تعود جذور الابراهيمية :
1- الى مبادرات فرنسية في ثلاثينيات القرن الماضي (مؤتمر باريس وافتتاح مسجد باريس الكبير).
2- ستينيات القرن الماضي بتغطية من الامم المتحدة وحضور البابا يوحنا الثالث والعشرون، والداي لاما ، و الامريكي روبرت مكنمارا، الذين شكلوا جمعية باسم معبد الفهم ، ونالوا اعتراف الامم المتحدة كمنظمة غير حكومية عام 1975، وتوالت اجتماعاتها بحضور متزايد ضم لاحقا الرئيس الروسي ، غورباتشوف الذي تسبب في الانهيار السوفياتي.
منذ ذلك الوقت ، وبمساعدة اليونسكو تحول شعار الجمعية ، وحدة الاديان، الى ماكينة تغطي كل نشاطاتها ، وكن الابرز على هذا الصعيد اختيار مدينة استانة كمركز لهذه النشاطات منذ عام 2003.
وبحسب الباحثة الروسية اولغا تشيتفيريكوفا في كتابها (دكتاتورية المستنيرين) فإ، القصر الذي تعقد فيه الاجتماعات المذكورة باسم ، قصر السلام والوفاق ، اشبه بهرم ماسوني (ص189-193)
3- تشكيل المنتدى العالمي لحوار الاديان واطلاق رئيس البنك الدولي الاسبق ، جيم ولفسون، لحوار مماثل ، الى المبادرة السعودية بعقد مؤتمر دولي لحوار الاديان في اسبانيا 2008، وبمشاركة رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، الى مؤتمر الدوحة 2018 ، والابراهيمية السياسية تقارب وتناقش كقناع لدمج المشروع الصهيوني في المنطقة، لا سعيا وراء تقريب للمذاهب والاديان .
واذا كانت البدايات الاولى في خدمة التوظيف السياسي للدين ، الا ان السنوات الاخيرة نقلت الفكرة الى ما هو ابعد واخطر ، بالتوافق مع تداعيات تفكيك المنطقة واعادة تركيبها على شكل محيط من الكانتونات والكونفدراليات الطائفية حول المركز الاسرائيلي .
فهل انتقلت المتروبولات الامبريالية واقلام استخباراتها ، من الاسلام الاطلسي ممثلا بالمحور التركي – القطري – الاخواني واداوته ومنابره الاعلامية والمالية والايديولوجية ، الى الابراهيمية السياسية ممثلة بالمحور الاماراتي – الاسرائيلي المدعوم من تيارات امريكية وبريطانية ، وهل سنشهد افول اردوغان والدور التركي بالتزامن مع افول الاخوان والدور القطري لصالح السيناريو الثاني .
فيما يخص السيناريو الاول ، الذي دخل طور الافول ، اظهرت عشرات الدراسات والوثائق ان جولات واسعة من اللقاءات جرت بين الدوائر البريطانية والامريكية ذات الصلة ، وبين اوساط اسلامية محسوبة على الاخوان وغيرهم ، وذلك على مدار عقود الحرب الباردة ضد عدوهم المشترك ، حركات التحرر وموسكو والصين .
وقد تعمقت هذه اللقاءات في العقدين الاخيرين ، وخاصة سنوات الفوضى الدموية التي عرفت بالربيع العربي ، وكان من نتائجها تبني ودعم الامبرياليات لطبعة خاصة من الاسلاميين ، العرب والترك، ومساعدتهم على الوصول الى الحكم او المشاركة الاساية فيه ، مقابل الحفاظ على المصالح الرأسمالية، ولاسيما فلسفة السوق واعادة هيكلة الدولة والمجتمع ، والعمل معا ضد موسكو وبكين وحركات التحرر ، والبحث عن صيغة مشتركة لاستغفال الجماهير فيما يخص الموقف من الكيان الصهيوني ( هدنة طويلة على غرا صلح الرملة) كما اقترح الشيخ احمد ياسين وخالد مشعل .
وكان من صمامات الامان الغربية التي استدعت ذلك ، تنظيم لقاءات سرية وعلنية ، جمعت الاوساط الاسلامية المتورطة مع قادة الايباك اليهودي وشملت هذه اللقاءات شخصيات مثل ، اردوغان والغنوشي وغيرهم .
وقد بدا مشهد الشرق الاوسط في ضوء ذلك، كما انه يتجه فعلا نحو تسليم المنطقة للمثلث التركي –القطري – الاخواني (المركز السياسي الاقليمي ، حنفية المال والاعلام ، والشارع) حتى ان الاعترافات المتوالية لمسؤولين في العواصم الاطلسية كشفت عن دورهم في حسم الامتار الاخيرة من سباق المسافات في مصر (معركة الصناديق الاخيرة قبل تسليم الحكم لمرسي) كما في تونس ، لكن التطورات التالية على المستوى الاقليمي لم تكن بالحسبان ، وذلك عندما تمكن الجيش السوري ثم المصري من وضع حد لمرحلة الاسلام الاطلسي ، وما تلا ذلك من تطورات في تونس والمغرب وليبيا ، وثمة ما يؤشر على غياب شمس اردوغان قريبا.
وقد جرت التطورات المذكورة على ايقاعات مركبة ومتناقضة ، بينها مؤشرات قوية على تبدل اللاعبين ومواقعهم والاستراتيجيات التي يتحركون من خلالها ، فمقابل قطر برزت الامارات ، ومقابل اسلام راند (مؤسسة تابعة للبنتاغون) تحولت حوارات الاديان الى شكل من الابراهيمية السياسية ، وكان ملاحظا انه مقابل موقف صهيوني واضح يدعم الابراهيمية السياسية ، فان الموقف الامريكي ظل بين تجاذبات المشروعين ، اسلام راند وابراهيمية تل ابيب ، ولم يكن ذلك ناجما عن تباين في موقف الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة .
فثمة اصوات ابراهيمية داخل الحزب الديموقراطي ، مقابل اصوات من جماعة الاسلام الاطلسي داخل الحزب الجمهوري ، وقد يكون الامر نفسه موجودا داخل اجهزة الخارجية والمخابرات ، فمن المعروف ان اكثر المتحمسين للابراهيمية السياسية ، هو الرئيس الامريكي الاسبق ، كارتر، مقابل اهتمام اقل عند رؤساء ديموقراطيين اخرين، مثل اوباما .
وتزداد اشكالية هذه المفارقة ، مع تبدل الاهتمامات الدولية الاساسية لواشنطن واهتمامها اكثر بالصين وروسيا الاوراسية، وهو الاهتمام الذي يستدعي اهتماما بالاسلام الاطلسي اكثر من الابراهيمية ، بالنظر الى ما يعرف بالحزام الاخضر الاسلامي ومركزه التركي القابل للتوظيف السياسي للدين منذ عقود .
وفي تفسير هذا التناقض ولماذا تطغى الابراهيمية السياسية مع اهمية الاسلام الاطلسي في منطقة الحزام الاخضر ، ربما يعود الى اهمية الليبرالية السياسية كاداة تحريض ضد روسيا والصين اكثر من الجيوب الاسلامية، .
اما في الشرق الاوسط ، وبالنظر الى ضعف البيئة الليبرالية وتشكيلاتها الاجتماعية ، فمن الواضح ان الابراهيمية السياسية صارت الاكثر تداولا في سوق الالاعيب الامبريالية والرجعية والصهيونية وخاصة تل ابيب التي لا تجد تناقضا بين هذه الابراهيمية ويهودية الدولة، بل ان الاولى تغطي الثانية .
يشار هنا الى ان الابراهيمية في االفهم اليهودي، تعني تكامل الدور بين ابناء ابراهيم وسارة (الحرة) وبين ابناء (الجارية) (العرب الاسماعيليون) (عبيد عرب في خدمة اسياد يهود) ، وهو ما ينسجم مع فكرة الشعب المختار الذي تخدمه بقية البشر من الغوييم ، كما نعرف ايضا ان فكرة الابراهيمية سبق وان وردت في كتاب لحسن الترابي (الملة الابراهيمية) واخر للمقدسي من رموز السلفية التكفيرية والذي الف كتابا تحت عنوان (ملة ابراهيم) .
والاخطر من ذلك، ان الابراهيمية السياسية ، هي العنوان الايديولوجي لمشروع البينلوكس الثلاثي في طبعته الجديدة التي تربط المركز (الاسرائيلي) ومحيطه الاردني الفلسطيني بالخليج (النفط والغاز) كما في تزييفها وتزويرها لطبيعة الصراع في المنطقة ، وتصويره كصراع طائفي بين ابناء ابراهيم (سنة وشيعة ويهود ومسيحيون) آن له ان يتوقف ، كما قال كارتر خلال اشهاره لاتفاقية كامب ديفيد
د.موفق محادين