياهو إن ترامب «أظهر تفانياً ثابتاً واستثنائياً في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم». والسؤال المطروح هو كيف يمكن لسياسي يواجه لائحة اتهام من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية، أن يقوم بترشيح أي شخص مهما كان منصبه. فهذا الترشيح ينسف من حيث المبدأ كل ما تمثله جائزة نوبل من قيم أخلاقية وإنسانية.

خلال السنوات الماضية تلقّى ترامب من مؤيدين ومشرّعين موالين له العديد من الترشيحات لنيل نوبل السلام، الجائزة التي لم يُخفِ يوماً انزعاجه من عدم فوزه بها، معللاً «حقه» بالفوز بها للجهود التي بذلها في «حلّ النزاعات بين الهند وباكستان، وكذلك بين صربيا وكوسوفو»، وفي فضله في «حفظ السلام» بين مصر وإثيوبيا، وكذلك في رعاية الاتفاقيات الإبراهيمية الرامية لتطبيع العلاقات بين «إسرائيل» والعديد من الدول العربية.

وإذا فاز ترامب بالجائزة، فسيكون خامس رئيس أميركي ينالها بعد تيودور روزفلت وودرو ويلسون وجيمي كارتر وباراك أوباما. إلا أن إعلان الترشيح أثار تساؤلات حول مدى واقعية هذا الترشيح، خاصة وأنه جاء بعد انقضاء المهلة الرسمية المخصصة لتقديم الترشيحات. فالإعلان عن جوائز نوبل يتم في تشرين الأول من كل عام، وتُغلق الترشيحات في كانون الثاني السابق. من هنا فإن ترشيح نتنياهو لترمب لا يمكن النظر فيه، هذا العام، وبالتالي لا أساس موضوعي لهذا الترشيح. إضافة إلى ذلك، وفيما يتعلق بضبط التسلح ونزع السلاح، شهد العالم في عهد الرئيس ترامب استمرار تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا دون انقطاع، وازداد تدفق الأسلحة والصواريخ إلى الكيان الصهيوني، لتستخدم في التطهير العرقي، وتهجير السكان، وتحقيق إبادة جماعية.

وفي وقائع تاريخ جائزة نوبل، نشير إلى أن فوز أوباما بالجائزة بعد بضعة أشهر فقط من تولِّيه منصبه أثار جدلاً واسعاً. واستقال اثنان من أعضاء اللجنة بسبب قرار منح جائزة السلام في عام 1973 لوزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر والسياسي الفيتنامي لي دوك ثو بسبب التفاوض على إنهاء حرب فيتنام. وفي عام 1994 استقال أحد الأعضاء عندما تقاسم ياسر عرفات الجائزة مع «الإسرائيليين» شمعون بيريز وإسحاق رابين.

وحين نعلم أن الكيان الصهيوني حاز على حصة الأسد من جوائز نوبل على مستوى المنطقة، نستطيع القول بأن السياسة فعلت فعلها في قرارات القيمين على هذه الجائزة. على سبيل المثال حصل 12 إسرائيلي منذ عام 1966  على جائزة نوبل وأبرزها تلك التي نالها رئيس الوزراء مناحم بيغن عام 1978، وكل من شمعون بيريز وإسحاق رابين  بالتشارك عام 1994  بعد التوقيع على اتفاق أوسلو. وعلى خط آخر نال علماء «اسرائيليون» جائزة نوبل في مجال الكيمياء في الأعوام 2004 و2009 و2011، وفي مجال العلوم الاقتصادية عام 2002، وفي الرياضيات عام 2005. حتى في مجال الأدب تقاسم الكاتب شموئيل يوسف عجنون مع كاتب آخر جائزة نوبل واحدة.

الجدير ذكره أن ثمة معايير أساسية وضعتها لجنة نوبل النرويجية لاختيار الفائز من بين المرشحين، وتشمل مجالات تركيز اللجنة بشكل عام على ضبط التسلح ونزع السلاح، ومفاوضات السلام، والديمقراطية وحقوق الإنسان، والجهود الرامية إلى بناء عالم أكثر سلماً وتنظيماً. كل هذه المعايير لا تتوفر في الرئيس ترامب الذي سيصاب بخيبة أمل عندما تعلن اللجنة عن اختيار الفائز بجائزة نوبل لعام 2025. ففي ظل الأزمة الإنسانية المتواصلة والإبادة الجماعية في غزة، وافتقار «إسرائيل»، لدستور أو وثيقة حاكمة تضمن حقوق الإنسان، وافتقار الولايات المتحدة الأميركية لأي معاهدات أو اتفاقيات مكتوبة مُصدق عليها مع «إسرائيل» في هذا الصدد، لا يستطيع ترامب استيفاء معايير تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان المنصوص عليها في معايير جائزة نوبل للسلام.

وعن معيار السعي لبناء عالم أكثر سلماً وتنظيماً، فإن نهج ترامب في السياسة الداخلية والخارجية أدى إلى حالة من عدم القدرة على التنبؤ وعدم اليقين في الداخل والخارج، رغم دفاعه في حملته الانتخابية عن السلام والأمن والازدهار.

ووفق المسار الذي يسير عليه الرئيس ترامب منذ توليه الولاية الرئاسية الثانية، لا يمكن القول إنه يسدد الشروط والمعايير التي تفرضها جائزة نوبل للسلام، وبالتالي لا يمكن لهذه الجائزة الاعتراف بأن الرئيس ترامب قد بذل أقصى الجهود لتعزيز السلام، وحل النزاعات، وتعزيز التعاون الدولي.