الضربة الصاعقة بالضربة الصاعقة

لما كانت جميع حكومات الاحتلال عدوانية في أساسها وعقيدتها إلا أن حكومات بنيامين نتنياهو قد فاقتها جميعاً في العدوانية خاصة هذه الحكومة التي تشكلت في كانون أول 2022 والتي أبدت رغبة في الهجوم على الجميع في الأمة والعالم العربي والإقليم دون أن تستثني من عدوانيتها من خضع لها ووقع معها اتفاقيات سلام في غير صالح شعبه وامته.

في ذات الوقت يتواجد في واشنطن رئيس مثير للحيرة فمن يراقب أداءه (وهذا إذا نظرنا إلى الأمور بموجب ما يصدر من تصريحات وان خالفتها الأعمال أحياناً

عدة ) فمن الممكن القول أن الرجل في رئاسته الثانية بدا راغبا في الظهور بمظهر صانع السلام وغير الراغب في زج بلاده في حروب وصراعات وهو مع انسجامه الشخصي ورئيس حكومة الاحتلال وصداقته وتحالفه معه خاصة أن نتنياهو قدم له دعما كبيرا في الانتخابات إلا انه لا يستطيع التخلي عن أسلوبه الفظ حتى مع “إسرائيل” دون أن يتخلى عنها ،لا بل انه معها ظالمة أو مظلومة وفي ذات الوقت يراها تابع لا شريك وهو ما بدا واضحا اشد الوضوح عند ذهابه للتفاوض مع حماس برعاية قطريه ودون التنسيق معها (إسرائيل) كما في اتفاقه مع اليمن(انصار الله) الذي أشرفت عليه سلطنة عمان وأخيرا في جولات مفاوضاته الخمس مع الجمهورية الإسلامية في مسقط.

حاول الإيراني في مفاوضاته هذه إعطاء انطباع بانه يميل إلى الهدوء والوصول إلى تسوية وانه قد يكون مستعدا للتراجع عن تمدده الإقليمي وذلك بسبب الخسائر التي لحقت به في دمشق والضاحية الجنوبية وبسبب قناعته بضرورة إنجاح المفاوضات بالعودة إلى اتفاق 2015 مع إدارة الرئيس الأسبق أوباما وهي الاتفاقية التي تجاوزها الرئيس ترامب في ولايته الأولى فالعودة إلى تلك الاتفاقية يخفف من الأم الحصار المفروض عليها.

لكن إيران مع كل ما أبدت من تجاوب، إلا أنها بقيت على التزامها بثوابتها النووية وعلى قدرتها على احتمال ضغوط الحصار التي أعقبتها التهديدات (الإسرائيلية) واعتبرت طهران أن تلك التهديدات من واشنطن ستبقى في حدودها اللفظية وتهدف لإرغام إيران على تقديم تنازلات في جولة المفاوضات السادسة، ولكن المفاجأة أنها كانت تهديدات حقيقية تحولت إلى ضربة صاعقة استباقية أفقدت إيران توازنها لساعات بدت وكأنها قرن من الزمن على أنصارها وأنصار المقاومة فيما انتظر خلالها الرئيس الأمريكي أن يأتيه الإيراني زاحفاً خاضعاً.

مما لا شك فيه أن وجهات النظر في واشنطن وتل أبيب متفقة في النظرة العامة لإيران وعلى أنها تمثل تهديدا استراتيجيا وأحيانا وجوديا (لإسرائيل) لذلك يتفق الرأي بضرورة نزع أنيابها ومصادرة عناصر قوتها لا النووية والعسكرية الصاروخية فقط وانما كامل منجزاتها العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والصناعية والزراعية التي استطاعت تحقيقها خلال أربعة عقود ونصف من الحصار وفوق ذلك تحجيم طموحاتها ومساعيها للعب دور إقليمي وعالمي.

لكن في التفاصيل ترى (إسرائيل) أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بالحرب وإذلال إيران، وأعادتها إلى حالة بدائية فيما يرى الأمريكي أن ذلك ممكن من خلال التفاوض.

لم يطل الوقت لترد ايران ردا مساويا بالمقدار ومعاكسا بالاتجاه، ردا صاعقا من خارج حسابات (الإسرائيلي) و هو لا يزال يتصاعد يوما اثر يوم، و لا زالت الحرب في بداياتها وهي ستطول، فايران تحاول إبقاء الصراع مقتصرا على(إسرائيل) أن استطاعت مع غض النظر عن الأدوار التي تلعبها واشنطن و لندن و باريس و دول عربية، و تريد استعادة هيبتها و قدرتها الردعية وقد استطاعت ذلك حتى الآن، أما واشنطن  التي تقدم الدعم الكامل (لإسرائيل) دون إعلان حرب مباشرةً، ستتدخل أن شعرت بان الحرب قد تكون تمثل خطرا داهما على تابعتها في تل أبيب.

ايران اليوم ترى أن لديها فرصة حدها الأدنى الذهاب في نهاية الحرب إلى مسقط و هي في موقف تفاوضي اقوى، و تملك فرصة استعادة بناء محور المقاومة على إسس جديدة و بعناصر جديدة، أن فعلت طهران ذلك تكون قد قدمت خدمة كبرى لنا وللإنسانية جمعاء، و أن تراجعت فذلك يعني دخولنا في عصر (إسرائيلي) قد يطول، يتم تهجير الفلسطينيين من الضفة و غزة و مناطق 1948 للأردن و مصر اللتان لن يشفع لهما توقيعهما معاهدات سلام، و سيتواصل المشروع المعادي شرق الجولان ويلتف كالأفعى على الحدود الشامية العراقية، و تقوم الدولة الكردية، و سيكون الجنوب اللبناني بمياهه (إسرائيلياً) فيما يصبح كل لبنان مستباح.

انها ليست معركة إيران فقط وإنما معركة الأمة والعالم العربي ومعركة كل فرد منا.