المحروقات.. أزمة عالمية ولسورية منها الحصة الكبرى والبطاقة الذكية “إنقاذية” بحاجة لتطوير

المحروقات.. أزمة عالمية ولسورية منها الحصة الكبرى والبطاقة الذكية “إنقاذية” بحاجة لتطوير

مصادر لـ”صباح الخير” الآبار النفطية شرط التفاوض

مع بداية العام الدراسي الجديد واقتراب موسم الشتاء وسط تفاقم أزمة الطاقة عالمياً، تزامناً مع العقوبات الأحادية الصارمة على الدولة السورية والتي توجت بقانون قيصر المجحف بحق الشعب السوري، لتطال تلك العقوبات كافة القطاعات والمؤسسات وتؤثر سلباً على البنى التحتية والأهم أنها طالت لقمة عيش المواطن.

وحيث كان التأثير الأكبر من هذه العقوبات المجحفة بحق الشعب السوري قد طال قطاع الطاقة سواء الكهرباء أو المحروقات، وما يزيد الطين بلةً أن خزان النفط السوري محتل أميركياً وتركياً تتواجد هناك الجماعات المسلحة أو كما تسمي نفسها بـ”قوات سورية الديمقراطية” الحليفة للولايات المتحدة الأميركية حيث تقوم الأخيرة بالسيطرة على النفط السوري في إجراءات شبيهة بالقرصنة والسرقة وسط صمت دولي لما تتعرض له البلاد.

ومع توارد أنباء حول الإنسحاب الأميركي والتركي من الشمال السوري، وقيام مفاوضات حالية بين قسد والدولة السورية لتسليمها المناطق الخاضعة لسيطرتها، أكد مصدر مطلع على المفاوضات لـ”صباح الخير” أنّه “بعد توقف الدعم الأميركي لقوات قسد الكردية اضطر الكردي للتفاوض مع الدولة بهذا الشأن مما دفع الدولة السورية إلى إخبار الكردي بضرورة تسليم الآبار للدولة وتوظيفهم كمواطنين سوريين في الآبار”.

وفي هذه الحالة فإنّ الأعباء ستزول تدريجياً عن الدولة السورية في تأمين مصادر الطاقة اللازمة للمواطنين الذين ستخفف عن كاهلهم الفاتورة الباهظة لتحصيل احتياجاتهم من المحروقات خاصة في الشتاء والتي سبب بارتفاعها تأمينها من الخارج وسط عدم القدرة على تأمينها من الداخل.

وحول كيفية تأمين المحروقات في الأسواق أوضح الكاتب والصحافي هلال عون أنّ “تأمين المحروقات يتم من خلال العقود التي تجريها الحكومة السورية مباشرة أو عبر وسطاء مع شركات تصدير النفط والغاز، من روسيا وإيران بشكل خاص، وربما من مصادر أخرى سرية لا يتم الإعلان عنها تهرباً من العقوبات الأميركية والغربية”، منوهاً إلى أنه “كثيراً ما يتم التمويه على وجهة السفن الناقلة، لتجنب توقيف تلك السفن عبر البحار بذريعة تنفيذ قانون قيصر، وقد عانى الناقل والمستورد من ذلك، وغالباً أدى لرفع أجور النقل أضعافاً عدة حين تكون وجهة الناقل هي سورية”.

أما بالنسبة للدفع فأوضح عون أنه “بعد الحرب بسنوات، اعتمدت الحكومة السورية في تأمين المحروقات على الخطوط الإئتمانية الإيرانية، ومرة واحدة على خط إئتماني روسي، بسبب قلة القطع الأجنبي لدينا نتيجة الحرب علينا”.

وأشار عون إلى أنه “من ضمن عناصر إدارة مشكلة المحروقات في ظروف الحرب والحصار المستمر حتى الآن هو التوجه إلى إدارة موراد الندرة، ومن هنا جاءت البطاقة الذكية وكانت ضرورية جداً، فهي ليست لحل مشكلة نقص المحروقات أو بقية السلع الأساسية وإنما لضمان وصولها إلى جميع المواطنين بشكل عادل، و لحل مشكلة الطوابير الهائلة، فالطوابير كانت ستزداد كلما ازداد نقص المادة. وقد أدت البطاقة الغرض المطلوب، حتى على مادة الخبز في الأفران حيث تم تحديد استهلاك الأسرة من خلال عدد أفرادها منعاً للهدر، وتم اعتماد طريقة معتمدي توزيع الخبز على البطاقة لتخفيف الازدحام. ويتم توزيع الغاز والمازوت المدعوم حكومياً لجميع المواطنين، بحسب حجم وفرة المادة، وينظم كل ذلك الكمية والبطاقة الذكية، لذلك نرى أن رسائل الغاز تصل أحياناً كل 70 يوماً وأحياناً كل 100 يوم، أيضاً بالنسبة لوقود التدفئة الأساسي المازوت الذي يتم توزيعه مدعوما لجميع المواطنين عبر البطاقة الذكية على دفعات يحدد كميتها حجم المادة”.

وأوضح عون أنّ “هناك 4.5 ملايين بطاقة ذكية موزعة للأسر السورية، وعليه يمكن حساب كمية مازوت التدفئة إذا كانت 50 ليتر على دفعتين كما هو الحال الآن. ويمكن أيضاً معرفة عدد أسطوانات الغاز من خلال تقسيم 4.5 ملايين على 70 أو على 100 (يوم) وهكذا”.

أما البينزين “فهو المادة التي أزيل الدعم فيها عن بعض المواطنين وفق قواعد اعتمدتها الحكومة حددت بموجبها مستحقي الدعم من سواهم، فالليتر المدعوم يباع للمواطن بمبلغ 2500 ليرة بينما كلفته هي 4000 ليرة، وبمعدل 75 ليتر مدعوم شهرياً لكل مالك سيارة مستحق، وكان قبل حوالي ثلاثة أشهر 100 ليتر، وقبل أكثر من عام كان 200 ليتر ومعلوم أن الاستهلاك اليومي للبينزين هو حوالي 4 ملايين ليتر”، وفق ما أوضحه عون والذي نوّه إلى أنّ “الراتب الذي يتقاضاه الموضف لا يساوي ثمن البينزين المدعوم”.

كما نوّه الكاتب والدكتور أحمد الدرزي لـ”صباح الخير” أن “الأسعار غير منسجمة مع الرواتب والأجور”، مؤكداً ضرورة دراسة تلك الأسعار من قبل الجهات الحكومية لتكون منسجمة مع ما يتقاضاه المواطن من أجر شهري”، وبالرغم من ذلك شدد الدرزي على أن “إدخال البطاقة الذكية، في مجال تنظيم توزيع المحروقات، كان له دوراً أساسياً في وصول حوامل الطاقة إلى إلى أغلب الناس، وهو أمر كان من المفترض أن يتم قبل ذلك بسنوات، بعد انتهاء زمن الوفرة، وهي الوسيلة الوحيدة التي أدَّت للخلاص من آليات التوزيع السابقة، التي شكلت ضغوط كبيرة على الشرائح الكبرى من السوريين، بحكم الفساد المستشري، واستئثار شريحة صغيرة”. وتابع الدرزي بالقول: “على الرغم من استمرار هذا الفساد، فإن البطاقة قد حققت عدالة ما توفر من حوامل الطاقة، ولكنها لم تستطع القضاء على ظاهرة الفساد المستشري، الذي يحتاج لسياسات متكاملة ومختلفة عن كل السياسات المُتبعة”.

وعن بدء عمليات توزيع مادة المازوت على البطاقة الذكية للمواطنين مع بداية فصل الشتاء، أكد مصدر في شركة محروقات لـ”صباح الخير” أن “العملية بدأت منذ فتح التسجيل على المادة للراغبين عبر تطبيق (وين) وغيره من أدوات التسجيل المعتمدة”، مطمئناً الأسر بـ”توافر الكميات المخصصة التي ستصل إلى جميع المستحقين”.

وأوضح المصدر أن “عمليات التوزيع ستكون متواترة وسريعة بفعل التعليمات التي رصدت 20% من مخصصات كل محافظة من مادة المازوت للتوزيع المنزلي عبر البطاقة، وفقاً لعدد الطلبات التي يتم توريدها شهرياً للمحافظات، ما يسهم في تواتر عمليات التعبئة متطابقة مع تواتر الطلبات وعدم توقفها أو حصرها في وقت محدد بكميات محددة ما يؤدي إلى تأخير عمليات التعبئة بفعل الازدحام”.

في حين كشف الكثير من أصحاب البطاقات لـ”صباح الخير” أنّ “الممارسات السلبية للموزعين عادت إلى الواجهة متمثلة بالضغط على أصحاب البطاقات وإلزامهم بتعبئة مخصصاتهم خلال مدد زمنية قليلة، مع اضطرارهم للتوجه لمكان وقوف صاحب الصهريج وغيرها من الممارسات الضاغطة، والتي في معظم الأحيان تحرمهم من تحصيل مخصصاتهم”.

وما يزيد الأزمة سوءاً بحسب مراقبين “تفشّي الفساد في أجهزة الرقابة المعنية بضبط توريد المادة وحسن سير إيصالها إلى مستحقيها تساعد بعض الأشخاص بتجاوز القانون واستغلال هذه الثغرات للبيع والاتجار بالسوق السوداء”.

بدوره، أشار المصدر في شركة محروقات أن “الشركة مستعدة لاستقبال جميع الشكاوى وأن تجاهل الموزع للتعليمات يعرضه لسحب رخصته دون رجعة فيما عدا غيرها من الإجراءات القانونية التي تتخذها (محروقات)، وتطبيق قانون حماية المستهلك على المخالفين”. حيث أكد على “وجود توجيهات مشددة تلقاها الموزعين بالالتزام بالقانون تحت طائلة المحاسبة”، مؤكداً “اتخاذ إجراءات متشددة بحق المخالفين في حال تورطهم بمخالفات جسيمة أو عدم الالتزام بالقانون ومحاولة ابتزاز أصحاب البطاقات أو التلاعب بالكيل أو زيادة السعر وتقاضي أموال إضافية وغيرها”.

ونوّه المصدر إلى “إصرار الشركة على ضبط التلاعب في سوق المحروقات، وأنها تعمل بالشراكة مع حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية لرصد أية مخالفة وتطبيق القوانين الناظمة عليها، خصوصاً أن المرسوم 8 جاء رادعاً لتلك الممارسات ولكل المتلاعبين بالمواد التموينية”.

وأشار موقع globalpetrolprices إلى أنّ “فروق أسعار البنزين في الدول المختلفة تعود إلى الدعم الحكومي للبنزين وحجم الضرائب فتشتري جميع الدول في العالم النفط بذات الأسعار ولكنها فيما بعد تفرض ضرائب مختلفة مما يؤدي إلى اختلاف أسعار التجزئة للبنزين”. حيث بلغ السعر المتوسط للبنزين عالمياً إلى 1.31 دولار أميركي للتر ولكن توجد فروق ملحوظة ما بين الدول فتكون الأسعار في الدول الغنية مرتفعة بالمقارنة مع الدول الفقيرة، أما الدول المنتجة والصادرة للبترول فتكون الأسعار أقل منها بكثير. وتعتبر الولايات الأميركية المتحدة حالة استثنائية حيث تتميز بالتقدم الاقتصادي المتفوق ولكن في الوقت ذاته تكون أسعار البنزين فيها منخفضة. ونوّه الموقع إلى استخدام بيانات تاريخية لأسعار البنزين في البلاد ويتم تحديث البيانات وفقا لأسعار الصرف الراهنة والأسعار الدولية للبنزين واستناداً لهذه التقييمات يكون سعر البنزين 4500 ليرة السورية. بالقياس، بلغ السعر المتوسط للبنزين في هذه الفترة عالمياً إلى 5038.12 ليرة السورية.

فيما أكد دكتور الإقتصاد غالب صالح بأن “الأزمات التي نجمت عن حرب عظمى متعددة الأشكال حرب عسكرية واقتصادية وعقوبات لامثيل لها لإخضاع الشعوب لسياسات مدمرة للتاريخ والمستقبل ومنها الأزمة المعيشية وأثرها على الأمن الاجتماعي كما حصل في سورية ولبنان واليمن وسواها من الدول”، متابعاً: “لا بدّ من اتخاذ جملة من الإجراءات الكفيلة لتجنب الانهيار والتركيز من خلال وضع خطة وطنية لاستثمار الموارد البشرية والمادية وابتكار حلول لكل المشكلات كخارطة طريق لتحقيق الاكتفاء الذاتي والإعتماد على الخبرات والكفاءات لتوظيف كل الطاقات البشرية وتأهيلها لتحقيق نقلة نوعية خلال مدة زمنية واضحه نتجاوز المخاطر ونواجه التحديات لإن المعركه طويلة والظروف الدولية ضاغطة في عالم يتغير ويشهد أزمات اقتصادية يتبعها أزمة غذاء عالمي لن تنجو منه الدول التي عاشت حروب لنسف مقومات بقائها وتهجير وتجويع أبنائها وسلب مقدراتها وثرواتها والسيطرة على قرارها”.

ليبقى الوعي والانتماء الوطني والإخلاص للعمل المؤسساتي الملاذ الأخير بعد أن تركت الحروب أثرها على شرائح المجتمع عبر أدوات الإعلام والمال السياسي ومحاولات تفكيك المجتمعات من الداخل وزرع بذور الفرقة وتسميم كل شيء بدلاً من نشر ثقافة المحبة والوئام والخير والسلام.

إدارة صباح الخير