المبدأ الثالث: “القضية السورية هي قضية الأمة السورية “والوطن السوري

وفي الشرح أقول: “يتناول هذا المبدأ تحديد القضية السورية الواردة في المبدأ السابق تحديدأ لا يقبل التأويل، وهو يظهر العلاقة الحيوية، غير القابلة الفصل، بين الأمة والوطن. فالأمة بدون وطن معيّن لا معنى لها، ولا تقوم شخصيتها بدونه. وهذا الوضوح في تحديد القضية القومية يخرج معنى الأمة من الخضوع لتأويلات تاريخية أو سلالية أو دينية مغايرة لوضع الأمة، ومنافية لمصالحها الحيوية والأخيرة.

“إنّ وحدة الأمة والوطن تجعلنا نتجه نحو فهم الواقع الاجتماعي الذي هو الأمة بدلاً من الضلال وراء أشكال المنطق الصرف وتراكيب الكلام.

“وإنّ الترابط بين الأمة والوطن هو المبدأ الوحيد الذي تتم به وحدة الحياة. ولذلك لا يمكن تصور متّحد إنساني اجتماعي من غير بيئة تتم فيها وحدة الحياة والاشتراك في مقوماتها ومصالحها وأهدافها، وتمكن من نشوء الشخصية الاجتماعية التي هي شخصية المتحد ـ شخصية الأمة”.

اليهود في تفرقهم في العالم بدون وطن يجمعهم في حياة واحدة توحد نظرهم في جميع القضايا الأساسية، كانوا أمة لا معنى لها فأرادوا أن يحققوا معنى كونهم أمة فأنشأوا حركتهم الصهيونية وجعلوا هدفهم ابتغاء إيجاد “وطن قومي” لهم في فلسطين يصح أن يصير لهم وجود قومي فعلي فيه.

كل فكرة قومية بلا أساس من وطن يخرج الأمة عن وضع واقعها الاجتماعي، فالتأويلات السلالية القائلة مثلاً إننا عرب لأن قسماً منا أتى من العرب، أو إننا فينيقيون أو كنعانيون لأن قسماً منا تحدر أو انتسب إلى الفينيقيين الكنعانيين، أو إننا آشوريون فقط، هي تأويلات مخالفة لواقع المجتمع.

إنّ الاسم الذي تكتسبه الأمة هو في الغالب من الأرض أو من جماعة برزت في أرض معيّنة: ليس صحيحاً أنّ العرب هم عرب لأنهم ولد يعرب. ولا سبيل لنا لتحقيق من هو يعرب أو ما كان يعرب. فيعرب لا يمثل إلا طريقة واجتهاداً فكرياً للتعبير عن واقع جماعة أو للتعليل عن مصدر جماعة أو عن سبب تسميتها. وهذه طريقة استعملها العرب ليس فقط في جدّهم الموهوم يعرب، بل في جميع التعليلات التي تعيّن واقعاً جغرافياً أو اجتماعياً. فقالوا إنّ أفريقية بناها أفريقس، مثلاً، ولا سبيل لتحقيق أساس تاريخي عن أفريقس المزعوم وكيف بنى أفريقية. وقالوا في العدنانيين المستعربين الكنعانيي الأصل إنهم ولد إسماعيل، للتعليل عن دخول الكنعانيين في حياة الصحراء.

العرب اسمهم عرب ليس لأنهم ولد جدّ يدعى يعرب، بل لأنهم سكان العُربة. والعُربة إسم للصحراء. فالعرب هم سكان العُربة كما أنّ السوريين هم سكان سورية وليس لهم جدّ دعي بهذا الاسم، بل لأنهم يسكنون سورية ووحدوا حياتهم فيها.

وأصل اللفظة أخذ من آشور كما يرجح وسميت البلاد سورية والسوريون ينسبون إلى البلاد، وكذلك العرب ينسبون إلى بلادهم العُربة.

أما العلاقة والقرابة الدموية بين سكان سورية وسكان العُربة، فقد قام عليها الدليل، ولكن من أخذ من الآخر أكثر؟ يمكن أن يكون السوريون الكنعانيون المستعربون أكثر في العُربة من العرب الذين دخلوا سورية وتسرينوا. وإنّ كثيراً من العرب الذين دخلوا سورية بالفتح المحمدي هم عرب مستعربة أي أنهم سوريون كنعانيون في الأصل تحولوا إلى البداوة بعامل جفاف الأرض وقطنوا العُربة (الصحراء) واكتسبوا الطابع العربي (الصحراوي). من هذه الحقيقة تظهر لنا أهمية الوطن الفاصلة في تقرير شخصية المجتمع وحقيقة الأمة.

هذه المبادىء الأساسية الثلاثة التي قرأتها مع شروحها تشتمل على نقطة الانطلاق الأولية نحو القضية القومية الاجتماعية وكل ما يأتي بعدها مستند إليها. وفي المحاضرات المقبلة سأتابع شرح التعاليم القومية الاجتماعية.

أنطون سعاده