دور الحزب في المحطات المصيرية

لا شك أنه عنوان يحتاج مؤتمراً تخصصياً. انه عنوان مفتوح على القراءة والفهم والتحليل، والاستراتيجية، والمراجعة، والتموضع.

في التحليل، نحن أمام دور مبدئي رسمته العقيدة، ودور تاريخي رسمته التجربة أو المسيرة، ودور حالي، ودور مستقبلي ترسم ملامحه القراءة النقدية وواجب صناعته وصياغته.

بداية يجدر تثبيت الأساس أنه لا معنى للحدث خارج سياقه، سياقه التاريخي وبعده الجغرافي المكاني. من هنا أهمية فهم تأسيس الحزب في سياق تاريخ الامة.

ليست كل المحطات تحولات. للتحول شروط ومقاييس. أيضاً فليست كل المحطات مصيرية، وهي التي تمتلك تعريفاً ومعاييراً محددة.

في سياق التاريخ السوري الجلي ثلاث مراحل تفصل بينها محطات ثلاث:

المرحلة الأولى: منذ ثلاثة الاف سنة وحتى عام 583 ق م تاريخ سقوط بابل. حقبة سوريا في ظل الدولة السورية الموحدة. الأكادية، الاشورية، البابلية، الكلدانية عام 58ق م.

سقطت اخر دولة مركزية. اذن انها مرحلة عاشت فيها سورية حوالي2500 عام في ظل دولة قومية مركزية.

المرحلة الثانية من سقوط بابل سقطت سوريا تحت الاحتلال الفارسي والمصري واليوناني والروماني والبيزنطي والعربي، والمغولي والصليبي، والعثماني، والفرنسي والإنكليزي واليهودي ـ الإسرائيلي والاميركي. حوالي 2500 سنة أخرى تحت الاحتلال ومنها حوالي 125 سنة تحت التجزئة.

المرحلة الثالثة بدأت عام 1932 كان يفترض أن تكون الأساس للعودة إلى المرحلة الأولى سوريا في ظل الدولة المركزية الموحدة. لم تكتمل، ولم يحصل هذا العبور. ويبقى السؤال لماذا لم نعبر؟ وكيف نعبر؟ متى سنعبر؟ ما هي الادوات اللازمة للعبور؟ هل نحتاج فرصة تاريخية لم تتوفر؟ ما هي معوقات وموانع العبور؟ هذه من أهم الاسئلة الملقاة علينا جميعا، والتي تعيد تشكيل كامل استراتيجيتنا المستقبلية.

اذن، هذا هو دور الحزب في عمقه الاستراتيجي وهذه محطات الأمة. الانتقال بسورية إلى دولتها المركزية. وهذه محطاتنا بحسب رؤيتنا فنحن نحقب تاريخنا من زاوية نظرنا. تأسيس الحزب-الدولة هو محطة التحول المركزية في تاريخنا السوري في الخمسة الاف سنة الأخيرة.

وفي مراجعة تاريخنا نثبت ما يلي : الثابت الاول أن كل منجزات الامة السورية الحضارية والفكرية والثقافية والنفسية ضاعت لعدم وجود دولة مركزية تحميها وتحافظ عليها. فنتائج غياب الدولة المركزية وفقدان السيادة على النتاج السوري الحضاري المتقدم كان كارثيا ومصيريا.

في المرحلة الثانية ثلاث محطات ومراحل ما زالت مفاعيلها مستمرة ويجدر التوقف عندها، وهي في المئة سنة الاخيرة:

  1918 (نهاية الحرب الأولى)  ـ 1945: تغيير خارطة القوى واعادة تشكيل العالم. سايكس بيكو، سان ريمو، التجزئة والتلزيم، 45عاما والتي ما زلنا نعيش مفاعيلها حتى اليوم.

  1945-( نهاية الحرب الثانية) 1990: وتغير خارطة القوى واعادة تشكيل العالم.  45عاما
في هذه المرحة قامت دولة اسرائيل وجرت حروب الانظمة.

  1990 إلى اليوم حوالي 35 عاما. انتهاء الحرب الباردة وتم الشروع في إعادة تشكيل العالم والمنطقة. ونسجل في هذه المرحلة تسارع الاحداث فنسجل 5 انتفاضات وثورات في فلسطين، استكمال اتفاقيات السلام مع الأنظمة الاردن وفلسطين (اوسلو ووادي عربة)، والتمهيد للأنظمة المتبقية. سقط حكم البعث في العراق وتم احتلاله.
تم افتعال 11ايلول. 2010 الربائع العربية (ليبيا وتونس ومصر وسوريا)، تم قلب الأنظمة بالقوة واحتلال ليبيا. خصل التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية        (2015). تم اشعال الحروب الأهلية وتوقيع الاتفاقات الإبراهيمية: السودان المغرب الامارات البحرين (2020). كان سقوط البعث من العراق فاتحة لسقوطه في سوريا ثانيا وصولا إلى طوفان الأقصى. في ال 15سنة الأخيرة شن كيان الاحتلال 5حروب على غزة. (2008-2023).

اذن نحن في هذه النقطة بالذات وفي هذا السياق التاريخي وبعد أشهر من سقوط نظام البعث وسنتين من طوفان الاقصى. هذا هو المشهد بتعقيداته وتحدياته.

من هنا يمكن ان نسجل عنوانين كبيرين:

أولاً – غياب المشروع القومي الاستراتيجي للتعامل مع المتغيرات الدولية والإقليمية.

 .. وهذا يحتاج إلى قراءة عميقة متخصصة علمية لواقع المتغيرات الدولية أساسه الفكر الاستراتيجي القومي والجيو استراتيجي. فمنذ التسعين وحتى اليوم. هل أكفر إذا قلت: “نحن بلا مشروع فكري كفيل بالتعامل مع المتغيرات: وهذا امتداد لواقع الحزب في الثلاثين سنة الأخيرة وكأنه كان جزءا تم ترتيبه على ايقاع ما ترتب.

ثانيا غياب الاتجاه النقدي الكفيل بمراجعة تجربة الحزب خاصة السياسية وإعادة تصحيح تجربته.

اما الثابت الثاني أن الحزب لم يبدع أدوات انتصاره وهذا عمق التحليل النقدي وبالتالي فهو يبدد طاقته ويفشل في استكمال العبور المشار اليه أعلاه. وهذه كلها أسئلة مفتوحة على النقاش والتحليل والمراجعة النقدية.

  السؤال الأساسي:

كيف تعامل الحزب مع المحطات الرئيسية والمصيرية في تاريخ الامة الحديث؟
 ماذا أعد الحزب للتعامل مع هذه المحطات ؟ سؤال المشروع التاريخي والأدوات.
واليوم بعد طوفان الأقصى وحرب غزة وحرب الاسناد من لبنان، ووصول ترامب إلى الحكم، ما الذي يجري في العالم؟ كيف تتجه المنطقة؟ أين أصبح مشروع النظام العالمي الجديد؟ ومشروع الشرق الاوسط الجديد؟ كل هذه الأسئلة ترفع من لتحديات الملقاة على القيادات الحزبية والنخب التي تقرأ في التفكير الاستراتيجي.

ما الذي يجب على الحزب القيام به؟ وضمن سلم أية اولويات؟ انها اسئلة المشروع فيعصر المحطات المصيرية.

الخلاصة: ان تأسيس الحزب هو نفسه التحول المركزي الاساسي في تاريخ الامة، انه عقل الامة وقلبها وارادتها ومن هنا يصبح السؤال: كيف يصبح الحزب بالفعل إرادة الامة؟ فيبدأ تاريخ الامة الصحيح الفاعل لا المفعول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *