القرار الامريكي والعقيدة التوراتية

خلال العمر القصير لدولة الاحتلال تداول على السلطة فيها عشرات الحكومات وكان القاسم المشترك الأعظم ما بين تلك الحكومات هو العمل على إلغاء الشعب الفلسطيني ومواصلة الحرب على الأمة وتنفيذ أجندات الراعي المشغل الغربي القاضية بمنع وحدتنا والعمل على إبقاء حالة الانقسام وزرع عناصر عدم الاستقرار في بلادنا، بالطبع فان بعض تلك الحكومات كانت تدعي كاذبة رغبتها بالسلام وأحيانا ذهب بعضها للزعم بأنهم يقبلون بوجود دوله فلسطينية ولو منزوعة من السلاح والسيادة تعيش إلى جانب دولة الاحتلال.

إلا أن هذه الحكومة التي تشكلت في كانون أول 2022 أثبتت أنها الأكثر وضوحا وصراحة في أجندتها، فهي تريد حسم الصراع على مستوى الأمة لا إدارته فحسب، وتريد ضم الضفة الغربية وطرد سكانها، وتهويد المسجد الأقصى، وسحق المقاومة في غزة ومحاولة تهجير سكان القطاع إلى سيناء ومنه إلى جهات الدنيا الأربعة، وتريد إقامه جدران أمنية واقية على غرار ما أقامته في لبنان عام 1978 (شريط سعد حداد- أنطون لحد) و ذلك في جنوب لبنان وفي جنوب وشرق سوريا تستولي من خلال تواجدها و عملاءها على مصادر المياه كل هذا بالطبع أن استطاعت ذلك.

وبرغم ما تبديه السلطة الفلسطينية في رام الله من عداء للمقاومة وما يصدر عنها من اتهامات لحركة حماس على أنها مغامرة في السياسة ، وانها ذهبت منفردة في خيار الحرب وبالتالي فإنها تحملها قبل ان تحمل دولة الاحتلال المسؤولية عن ما حدث في غزه من هدم وقتل ودمار، وهي تقمع المقاومة في الضفة الغربية ولا تتوقف عن التنسيق الأمني الذي وصل إلى حد القداسة، إلا أن حكومة الاحتلال تعمل على تقويضها وتعلن عن ذلك صراحة، كما تقوم بأفعال تفقد السلطة الفلسطينية هيبتها وتجعل منها عاجزة أمام مواطنيها، وغير قادرة على دفع رواتب عساكرها وموظفيها، فيما لا تقوم السلطة الفلسطينية باي اعتراض حقيقي على إجراءات الحكومة (الإسرائيلية) الذاهبة باتجاه بناء مزيد  من المستوطنات ومصادرة مزيد من الأرض لا بل وقد اصبح اليوم اكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية بحكم الملحق إلحاقاً نهائياً بدولة الاحتلال، وبالتالي فان تقويض السلطة الفلسطينية ليس بسبب التزاماتها تجاه شعبها أو بسبب رفضها للإجراءات (الإسرائيلية) وإنما باعتبارها خطوة على طريق تقويض المجتمع وإفقاره ونشر الفوضى والخراب كمقدمة لتهجير إعداد كبيرة من الفلسطينيين للأردن إضافة إلى أنها لا تريد أي ذكر حتى ولو كان على الورق لدولة فلسطينية أو لسلطة فلسطينية أو لأي مشروع يحمل هذه المفردة: فلسطين.

هذا فيما تتعرض الحكومة (الإسرائيلية) لضغوط شديدة أن من يهود العالم والليبراليين في مجتمعها أو حتى من معارضيها في اليمين وبدا إنها قاب قوسين أو أدني من السقوط وهذا أمر لا يزال محتملاً، ولكن الرئيس الأمريكي القوي الذي لم تشمل زيارته لمنطقتنا المرور على تل أبيب مما جعل بعض منا يرى في ذلك إشارة ودليل على تخلي الرئيس الأمريكي عن حكومة الحرب (الإسرائيلية) وهو ما ثبت مؤخرا عكسه.

قد ترى الإدارة الأمريكية ضرورات تختلف عن تلك التي تراها حكومة نتنياهو وهذا امر طبيعي حتى داخل الفريق الواحد وقد ترى ضرورة عدم ذهاب إسرائيل بعيدا في استفزاز الراي العام العالمي الذي اصبح ضاغطا على كثير من حكوماته خاصة في أوروبا الغربية، إلا أن التخلي عن (إسرائيل) امر غير وارد على الإطلاق كما أن التخلي عن هذه الحكومة أيضاً غير وارد في المدى المنظور فهي لا تزال مدعومة بقوة من الإدارة الأمريكية التي طلبت من سفيرها في تل أبيب أن يجتمع مع أحزاب حريديه متدينة لا قناعهم بضرورة عدم إسقاط الحكومة، و هنا نعرف أيهما اهم عند الأحزاب الإسرائيلية بما فيها المتدينة، قناعاتها التوراتية الدينية أم القرار الأمريكية، العقيدة أم المصلحة.

لم نضطر أن ننتظر كثيراً، فصبيحة أمس الخميس وبنتيجة التصويت الذي شارك به الحر يديم ظهر ان التأثير الأمريكية اقوى من العقائد و من التوراة والتلمود، إذ تم تعويم نتنياهو وجماعته نتيجة للتدخل الأمريكية، هذه المسالة يمكن احتسابها كرد وامتنان من إدارة ترامب لا صدقائه الإبراهيميين على ما قدموه من هدايا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *