في عصر “تمييع” العنصريّة، وحرف العبوديّة عن سياقها التاريخي المتشابك مع الطبقات والإستعمار.
كان لا بد لنا أن نناقش “لبرلة الصراع” سيّما في الثقافة الغربية،
بدراسة لنقاط التقاطع بين النقاشات الدائرة حول العرق والكولونيالية والجندر (النوع) والسياسة واللغة…
ناقش بيل أشكروفت -بكتابه دراسات ما بعد الكولونيالية- فكرة أن “العرق” هو مفهوم ظهر مع فكرة التوسع الغربية.
فكانت الدول الإستعمارية بحاجة لفرض هيمنة أخلاقية على المناطق المستعمرة لصنع نوع من الثنائية بمعنى: أنا الأبيض المتحضر أحمل “عبء” هداية بقية الشعوب من خلال تلقينها ديمقراطيتي وثقافتي.
فكانت ذروة البداية بخلق “هيكل هرمي” للأعراق البشرية يتربع على قمته العرق الأبيض.
مع تطور العلوم البيولوجية، إستطاع أصحاب هذا التوجه أن يخلقوا بابًا لدعم فكرتهم “علميًا”.
ففي القرن الثامن عشر إفترض العالم والسياسي الفرنسي كوڤيير وجود ثلاث أعراق بشرية (أبيض، أصفر، أسود)
أما الفيلسوف الإنكليزي دايڤيد هيوم مال للإعتقاد “أن السود خصوصًا وأنواع البشر عمومًا أدنى من البيض…”
وبمرور الوقت وتوسع رقعة الإستعمار، صدر الكتاب الذي شكل شخصيات كهتلر ونيتشه -مقال في التفاوت بين الأجناس البشرية- للفرنسي آرثر دو غوبينو. الأخير
الذي لم يكتفي بتصنيف كوڤيير للأعراق البشرية.
بل إستحدث تصنيف داخل التصنيف العرقي السائد، بأن حتى داخل العرق الأبيض يكمن عرق “نقي” -العرق الآري- الذي يشكل ذروة الحضارة ويحمل الصفات الأنبل والأذكا والأقوى.
كما أنه على هذا العرق ألا يختلط ببقية الأعراق وإلا إنحدر!
لم تنحصر هذه التوجهات بفرنسا فقط…
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، صرح أب الأدب الأمريكي وأعظم فكاهييها “مارك توين” أن البديل عن الذّبح لإقناع الهنود بالرّضوخ هو إجبارهم على إستعمال الصابون (تبلور فكرة الصابون-المطهر العرقي).
أما في إنكلترا كان “روديارد كيبلينغ” قد روّج لفكرة عبء تطوير الشعوب الهمجية في كتابه “عبء الرجل الأبيض”.
في ضوء هذا السياق، يمكننا أن نسنتج عدم تناقض الأفكار الفاشيّة عمومًا والنازية خصوصًا، مع عقيدة الدول التي روجت لسنين أكذوبة تخليص العالم”من الوحش العنصري”.
إذ أن بشاعة ما قدمته النازية للعالم ما هو إلا لحظة تخلي عن قناع “الديمقراطية والحرية” الذي خبأ خلفه الإستعمار جرائمه لعقود…
فلم تختلف جرائم الجيش البريطاني والفرنسي هنا عن ما فعلته الفاشية هناك، ولن تختلف جرائم اليهود هنا عن ما فعل بهم في الشتات…
أما نحن، فنقاتل عن كل العالم، وندفع ضريبة الدم.
علي يزبك