القواعد العلمية في علم الاجتماع الانساني تقول ان الارتقاء الانساني مادي نفسي كما تقول ان الثقافة النفسية جارت الثقافة المادية وقامت عليها الحياة العقلية، كذلك تقول ان رابطة الانسان الاجتماعية الاولى هي الرابطة الاقتصادية. وتقول ايضا ان الدولة أجدر الشؤون والمظاهر الثقافية تمثيلا للحياة العقلية حتى يمكننا القول ان الثقافة الانسانية والدولة صنوان
ولأن العالم ما زال في طبيعته وواقعه امم وبيئات لا بد لنا ان نعرف الامة تعريفا صحيحا علميا كما عرفها المعلم: الامة جماعة من البشر تحيا حياة موحدة المصالح موحدة المصير موحدة العوامل النفسية- المادية في قطر معين يكسبها تفاعلها معه في مجرى التطور خصائص ومزايا تميزها عن غيرها من الجماعات “سعاده”. وإذا كانت كل التعريفات العلمية تقول ان المجتمع هو الامة. أمة واحدة -مجتمع واحد. فوحدة المجتمع هي قاعدة وحدة المصالح ووحدة المصالح هي وحدة الحياة وعدم الوحدة الاجتماعية ينفي المصلحة العامة الواحدة. والمصلحة هنا هي كل ما يرى الانسان تحقيقا لجمال وجوده. هي مصلحة كل المجتمع لا مصلحة فرد او افراد وليست مصلحة جزئية، بل مصلحة الشعب ذي الحياة الواحدة الممثلة في الارادة العامة الواحدة. كذلك يؤكد معلمنا: ان ظهور شخصية الجماعة أعظم حوادث التطور البشري شأناً وأبعدها نتيجة واكثرها دقة ولطافة وأشدها تعقيدا، اذ ان هذه الشخصية مركب اجتماعي- اقتصادي – نفساني يتطلب من الفرد ان يضيف الى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته.
انطلاقا من هذه القواعد العلمية نجد في الارض السورية -البيئة السورية كل الإمكانيات المادية متوفرة بها، وغنية في ثرواتها الطبيعية وهي بيئة متنوعة جميلة موقعها الجغرافي مميز. وان راجعنا تاريخ سورية الطبيعية نجد ان الثقافة النفسية في سورية جارت الثقافة المادية واقامت عليها الحياة العقلية وقد طوعت هذه العقلية البيئة وجعلتها في خدمة الانسان، والتاريخ شاهد على ان سورية مهد الحضارات والسباقة في الارتقاء الانساني.
وإذا نظرنا حاليا الى سورية (فلسطين، الاردن، العراق، الشام، لبنان) نجد ان في هذه المناطق تدور المصلحة الاجتماعية الاقتصادية دورة واحدة في دورة حياة واحدة عنوة ورغما عن العراقيل التي وضعتها الانظمة السياسية الجاهلة لحقيقة الانسان -المجتمع وترابط مصالحه الطبيعية غير المفروضة او المفتعلة. ورغم الجهد المبذول لاصطناع الحدود من قبل الانظمة القاصرة لم يتمكنوا من الحد من دورة الحياة الطبيعية فنجد ان المصالح متشابكة واي ضرر في منطقة يصيب المنطقة الاخرى.
ولان الدولة هي أرقى المصالح السياسية للمجتمع، ولأنها شأن ثقافي بحت ووظيفتها من وجهة النظر العصرية العناية بسياسة المجتمع وترتيب علاقات اجزائه في شكل نظام يعين الحقوق والواجبات. وفي سورية الطبيعية نشأت فيها دول عديدة عبر تاريخها ونقدر ان نطلق عليها دول عظيمة لأنها راعت مصالح الشعب العمومية ولأنها راعت الحقوق المدنية والواجبات ونظمت القانون وجعلته مدنيا وجعلت الإدارات العامة في خدمة الشعب.
إذا كان شعبنا السوري منذ ما قبل التاريخ قد تفتح فيه العقل وأنتج نظم دولة تمثل مصلحة الشعب العامة. فماذا يعيق شعبنا اليوم في الألفية الثالثة من اقامة دولة قومية عصرية مدنية تعنى بسياسة المجتمع وترتيب علاقات اجزائه في شكل نظام حديث ومتطور يعين الحقوق والواجبات الواحدة للشعب الواحد، طالما ان رابطة هذا الشعب الاجتماعية الاقتصادية قوية ومتماسكة وجارية بين ابنائه ولقد لمسنا وحدة مصيره وما غابت عن نظرنا رغم تنكر البعض لها زورا.
فدورة الحياة فارضة نفسها والمصالح واحدة فما هو العائق لقيام دولة قومية مدنية للشعب السوري، فالعائق ليس العامل الخارجي لأنه يسهل التغلب عليه اما العامل الصعب هو العامل الداخلي الذي يتمثل في السياسيين النفعيين الذين رباهم الاجنبي واورثهم سياسته في بلادنا فكان هذا العامل السكين المسموم في خاصرة كل محاولة لوحدة الامة السورية والوطن السوري. والعامل الثاني هي العصبية الكيانية المناطقية التي ولدها السياسيين وفلسفوا دولة المنطقة المستقلة وكأن المنطقة كوكب شارد في الفضاء
والعامل الثالث العصبية الدينية والتي اعتبر كل دين نفسه انه أمة واعتبر كل مذهب انه دولة لها سياستها وقانونها وشريعتها ومجالها الجغرافي وترفض ان يسري على اتباعها قانون مدني واحد جامع يخضع له كل ابناء الامة
والعامل الرابع النزعة الحزبية التسلطية التي تسلطت على الحكم او السلطة في بعض الكيانات والتي مارست الحكم لمصلحة الحزب او فئة من الحزبيين وضربت بعرض الحائط مصلحة الشعب السوري والوطن السوري ومارست الكيانية كما مارستها الانعزالية المتغربة.
والخاتمة، ان خلاصنا يكون في انتفاضة الشعب السوري على كل انواع المعطلات السياسة والطائفية والكيانية من اجل تحقيق ارادته العامة في اقامة دولة قومية ديمقراطية مدنية تمثل المصالح والارادة الشعبية العامة يتمتع فيها جميع المواطنين بكافة طوائفهم واعراقهم بنفس الحقوق والواجبات دون تمييز . لقد جمعتنا وحدة المصالح النفسية المادية في دورة حياة واحدة على ارض واحدة فيجب ان ننتصر لها كي تنتصر بنا وتتحقق.