غليان في منطقتنا

المنطقة تغلي، هكذا يفسر المراقبون حالة التوتر السائدة، وكذلك الاستعدادات الجارية كما يبدو من جهة الأميركي ودعواته إلى رعاياه المدنيين في المواقع العسكرية والسفارات في العراق والكويت، ثم إعلانه عن حالة الاستنفار العام أو الاستعداد العام مع حلفائه في المنطقة.

فهل يعني ذلك ان الشرق الأوسط سيكون مقبلاً على اشتعال حرب جديدة، من خلال توجيه ضربة «إسرائيلية» إلى إيران أو هو تهويل يريد منه الأميركي ابتزاز الإيراني في التفاوض الجاري؟ لاسيما بعد الورقة التي امسكتها طهران من خلال حصولها على وثائق عسكرية تجعلها في حال قيام ضربة عليها، ترد الصاع صاعين؟

المنطقة تغلي نعم، منذ الحرب المستمرة على غزة منذ 600 يوم ودون توقف، حيث يدور صراع بين الجبابرة أبناء الأرض وقاتليهم القادمين من اصقاع العالم، ولم ولن ينالوا من عزيمة البقاء والصراع لدى الغزاويين، رغم كل الدعم الغربي والدولي.

لايزال الفلسطيني يقاوم أن في غزة أو داخل أراضي الـ 48 فيواجه الاستيطان كما آلة الحرب المدمرة بقصد الإبادة، فيكبدون العدو خسائر بدباباته وجنوده. لكن حتى الآن لم تستطع كل دول عرب المنطقة كسر حصار الجوع عن غزة واطفالها المتروكين فريسة سهلة له، كما فشل الناشطين الدوليين وسفنهم.

المنطقة تغلي ووحده اليمن لايزال يدعم غزة بصواريخه فيرعب مستوطني «تل ابيب» ويقفل مطار «بن غوريون» أمام الشركات الطيران العالمية، دون ان يهاب العدو وضرباته هو وحلفائه الأميركي والاوروبي.

الغليان في المنطقة مستمر وجبهة لبنان لا تزال تحت وطأة الاحتلال الجاثم على تلال جنوبها، وقسوة التهديدات، بعدم التجديد لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان، يرافقه تهويل داخلي موازي بخطورته، لتفوقه على رغبات العدو نفسه، بقصد افراغ المنطقة الحدودية امام مشاريع العدو وداعميه الدوليين حتى بفرضية اخضاع لبنان للبند السابع، بعد ترحيل هذه القوات المعنية بمراقبة تطبيق القرار 1701.

ليست الحدود الشرقية الشمالية ايضاً بمأمن من الاستهدافات حيث يبدو واضحاً الاستحسان الأميركي للرئيس السوري وفك قيوده القيصرية، وكذلك كل ادواره السابقة، وألقابه «كالجولاني»، ومن كل الارتكابات التي اداها نحو الداخل السوري.

حيث يعتقد البعض ان ربطاً للمسارين اللبناني/السوري قد يحصل، بعد الهرولة الجارية من حكومة الشرع تجاه الانخراط بالاتفاقيات الابراهيمية مع العدو، وكذلك صمته المطبق على ما يتعرض له من تدمير لقدراته العسكرية واللوجستية بالغارات الإسرائيلية المستمرة وبالتوسع القائم من ناحية جبل الشيخ والجولان وقد باتت الاميال معدودة نحو دمشق.

بالمقابل، لم تقم دمشق بأية خطوة تعاون سلس مع اللبنانيين ودولتهم التي قامت بواجبها على أكمل وجه منذ حكومة ميقاتي إلى سلام، ويبقى الترقب قائماً لزيارة الشيباني المرتقبة خلال أيام إلى بيروت. وكذلك ما سيسفر عن تسلم مبعوث أميركي واحد «توم باراك» ملف البلدين لبنان والشام.

وبالطبع يحب بعض المهولين إعادة الذاكرة إلى الخلف، منتصف السبعينات، ودخول القوات السورية من خلال ما عرف يومها بقوات الردع العربية رابطين ذلك بأحداث اليوم، ويغيب عن هؤلاء ان عناوين العصر السابق لم تعد تتطابق مع هذا العصر، (من العروبة إلى الاموية).

امام كل هذه التطورات على جبهة لبنان يبقى ملف سلاح المقاومة، يقض مضاجع جماعة المزايدين بالسيادة أكثر من العدو نفسه، وذلك في انحناءة مشهودة لمطالب الخارج، في تفسيرات تستبيح الوطن وكرامة أبنائه وحياتهم وارزاقهم من جديد وبما يرافق ذلك من حضور لتهديدات «افيخاي ادرعي» السيء الذكر وفي تفسير خاص بهم للقرار 1701، في توقيت لاتزال تطوراته تغلي بالمستجدات ان بما يدعى بمصير الأقليات الدينية أو بمصير الكيانات المهددة بتقسيم المقسم.

غليان المنطقة يقابله غليان مستجد في الولايات المتحدة الأميركية نفسها من خلال تطور الاحداث في ولاية كاليفورنيا وسواها من الولايات وما ستتركه هذه الاحداث من إنهاك للداخل الأميركي ليأتي السؤال إذا كان سيؤدي الأمر بالإدارة الأميركية لترك منطقتنا لأدواتها ورببتيها؟

حيال تعدد الخيارات لمواجهة ما يعدّ لامتنا من مخاطر نقول ما قاله سعاده «ان ازمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحية فلا يكون لها انقاذ إلا بالبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *