بعد كل تلك الفخامة الشكلية لزيارة بابا روما لاوون الرابع عشر الى لبنان، لثلاثة أيام، بكلفة بلغت خمسة عشر مليوناً سددها رجال اعمال من القطاع الخاص وأصحاب البنوك ممن لم يبرئوا ذممهم بعد، كان علينا ان ندرك ان التوقيت والعنوان سيأتي علينا بصباح انقلابي، كما حصل.
فما ان انتهت الزيارة حتى كان الإعلان المفاجئ على لسان الناطقة باسم رئيس الجمهورية بقرار التفاوض المباشر والمدني خارج الإطار العسكري كما هو مرسوم في «الميكانيزم».
هو انقلاب عملاني تخطى صيغ الكلام الذي كان يتردد على لسان اهل الحكم، والزعم ان الجواب كان غائباً، بل يبدو انه كان توطئة للفعل بإيفاد مندوب لبناني برتبة سفير، اختارته واشنطن، كما بات معلوماً نظراً لموافقة «الأميركية» المساندة دوماً «للإسرائيلي». وهكذا سقطت ورقة التوت وتعرت سلطة سياسية مرسومة الأهداف مذ احضرت الى الحكم لترسم ما هو مطلوب منها.
ما حصل قدم للعدو هدية أولى «one package» بعد حربه التدميرية على لبنان جنوبا وبقاعاً وما أدت اليه من موت وقتل وتدمير وأسرى.
ثم ارض مطحونة لا أثر فيها لحياة او اخضر، بعدما اقتطع كله او جلّه فتصبح الأرض حكماً حزاماً عازلاً يمكن الاستفادة منها ارضاً لمنطقة اقتصادية وباطناً بمخزونها من نفط وغاز. وبعدما منعت هذه السلطة أي اعمار لها وفقا لأجندة موضوعة.
وكان واضحاً ومعلناً أمس كلاماً قيل عن لسان نتنياهو وكذلك اورتاغوس انه يريد المباشرة بالتفاوض الاقتصادي، كما كان واضحا ما كتبته «اكسيوس» عن الشروع بالتباحث بالمنطقة الاقتصادية ولا كلام عن حرب، بل هجمات ربما سيكون اكبرها اغتيال القائد طبطبائي.
هل سقطت «غرناطة» واخر قلاع المقاومة؟؟؟
ان قرار التفاوض المباشر من لبنان لعدو، يعلن جهاراً، انه يريد انشاء «إسرائيل الكبرى »، ويذهب مندوب دولتنا الذي اختارته واشنطن وبجدول اعمال أميركي ودون شروط مسبقة، بل مجرد ذعر من حرب يهول بها الأميركي على اللبنانيين، بأنها ستكون مدمرة في اعلام متواطىء وسفراء أدوات ودون اية شروط مسبقة ولا استنادا الى اشهار قوة مقاومته، بل انه شاء ان يتركها تظهر خالية الانفاق، منزوعة السلاح، لا بل مدمراً تؤكدها الصور التي يريدونها دليلا، والأكثر من ذلك يجرؤ الأميركي على الطلب من لبنان تسليمه صاروخاً لم ينفجر من الصواريخ التي أطلقت على بيروت (الضاحية الجنوبية) ،في انتهاك كبير للسيادة اللبنانية .
انه تفاوض دون شروط مسبقة ان بوقف النار الثابت او بتسليم الأسرى والانسحاب من الأرض المحتلة. مما يجعل من هذا التفاوض تنازلاً قد يعقبه اخر.
لا سيما المساندة العالية التي تقدمها دولة ترامب لكيان العدو، في استهداف مقصود للهيمنة على مناطق تشكل حزاماً امنياً واقتصادياً في كل منطقتنا، من غزة الى جنوب لبنان وجنوبي دمشق. هذا التلاقي في المصالح الأميركية – الصهيونية الأطلسية، يسهل على العدو عملية القضم والضم، في عالم منحاز الى منطق القوة التي تهزم الحق، فيما تنخرط كيانات المنطقة في خيار الاتفاقات الابراهيمية وبعد تبدل واقع دمشق من عمق الاستراتيجي للامة، الى أحد المهرولين للتطبيع وعدم المواجهة مع هذا العدو الوجودي، يضعنا امام محاذير أكبر من اتفاق 17 أيار، الذي فرض يومها على لبنان التفاوض المباشر، ولكن المقاومة الشعبية للبنان سرعان ما اسقطته وأوقفت خيار التطبيع الذي راهن عليه العدو منذ ذلك الوقت
ان صيغة التفاوض المباشر التي ذهب اليها لبنان مع كيان العدو، ويبدو انه سيكون تفاوض تحت النار،هو بالحقيقة اسقاط للقلعة الأخيرة في المقاومة وصراع العدو بالحديد والنار مع عدو لا يفهم إلا بالقوة وهذا ما شكله لبنان طيلة عقود ماضية، نموذجاً قدوة رغم تفوق العدو بالسلاح والتكنولوجيا. وشكل من ابطال مقاومته ايقونات.
انتصر لبنان على العدو في تثبيت القوة والمواجهة وعدم الاستسلام كمعايير للتلاقي مع هذا العدو، ومنتصرة دوما امتدت منذ اجتياح 82 الى الحروب العديدة التي حصلت وصولاً الى تحرير عام 2000 ثم حرب عام 2006 حيث شكل توازن القوة حالة رادعة للعدو استمرت الى الأمس، حين حرب الاسناد.
يجب ان لا ننسى انه بالمقاومة وحدها أسقط اتفاق 17 أيار الاستسلامي، واليوم رهان امتنا على أبنائها، رغم المحاولات المستمرة من العدو على زرع شقاق بين الطوائف والمذاهب وجعل شعبنا مللاً متفرقة فاقدة للوعي بالمخاطر.
في فهمنا العقائدي ان «مصلحة سورية فوق كل مصلحة» من هذا المنطلق يتحدد موقفنا في الصراع وفي السياسة وفي تحديد الوعي، وحياة امتنا هو فوق أي اعتبار، خارج مصلحة هذا الفهم لن يوقفنا أي اعتبار فردي او طائفي او حزبي بحت.
واي كلام عن واقعية خارج إطار الحقوق وحفظ هذه الأمة وثوابتها لا مكان له عندنا. ترفض امتنا ان تكون مواقفها نصف مواقف بين الحق والباطل، هي ابداً مع حقها في الحياة ولن تبقى الا بالصراع للحفاظ على حقوقها وثوابتها دون اية مساومات او تنازلات. فلنكن جديرين بهذه الأمة وتراثها الحضاري وآفاقها العظيمة


