عامر ملاعب
خلال هذا الأسبوع أعلن الشاب فؤاد يامن زيدان، إبن مدينة شفاعمرو، رفضه للخدمة الإلزامية في جيش الاحتلال، وهو بذلك يسير على خطى العشرات من شباب الجيل الرابع أو الخامس بعد النكبة وسقوط فلسطين بيد الغاصب الصهيوني.
ولفؤاد ووالده المحامي يامن زيدان قصة طويلة مع هذا الموقف البطولي، و”الموقف سلاح” في ظل الظروف التي يعيشها أبناء شعبنا الأبي ممن يسمون “عرب الـ48″، هم يسجلون يومياً وقفات العز، ولو كانت بتصرفات بسيطة، التي تهز ركائز التركيبة التي صنعها الاحتلال لتأكيد احتلاله وتركيز سيطرته بتمزيق وحدة الشعب بامتيازات طائفية ومذهبية، وتحت عنوان “لم أولَد في بلدي توحيدياً لأكون حارساً لمستوطناتكم الاستعمارية” أعلن الشاب رفضه الخدمة واستعداده للسجن سنوات مقابل ذلك وقد تم توقيفه بالفعل.
ولعل خير ما يقال في هذا الصدد ما كتبه المحامي يامن زيدان، والد فؤاد حين عبر عن اعتزازه وفخره بما كتبه نجله وهنا نص الرسالة:
الآن فؤاد الحبيب يسلم نفسه في مكاتب التجنيد بعد ان أصدر ضده أمر تجنيد واعتقال..
فؤاد الحبيب جاء ليسلمهم رسالته المعبرة عن موقفه الرافض للتجنيد الالزامي ليقول لهم:
رسالة إلى وزير الحرب الإسرائيلي، وكل المعنيين،
أنا الموقع أدناه فؤاد يامن زيدان أعلن رفضي الواضح والقاطع للامتثال لأمر التجنيد الإلزامي الصادر ضدّي وضد أبناء عشيرتي قهراً وزوراً.
لم أولَد وأنشأ في بلدي، لأكون حارساً على حواجزكم، ولا حامياً لمستوطناتكم الاستعمارية القابعة على أراضي وممتلكات أبناء شعبي، ولا قامعاً لإخوتي.
لقد كبرت وترعرعت على حبّ الوطن والإنسان وعلى حب الأرض وشجر الزيتون ونصرة المظلوم وقول الحق، وعليه، فإنني:
أرفض الخدمة في جيش الاحتلال والاستعمار.
أرفض أن أكون أداة قمع وتنكيل بأبناء شعبي الفلسطيني.
أرفض لأنني شربت من ينبوع مذهب التوحيد الذي ينصر المظلوم ويثور على الظالم.
أرفض لأن جذوري واضحة المعالم وأعمق من تاريخكم الزائف.
أرفض لأنني أفتخر بانتمائي الوطني، والقومي، والمذهبي، المتناغم والمتكامل”.
بيت يلخص قضية
يامن زيدان، واحدٌ من شباب الدروز الذين خدموا في جيش الاحتلال، وكانت الصدفة أن تكون خدمته في حراسة السجون التي تضم الأسرى الفلسطينيين والعرب ويتعرف من خلالها على معاناة هؤلاء، وكان من بينهم الأسير يومها سمير القنطار ورفاقه.
العسكري الشاب يامن، صعقه ذاك القهر وتعرف على القضية عن قرب فقرر الانتقام على طريقته، ويذهب نحو ترك الوظيفة والالتحاق بالجامعة ويتخرج بصفة محامٍ، وهو اليوم يتبنى عشرات القضايا المتعلقة بالدفاع عن الأسرى الفلسطينيين ويشارك مع نخبة كبيرة في مسألة رفض التجنيد وإعادة بث الوعي الوطني حول القضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال، ليتحول الى محامٍ شرس دفاعاً عن الأسرى العرب الفلسطينيين وخاض مئات المعارك القانونية حتى الآن دفاعاً عن الحق الفلسطيني والعربي في مواجهة سلطات الاحتلال.
وتطبيقاً لهذا الموقف فإن أبناءه كانوا من جملة الشباب الرافض، كمال شقيق فؤاد الأكبر سبق ودخل السجن تحت هذه التهمة “رفض التجنيد”.
التجنيد الإلزامي
تحت عنوان “أرفض. شعبك بيحميك” يرفض عدد من الشبان الالتحاق بالخدمة العسكرية في صفوف جيش الاحتلال، وهذا العنوان هو حراك شبابي فلسطيني يهدف إلى إسقاط التجنيد الإجباري المفروض على الشبان الفلسطينيين الدروز في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1956.
التجنيد في “الكيان المؤقت” مفروض بحسب قانون خدمة الأمن (القانون منذ عام 1949 وتم وضع قانون معدل جديد عام 1986) على كل شخص بلغ الثامنة عشرة من عمره ويحمل المواطنة أو الإقامة “الإسرائيلية”.
والاستدعاء للخدمة يتم (شكلاً) من قبل وزير “الأمن الإسرائيلي”، إلا أنّ ذلك لا يطبق على أرض الواقع، وفي أعقاب قرار حكوميّ يقوم الوزير بإعفاء العرب من الخدمة الإجبارية باستثناء الشبان العرب الدروز غير المتديّنين.
التجنيد فُرض على الشباب العرب الدروز بتاريخ 3/5/1956 عبر إصدار قرار لرئيس حكومة العدو الأول دافيد بن غوريون، حيث واجه هذا القرار في حينه رفض ومقاومة من قبل أبناء الطائفة الدرزية العربية.
رفض التجنيد
شهدت عملية رفض التجنيد عدة محطات، وهي بالدرجة الأولى فردية، أي بقرار من الشاب ذاته، وكان هناك عدد كبير من رافضي الخدمة على مدى العقود الماضية، والمسألة تستند حكماً على مناخٍ عام يقر بسوء هذا الفعل، لكن ظروف وحركة المناطق المحتلة الصعبة محكومة بعوامل يصعب ايجازها في هذه العجالة، ولكن خيار الرفض يرتب على صاحبه مشقات كبيرة ويعرضه لشتى أنواع الاضطهاد والحصار المادي والمعنوي من قبل المؤسسة الحاكمة والتي تعتمد، بكل أسف، على طبقة منتفعين في مجتمع تلك المناطق.
وقد نشأت العديد من الحركات التي رفضت التجنيد وحاولت تنظيم المواجهة ومأسستها حتى لا تبقى فردية، ومنها مثلاً تأسيس “لجنة المبادرة العربية الدرزية” في عقد السبعينيات من القرن الماضي، لجنة التواصل العربية الدرزية وحركات ومبادرات أخرى،
وجاء حراك “أرفض. شعبك بيحميك” بتاريخ 21.3.2014 من خلال مظاهرة على “جبل الرافضين” وهو سفح جبل مقابل السجن العسكري رقم 6 المتواجد في عتليت، استكمالاً لتلك المرحلة النضالية.
ويسعى الحراك إلى “مناهضة كل أشكال التجنيد، والمساهمة في إعادة اللحمة بين أبناء الشعب الواحد، وسدّ الفجوات ومحاولات التغييب وطمس الهوية التي تجري نهجاً وممارسة حتى منذ ما قبل العام 1948”.
وشارك عدد كبير في ذلك عبر تشكيل فرق داعمة لمشروع “ارفض، شعبك بيحميك”، الذي استهدف حماية ومساندة شباب الداخل الفلسطيني الذين يرفضون أداء الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الاحتلال، وتزامن ذلك مع اطلاق نشاطات توعوية مؤازرة وداعمة من لبنان والأردن ورام الله.
في الخلاصة
انطلاقاً مما يحصل على أرض الواقع، يتوجب النظر بعين مختلفة نحو الداخل انطلاقاً من المصلحة الوطنية، وهذا يمكن تلخيصه ببعض النقاط أهمها:
- إعادة قراءة الواقع على الأرض خاصةً التوزع الديمغرافي والاجتماعي لمن بقي في أرضه منذ النكبة وكيف تسير تشكلات ذاك المجتمع واتجاهاته.
- إعادة دراسة نمط التوجيه والتربية التي زرعها الاحتلال في تلك البيئات وبخاصة حجم التعبئة والتحريض بين فئات المجتمع الفلسطيني خلال عقود.
- العمل على تفكيك العقد المذهبية والاجتماعية التي تسود وتفكيك مرويات الاحتلال وعملاءه بشكل هادئ وعلمي.
- انتقاء المصطلحات بشكلٍ صحيح في مخاطبة أبناء الداخل أو في التعريف بهم، حتى يُبنى التصحيح على أرضٍ صلبة (إسقاط تهمة العمالة عنهم بشكل اعتباطي وشمولي وقراءة أدبيات سادت وتسود هذه البيئات لإعادة قولبة الاتجاه بشكلٍ صحيح دون عنف لفظي ومادي على فئات ولدت وعاشت تحت نير الاحتلال)
- التوجه أيضاً بجديد نحو فلسطينيي الضفة والقدس وغزة لتفهم واقع إخوانهم ممن عاشوا ويعيشون تحت سلطة الاحتلال منذ عقود، وليس كل ما تبثه شائعات الاحتلال عنهم صحيحاً لتفكيك مبدأ “فرق تسد” بين أبناء الشعب الواحد.
- إعادة قراءة اقتصادية لواقع هذه الشريحة، والتفكير جدّياً في تقديم بدائل لها لسلخها مصلحياً عن ابتزاز الاحتلال لها في لقمة عيشها (خاصةً الفئة التي تشهر مواجهتها مع الاحتلال مثل رافضي الخدمة الالزامية).
- قراءة الواقع التربوي في هذه البيئة وكيف يعمل الاحتلال على زرع مفاهيم وتجنيد السكان لصالحه (تفكيك المرويات والتوجهات المنظمة للسكان خاصةً التربية العسكرية ودفعهم للانخراط في الجيش).
- أثبت سكان هذه البيئات ولاءهم للوطن والقضية الفلسطينية المحقّة رغم ممارسة كل أنواع الغسيل الفكري الذي مارسه أسوأ احتلال في تاريخ البشرية، فلماذا نخسر ورقة رابحة بأيدينا؟
فهل تقرأ القوى الثورية الوقائع الجديدة وتعيد النظر بمقولات العقود الماضية عن اتهام هذه الفئات بالعمالة والخضوع والخنوع؟
عسى ذلك، لا بل هناك بالتأكيد من يعمل على ذلك.
عامر ملاعب