في ظل التطور الحاصل على صعيد أمتنا والعالم، أصبحت الإتصالات جزءاً من حياتنا اليومية، بل أصبحت “حياتنا اليومية” في ما يتعلق متابعة آخر الأخبار، التعارف، أو حتى دراسة نمط تفكير شخص معين من خلال ما يقدمه على صفحاته.
جملةٌ من الاسئلة تتبادر الى ذهن المُمحّص والمتلقّي الروبوتيّ سويّاً حين يتعلق الأمر بالعالم الافتراضي:
“هل بات المجتمع مرتهن بيد هذه الوسائل؟ هل وصلنا إلى نقطة الاعودة ودخلنا في هذا الثقب؟ كيف يتم متابعة ورصد حياتنا الاجتماعية؟ كيف تقوم هذه الشركات العملاقة بالتأثير علينا وتغيير أفكارنا؟ هل نستطيع مجابهة هذا التطور؟
ما هي الخوارزميات التي تستخدمها وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل الذكاء الاصطناعي يخدم هذه المنظومة؟ هل الحرب بين هذه الشركات اقتصادية بحتة؟ هل ما تقدمه شركات تصنيع الهواتف من ميزات تخدم المجتمع؟
ما هي حاجتي من شراء هاتف ذكي يقدم الكثير من الخدمات وهل أستعملها لصالحي أو لصالح الشركة؟
وأخيراً: كيف تقوم الدولة بتتبع مستخدميها؟”
عدد ليس بقليلٍ من الاسئلة يطرأ حينما نفتحُ آفاقاً عالعالم الافتراضي الذي لا نعرف كم سيغوصُ بنا بعد، بينما نعتقد أنّنا نحن من نغوص فيه. وإجابات لا تُحصى كذلك، بإمكاننا أن نعتمدها لسدِّ جوعِ المعرفة والتساؤلات.
أولًا:
تتعدد وتتنوع الشركات في تقديم الخدمات وتعرف بخدمات وسائل التواصل الاجتماعيف. هل بحثت يومًا عن هيكلية هذه الشركات؟ هي ليست كما يظن البعض، عبارة عن مبرمجين ومهندسي حواسيب فقط، بل في هيكلية الشركة هناك علماء في طب الاعصاب إضافة إلى علماء في التسويق والمرشدين الاجتماعيين والمحللين السياسيين والاقتصاديين، هم المسؤولون ن ما يجب تقديمه في هذه الخدمة أو تلك.
إن الحرب القائمة بين هذه الشركات ليست اقتصادية بل هي حرب معلوماتية، تنافسية بين من يقدم خدمات تجذب المستخدم والعميل إليها لتقوم بجمع المعلومات عنه وعن محيطه.
حين ننظر حولنا، نرى العالم يُجنّ، والمجتمع يتجه الى الهستيريا، وهذه ليست تعويذة، ببساطة هذا ما جنته العقول التي تخطط وتعمل وتنتشر، المتواجدة في هذه الشركات وخلف أبوابها وفي حواسبها الذكية.
على الجميع أن يعي أنه حتى في تصميم ألوان وشعارات هذه الصفحات يدخل علم الأعصاب في معرفة اللون المفضل الذي يسبب الإدمان على هذه المنصات.
تخفي هذه الشرَكات حتى على مطوريها ماهية وخطورة الخدمة، كي لا يتعرف هؤلاء على تفاصيل انتاج الأموال للشركة ومكاسبها الاقتصادية.
ثانياً:
يظن الجميع ان “غوغل” مجرد محرك بحث وأن “فيسبوك” هو مجرد موقع لرؤية الأصدقاء وصورهم ولكن ما لا يدركه الناس أن هذان التطبيقان يتنافسان لنيل انتباههم. فلنتطرق مثلاً إلى خدمتين: الاولى من شركة “غوغل” وأخرى من شركة “فايسبوك” وهي نظام الإعلانات، وهي فعلًا خدمة تقوم على دفعك مبلغاً بسيطاً لتنشرإعلانك أو توصل موافقتك وآراءك إلى أكبر عدد من مستخدمي هذه المنصة: post boost!
تحذير: إن لم تدفع حق المنتج فأنت المنتج.
بدأت رحلة الـ” غوغل آدز” في إظهار إعلانات لشركات عشوائية في محيطك، لكن بعد تطور التكنولوجيا، أصبحت هذه الإعلانات إستهدافية. ما تقوم بالبحث عنه في محرك “غوغل” يظهر لديك على شكل إعلاناتٍ على “يوتيوب” كما يظهر لديك في الصفحات التي تستخدم هذه الخاصية. بمعنى أنّ “غوزغل” أصبح يعرف اهتماماتك على سبيل المثال إذا كنت تبحث عن حاسوب أو مواصفاته سوف تقوم الشركة بوضعك في في خانة الباحثين عن الحواسيب، قم بالبحث عن حواسيب الألعاب ستفتح الشركة خانة أخرى لك هو الإهتمام بالألعاب، حتى لو كنت تبحث عن هذا الحاسوب لأغراض التصميم، ستقوم بضخ إعلانات للألعاب.
الى ذلك، تطورت هذه التقنية عندما ظهرت تقنية الذكاء الإصطناعي، فلم تعد هذه الشركة تنتظرك حتى تقوم بالبحث عن منتج بل بمجرد الحديث عن منتج معين لمدة خمس دقائق وجهازك الذكي بجانبك ومرتبط بالشبكة العنكبوتية، فترى أنك بفتحك أي متصفح تجد ما كنت تتحدث عنه معروض أمامك، فإن “غوغل” يقوم بالتنصت علينا ويسمع أحاديثنا ويحلل معطياتنا وإهتماماتنا.
حتى أن شركة “فايسبوك” تقوم بالأمر نفسه، إلّا أنها أخطر من “غوغل” إذ أن هذه المنصة لم تعد جزءاً من حياتك اليومية وحسب، بل أصبحت حياتك اليومية متعلقة بها حيث حلت مكان “يوتيوب” ووكالات الأنباء وحتى “غوغل”، وزادت خطورتها أكثر بعد شرائها منصة واتساب ولن تتوانى عن محاولة شراء جميع المنصات، فأصبحت تملك قاعدة بيانات هائلة عنك، مع من تتحدث، من هو الشَريك، من هو الصديق، من هم أقاربك ، أو حتى ما هي حالتك النَفسية، عبر تحليل محادثاتك عن طريق خاصية “كي وورد”.
هل لاحظ أحدكم أنه إذا ما كان لديه شريك أو حبيب يتحدث معه يوميًا وويغازله ووقع خلاف وكلمات عتاب في المحادثة وله اهتمام بسيط في الموسيقى يذهب لمنصة فايسبوك او انستغرام يلاحظ أن ما يظهر أغانٍ حزينة وعتاب وعندما يعود هذا إلى الحبيب تعود وتظهر له أغاني الحب والشوق؟ يعرفون حين يشعر المرء بالوحدة أو الإكتئاب. هذا مثال بسيط نذكره عن حياتنا اليومية وهذا ما هو معلن ولكن قاعدة البيانات الخاصة بك عند الشركة أكبر من ذلك بكثير.
تحذير: “إن لم تدفع سعرالمنتج فأنت المنتج”.
ثالثاً:
Facebook, Snapchat, twitter, Instagram, Youtube, tiktok, GOOGLE, pinterest,LINKEDIN…
إن نموذج العمل لدى هذه الشركات هو إبقاء الناس على مواقعها
حين تفكرون في كيفية سير عمل بعض تلك االشركات، يصبح الأمرمنطقيًا، هناك الكثير من الخدمات على الانترنت التي نظنها مجانية لكنها ليست كذلك بل يدفع لها المعلنون.
وبالتالي، يكون التغيير البسيط غير المحسوس في سلوككم وإدراككم هو المنتج.
مثلاً: يعرفون حين يشاهد النّاس صورة أحبابهم السابقين. يعرفون ما يفعل المرء في الليل وكل شيء سواء كنتم منفتحين أو مضطربين ونوع اضطرابكم العصبي وشخصيتكم، هناك خانة خاصة موصى بها لكم.
يجب أن يعلم الجميع أن كل شيء يفعلونه على الإنترنت يراقب، ويتعقب، ويقاس، كل إجراء تتخذونه يسجّل بدقة، الصورة التي تقفون وتنظرون إليها، وحدة رؤيتكم إياها. حتى أنهم يسجلون وقت الإستجابة للتفاعل مع هذه الصورة.
إن هذه المنصة تجبرك حتى على التعارف، فكم مرةً إلتقيت بأشخاص في مقهى أو مكان عام كان او خاص وكانوا أصدقاء مشتركين بينك وبين أصدقائك في الحقيقة، وبعد لقائهم وفور تصفحك الانترنت وتحديداً فيسبوك وجدت أن اسمهم أصبح على قائمة أشخاص ربما تعرفهم؟
لم تعد بحاجة لسؤال عن ذلك الشخص حتمًا سوف يظهر لك حتى لو كان يستخدم حساب وهمي فهاتفه يرسل لقاعدة البيانات مكانه واحداثياته ومدى قربه من هاتفك أو إذا كنت في نفس الطابق أو في نفس الغرفة. حتى ال location التي تعتبرها خاصية ذكية تفيدنا في تحديد مواقعنا ولكن تفيد تلك الشركات اكثر أو حتى دخولك إلى مطعم أو متجر موجود على خرائط غوغل يعطي الشركة نبذة عن اهتمامك.
يملك” فايسبوك” القدرة على التلاعب باهتماماتك عند الحاجة، فإذا اراد المزيد من المستخدمين في منطقة معينة او شارع معين او بلاد يقومون فقط بضخ الإعلانات قليلًا.
ثالثاً:
بدأت شركات التواصل الاجتماعي بدراسة ما يؤثر على النفس البشرية واستغلت السمة الانسانية في عدم قدرة الإنسان على تجاهل إشعار خاصة إن كان الإشعار يفصل كإشعار أن أحدًا أشار إليك بصورة أو تعليق ستقوم بالضغط تلقائيًا على الإشعار لترى المحتوى أو أن أحدًا قام بإعجاب لا يظهر من قام بالإعجاب حتى تفتح الإشعار وتدخل التَطبيق وبعدها سوف تقوم باستعمال التطبيق لمراجعة كل شيء وليس فقط الإشعار فهم يحفزونك على استعمال التَطبيق وتمضية الوقت في استعماله.
لماذا لا تقوم الشركة بإظهار الصورة داخل ذلك الإشعار؟
تملك هذه الشركات فريقاً كبيراً من المهندسين وظيفتهم اختراق سيكيولوجية الناس حتى يحصلوا على نمو وتطوير أكبر في تطبيقاتهم وزيادة مستخدميهم حتى وصلوا إلى معدل أن أي فرد يقوم بدعوة 7 أصدقاء خلال 10 أيام وهذه الإحصائية من أحد مدراء النمو عند شركة “فايسبوك”.
شركات مثل “غوغل” و”فايسبوك” تقومان بالكثيرمن التجارب الصغيرة التي تجريانها باستمرارعلى المستخدمين ومع مرور الوقت وبعد عدة إجراءات من تلك التجارب يصبح بأمكانهما تطوير أفضل طريقة لجعل المستخدمين يفعلون ما تريد الشركتان حتى أصبح المستخدمون فئران تجارب.
سؤال: من منا لا يقوم عند تصفح “فايسبوك” بتمرير إصبعه على الشاشة دون الحصول على شيء لمجرد تمضية الوقت؟ أو من منا لا يقوم بالسحب إلى أسفل لإعادة التحميل منتظرًا شيئًا جديدًا في الأعلى وبشكل متكرر وهو ما يسمى في علم النفس تعزيزًا متقطعًا إيجابيًا. إنها الطريقة عينها التي استعملت في فكرة إنشاء الـslot machine في الكازينو.
مثال: أجرى فايسبوك إختبار أسماه “التجارب العددية واسعة النطاق”. وهو اختبار كيف نستخدم اشارات مبطنة في صفحات فايسبوك لجعل المزيد من الناس يصوتون في انتخابات، واكتشفوا انهم قادرين على فعل ذلك حيث تمكنوا من التأثير على سلوك وعواطف العالم الحقيقي بمجرد إظهار التصويت على فئة معينة دون أخرى واظهار النتيجة المرجوة للجميع دون مشاركتهم.
وسائل التواصل الاجتماعي ليست أداة تنتظر من أحد أن يستخدمها، بل لها أهدافها الخاصة ووسائلها الخاصة لتحقيقها باستخدام سيكولوجيتكم ضدكم.
يقول إدوارد توفل، بروفسور في العلوم السياسية والإحصاء وهندسة الكمبيوتر: لا يوجد سوى صناعتين تطلقان على عملائها إسم مستخدم سوى( المخدرات غير المشروعة والبرامج).
أصبحت لا تستطيع ترك هاتفك الذكي لبضع ساعات ، وأصبح هناك خاصية تعلمك كم تمضي من الوقت مع هاتفك والشاشة مضاءة حتى أنه يمكن تعلم كم تمضي من الوقت في استعمال كل تطبيق على حدة.
إن وسائل التواصل الاجتماعي وبناء على خوارزميات معقدة وبرمجيات أصبحت تعرف ما يجذبك وما هي توجهاتك فأصبحت هذه الوسائل تختار لك ما يجب إظهاره وطبيعة الناس التي عليك التعرف اليها والأخبار التي يجب أن تصلك.
ثمة دراسة في معهد “ماساتشوستس للتفنية” تقول إن الأخبار الزائفة على تويتر تنتشر بشكل أسرع ب 6 مرات من الأخبارالحقيقية.
إذا كنت تتابع صفحة معينة تقوم بنشر الأخبار الحقيقية لفترة معينة حتى أصبحت تثق بها وأصبحت محطة أخبار موثوقة عند مجتمع كامل ستصبح هذه الصفحة مصدرًا لأخبارك وقد تصل إلى درجة معينة من الوثوقية تجعلك تكذب الخبر الحقيقي وتستند إليها.
مثال على ذلك انتشار أخبار كوفيد 19. ونسأل: ماذا لو كانت دولة بأكملها أرادت بث شائعة؟
في الختام: يقول احد مطوري فايسبوك: “إذا أردتم السيطرة على مجتمع معين وعلى سكان بلدكم فلا توجد أداة فعالة مثل فايسبوك”.
فهل حقًا هذه المنصات قادرة على تغيير نتيجة انتخابات في دولة معينة؟
هل حقًا هذه المنصات قادرة على تغيير نمط تفكير مجتمع؟
الجواب الأمضى هو الوعي.
طارق طعمة