بمرور عام على انطلاقة حرب الإبادة الجماعية على شعبنا العربي الفلسطيني في غزة. وصمود المقاومة والتضحيات الكبرى التي قدمتها جعلت من هذه المناسبة نقطة مضيئة في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني، حيث أظهرت قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود الاسطوري واسقاط كثير من المفاهيم الشائعة حول الجيش الذي لا يقهر وغيرت من نظرة الدول لمظلومية الشعب الفلسطيني.
هذه الحرب الظالمة التي تركت تداعيات كبيرة وآثار هائلة على الكيان الغاصب في كل مناحي الحياة لا سيما المنحى الاقتصادي في الكيان الغاشم وخسائره الكبيرة وتأثير ذلك على الكيان
وخاصة بعد توسيع حربه وامتدادها الى الجبهة اللبنانية ومحاولة فتح جبهات أخرى.
يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد البهنسي لـ(الجزيرة نت) إنه لا يمكن الاعتماد على أرقام محددة إلى الآن سواء رسمية أو غير رسمية في تحديد الكلفة اليومية التي تتكبدها إسرائيل في الحرب بشكل دقيق.
لكن يمكن أن نشير إلى أن معطيات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية أظهرت أن تكلفة الحرب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى نهاية مارس/آذار 2024، بلغت أكثر من 270 مليار شيكل (73 مليار دولار)، بمعدل وسطي 427 مليون دولار يوميا. ولكن لم يتضح إذا كانت الكلفة هي الاجمالية ام العسكرية فقط.
وكانت بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، أشارت إلى أن كلفة الحرب اليومية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، بلغت مليار شيكل يوميا (270 مليون دولار)، قبل أن تنخفض خلال العام 2024 لتصل إلى 350 مليون شيكل (94 مليون دولار).
وفي تقدير آخر، رفعت إسرائيل موازنة الدفاع في يونيو/حزيران الماضي من 87.45 مليار شيكل (23.52 مليار دولار) إلى 98.75 مليار شيكل (26.56 مليار دولار) وهو ما يعادل -تقريبا- 72.76 مليون دولار
وتتضمن المصروفات المباشرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وفق كالكاليست حوالي 129 مليار شيكل (36.4 مليار دولار)، منها:
• 37 مليار شيكل (10.4 مليارات دولار) تُنفق على رواتب جنود الاحتياط.
• 29 مليار شيكل (8.2 مليارات دولار) على الذخيرة والأسلحة.
• 19 مليار شيكل (5.4 مليارات دولار) على الطائرات والسفن وأعمال الصيانة.
• 13 مليار شيكل (3.7 مليارات دولار) على الأسلحة.
• 13 مليار شيكل أخرى (3.7 مليارات دولار) على الخدمات اللوجستية.
• 8 مليارات شيكل (2.3 مليار دولار) على أنظمة الاتصالات والمعلومات الاستخباراتية.
• 6 مليارات شيكل (1.7 مليار دولار) على البنية التحتية والدعم المدني.
• 4 مليارات شيكل (1.1 مليار دولار) على العلاج والتأهيل والدعم للعائلات.
• ولمواجهة التكلفة الباهظة للعملية العسكرية وبغية منع العجز التراكمي بالموازنة العامة لوزارة الأمن، تمت زيادة الميزانيات المخصصة لوزارة الأمن، بإضافة 30 مليار شيكل (8.1 مليارات دولار)، وبذلك بلغ الحجم الإجمالي لميزانية الأمن خلال الحرب حوالي 100 مليار شيكل (27 مليار دولار).
أما عن التكاليف الاقتصادية للحرب على إسرائيل فقد أشارت وكالة بلومبيرغ إلى أن مسؤولين إسرائيليين قدروا فاتورة الحرب خلال العام الماضي بنحو 66 مليار دولار، وهو ما يعادل نسبة 12% من الناتج المحلي لإسرائيل، كما بلغ الإنفاق الحربي خلال العام الماضي 25.9 مليار دولار وعجز الميزانية 8.3%، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على القروض لتمويل هذا العجز، وقد بلغت قروض إسرائيل خلال العام الماضي قرابة 53 مليار دولار.
وبخصوص الأضرار والخسائر الناجمة عن تعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لقصف صاروخي، أظهرت تقديرات سلطة الضرائب الإسرائيلية أن حجم الأضرار المباشرة للمباني والمنشآت التي تكبدتها مستوطنات «غلاف غزة» بلغت 1.5 مليار شيكل (405 ملايين دولار)، بحسب بيانات سلطة الضرائب الإسرائيلية.
ويُستدل من تقارير سلطة الضرائب أن قيمة الأضرار غير المباشرة والتعويضات للمتضررين في مستوطنات الغلاف والنقب الغربي وصلت 12 مليار شيكل (3.35 مليارات دولار)، حيث تشمل الخسائر والأضرار التي تكبدتها فروع الزراعة، والسياحة الداخلية، والترفيه والمطاعم والمقاهي، والصناعات الخفيفة.
أما بخصوص الأضرار والخسائر في الجليل الأعلى والغربي والبلدات الإسرائيلية الحدودية مع لبنان والجولان المحتل، فلا توجد هناك بيانات رسمية وجرد للأضرار من قِبل سلطة الضرائب، وذلك بسبب خطورة الأوضاع والقتال مع حزب الله.
ويقول خبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد البهنسي إن الدافع وراء فتح إسرائيل الجبهة الشمالية مع حزب الله هو اقتصادي إذ تم تهجير كتلة كبيرة من الشمال بدءا من الثامن من أكتوبر/تشرين الأول مع دخول حزب الله جبهة الإسناد للمقاومة الفلسطينية مما أوقف الأنشطة. الاقتصادية في هذه المنطقة كذلك.
ويضيف البهنسي أن تلويح وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين بأنه يبحث عن ثغرة لإلغاء اتفاق اقتسام حقول الغاز مع لبنان يشير إلى إمكانية حرمان إسرائيل من عوائد الغاز من هذه المنطقة.
وقال كوهين في تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن ما وصفه بـ «اتفاق الغاز الفاضح» مع لبنان، «كان خطأ منذ البداية»، مؤكدا أنه يبحث عن ثغرة لإلغائه.
حيث تضررت أكثر من 500 منشأة سكنية زراعية وصناعية وتجارية، من جراء إطلاق صواريخ من حزب الله على شمال الكيان على ما أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت التي لا تستبعد أن يكون حجم الخسائر والأضرار مضاعفا وتشير التقديرات إلى أن حجم الخسائر الأولية في شمال البلاد جراء صواريخ حزب الله، تقدر بحوالي ملياري شيكل (540 مليون دولار)
كان لطوفان الأقصى آثار اقتصادية سلبية مباشرة على إسرائيل من اليوم الأول، فقد تراجعت قيمة العملة الإسرائيلية، وكذلك انخفضت البورصة بصورة ملحوظة بسبب هروب الكثير من المستثمرين الأجانب.
وتشير التقديرات إلى أن قيمة العملة الإسرائيلية تراجعت بنسبة 5% على الرغم من ضخ البنك المركزي الإسرائيلي قرابة 30 مليار دولار للحفاظ على قيمة الشيكل، وقد أثر ذلك على رصيد إسرائيل من احتياطيات النقد الأجنبي.
أما خسائر البورصة في إسرائيل بسبب عملية طوفان الأقصى فقد قُدرت بنسب تتراوح بين 9% و20% على مدى فترات مختلفة، وكان قطاع البنوك الأكثر تضررا في البورصة بسبب خروج المستثمرين الأجانب، وقدرت دراسة للمعهد العربي للدراسات الخسائر بنحو 20 مليار دولار.
وفي آخر النتائج الخاصة بالتأثيرات السلبية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي ظهرت مخاطر من تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل من قبل الوكالات المختصة، والتي كان آخرها «ستاندر آند بورز»، والتي خفضت تصنيف إسرائيل من «إيه +» A+إلى «إيه» Aوذلك للمرة الثانية خلال العام، وأبقت على نظرتها المستقبلية السلبية كما أشار تقرير الوكالة إلى توقعات بشأن تراجع معدلات أداء النمو الاقتصادي بإسرائيل، ووجود عجز مالي في الأجلين القصير والمتوسط وزيادة الإنفاق الحربي لإسرائيل.
إن عملية طوفان الأقصى هزّت الاقتصاد الإسرائيلي بقدر ما هزّت المؤسّسة الأمنية والعسكرية والسياسية، ووضعت السياسات الاقتصادية لحكومة إسرائيل أمام تحدّيات صعبة. وقد أفادت وزارة العمل الصهيونية أن أكثر من مليون مواطن، أي ما يشكّل حوالي خمس القوى العاملة في تل أبيب، عاطلون عن العمل بسبب عمليات الإجلاء أو إغلاق المدارس وما يستتبعه من رعاية للأطفال، أو الاستدعاء لأداء خدمة الاحتياط
ويتوقع نتيجة ذلك نقص الانتاج وتراجع الصادرات السلعية نتيجة الخلل في القوى العامله في قطاع الزراعة والصناعة والسياحة وما يرتبط بها من خدمات، وهي تُعدّ رافدًا مهمًّا من روافد الاقتصاد الإسرائيلي وميزانيته العامّة ،بناتج إجمالي يبلغ نحو 7.7 مليار دولار، وقد تعرّضت لشللٍ كامل ذلك أن المعطيات تشير إلى إلغاء كل الحجوزات تقريبًا في الفنادق والمنشآت السياحية، في حين يجري استخدام جزء كبير جدا من طاقتها الاستيعابية حتى الآن في إيواء عائلات جرى إجلاؤها من مناطق ومستعمرات قريبة من الحدود مع غزّة، ومن شمال البلاد .
أما قطاع النقل:
لا يختلف الحال كثيرًا بالنسبة إلى قطاع النقل، والنقل الجوي على وجه الخصوص؛ إذ أعلنت مجموعة من خطوط الطيران العالمية تعليق رحلاتها إلى إسرائيل، وأصبح دور النقل الجوي المدني ينحصر في إجلاء الرعايا الأجانب والإسرائيليين الفارّين من الحرب
التأثيرات الأعمق لم تحدُث بعد
من الناحية الاقتصادية، المتوقّع أن تفضي هذه الحالة العميقة السائدة من عدم اليقين إلى تثبيط الاستثمار، والحد من مستويات الاستهلاك، وضرب قطاعَي السياحة والنقل وغيرهما من الخدمات. كما ستؤثر هذه الحالة في جاذبية الاقتصاد الإسرائيلي للعمالة الأجنبية؛ ما يعني أنه سيواجه سلسلة من الارتفاعات في الأجور بسبب نقص المعروض من العمالة، وبعدما أفضت هذه الحالة إلى هجرةٍ عكسيةٍ لخارج «إسرائيل ».
ان تعاظم هذه الاثار على الكيان مستمر بعدما فتحت جبهات جديدة في لبنان واليمن والضفة الغربية وما لها من كلفة مادية وعسكرية وكذلك تداعياتها المؤلمة على العدو وكيانه في كل مناحي الحياة وخاصة الاقتصادية والمعيشية .
الباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور أدهم هندي شقير /دمشق