عاشت غزة حصاراً طويلاً قبل السابع من تشرين أول 2023 ولم تكن تحصل خلاله إلا على الحد الأدنى من حاجاتها الأساسية منقوص منها قوائم من الممنوعات التي يرى (الإسرائيلي) أنها قد تستعمل في التصنيع الحربي وكانت تصل إلى غزة يوميا 600 شاحنة تمثل الحد الأدنى من حاجات أهل غزة وبما يبقيهم على قيد الحياة فيما تتسرب بعض البضائع من الغرب المصري عبر ما تبقى من إنفاق لم يعثر عليها الأمن المصري.
ولكن الحرب جعلت الحصار محكماً تماماً وترافق نهج القتل والتدمير والحرق مع سياسة حرب الأهراء الفارغة، سياسة التجويع الذي أصبح من أسلحة وأدوات الإبادة الجماعية، وهذه السياسة كانت عند حكومة الاحتلال ودعمها من عرب وأغراب سلاحاً من أمضي أسلحة الحرب وهو في الحقيقة لا يقل فتكا عن أنواع السلاح الأخرى ذات الصوت المرتفع والنار الحارقة.
جرى كل ذلك تحت سمع وبصر العالم فكانت دولة الاحتلال دولة شرعية من حقها استعمال كل شيء في سبيل الدفاع عن نفسها فيما رأى هذا العالم بالمقاومة إرهاباً وحمل حاضنتها الشعبية المسؤولية عن صمود المقاتلين، وقام بتدفيعها الثمن، لم تفلح الأونروا في لفت أنظار العالم إلى هذه المأساة وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة الذي اعلى الصوت وكان متقدما في مواقفه عن الأهل في رام الله والأشقاء في العالم العربي، لا بل وعملت إسرائيل مدعومة بحشد دولي على تعطيل أعمال الأونروا وسائر منظمات الأمم المتحدة تحت ذريعة أن هذه المساعدات التي تدخل عبر المنظمات الدولية تتسرب سريعا للإرهابيين (المقاومة) وكان الأمين العام غوتيريش قد قال أن الأونروا قادت موضوع الإغاثة منذ عام 1950 وتملك كامل السجلات الدقيقة بأسماء اللاجئين وعناوينهم وحاجاتهم وانه لم تتم عملية سلب أو سرقة من أي منظمة فلسطينية للمساعدات في 75 سنة الماضية، وطلب من (اسرائيل) أن تأتي ولو بدليل واحد عن تدخل أو سيطرة أي فصيل من فصائل المقاومة على هذه المساعدات إلا أن (إسرائيل) لم تأتي باي مثال وهي لا تحتاج أصلاً بان تبذل الجهد فهذا العالم المنافق يصدق أكاذيبها ويكذب رواياتنا الصادقة.
خطط دولة الاحتلال منسجمة لا بل متطابقة مع الخطط و الأفكار المعلنة للرئيس الأمريكي الذي لا زالت إدارته ومبعوثيه في قطر يمنحون الإسرائيلي أوقات إضافية للقتل والتجويع والإنهاك بحجة التفاوض و الاقتراب من الوصول إلى نتائج، ولكن النتائج التي يريدونها هي تحقيق الأهداف من الحرب لا وقفها، و في ذات الوقت يديرون مشروعا إقليميا تمثل غزة جزء منه، وهذا المشروع يهدف إلى شطب المسالة الفلسطينية برمتها، وتدفيع كل من قاوم الثمن، فلا تكفي المجازر في غزة ولا التوغل في الأراضي الشامية و اللبنانية، و لا انكفاء كامل المحور، فكل من قاوم عليه ان يدفع الثمن و باثر رجعي، و نرى اليوم هذا يطل من خلال فتح ملف السلاح الفلسطيني في مخيمات اللجوء في لبنان.
ولما كانت خطط التهجير على راس جدول الأولويات، فقد تم تقسيم غزة المحتلة إلى مجموعه معازل منفصلة عن بعضها البعض، وتلزيم أعمال الإغاثة إلى شركة أمريكية ـ إسرائيلية كبديل عن المنظمات الدولية، ولم يكن عاقل ليشك ان هذه الشركة تعمل بمعايير امنيه لا إغاثية أو إنسانية وفي خدمة مشروع التهجير، مثلها مثل الميناء والرصيف العائم الذي خططت له الإدارة الأمريكية السابقة، وإذ به يتكشف عن عمليات اغتيال وقتل.
قد يكون هدف الشركة الإسرائيلية ـ الأميركية أي شيء إلا إغاثة أهل غزة، و قد اصبح واضحا انه يهدف إلى السيطرة الأمنية والإذلال وجمع المعلومات الأمنية واخذ تفاصيل المراجعين من خلال بصمة العين والاهم تحويل مراكز التوزيع هذه النقاط أمنية مخابراتية للتحقيق واستغلال الجوع لتجنيد عملاء والتمهيد لمشروع التهجير، الامر الذي كانت له غزة بوعيها وإدراكها بالمرصاد، و كان ما كان من هجوم المواطنين على تلك المراكز و تحويل الخطة الإسرائيلية ـ الأمريكية إلى غبار.
لغزة عبقريتها العفوية، ما أروعك يا غزة.