الانتخابات الاستفتاء

أنجزت الدولة اللبنانية بأجهزتها كافة، استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية على أكمل وجه، وكانت النتيجة الأبرز، أذا ما صح القول، تبريد الرؤوس الحامية في البلد، بعدما امتلأت أوهاماً من جموع السفراء والقناصل يدلو كل بدلوه من تهديد ووعيد، واعلام «سوروسي» مأجور بقصد جعل الاحداث تصب بما يراه متناسباً مع مزاعمه وهواه، وبمحاولات التأثير على معنويات الناس وهزمهم. مستفيدين هؤلاء من المتغيرات الإقليمية في المشرق والمنطقة وكذلك من أحادية الهيمنة الدولية التي تجعل من الولايات المتحدة اليوم، سيدة هذا العالم.

كل الحروب التي حصلت، كل الحراك الدولي باتجاه لبنان هدفه التأثير على خيار لبنان المقاوم واحتضانه الشعبي الداعم للمقاومة، أن من بيئتها الخاصة أو من داعميها واصدقائها.

أيضا حتى الانتخابات التي سبق وتأجلت، إلى هذا الشهر، نظرا لواقع الدولة المالي فقد راهنت القوى الغربية ومعها دول عربية على إنجازها كأحد عناوين الاصلاح، لتكون إيذاناً بتغير المزاج الشعبي وليتم استغلالها لفرض تنازلات أكبر من الدولة. لكن الرياح أتت بما لم تشته السفن.

من جبل لبنان إلى بقاعه وعاصمته ثم شماله وبعدها جنوبه صوت واحد تردد في كل اللوائح، ان في لوائح المقاومة أو الحلفاء والأصدقاء، كان صوت الوفاء للمقاومة هو الطاغي، وحدهم وقلة من البلد راهنت مجدداً على عزل نفسها حاولت ان تظهر نفسها وقدراتها، فرفعت شعارات الاقصاء «على زحلة ما بتفوتوا» مثلاً، ومعها في أماكن أخرى قوى تزعم انها تغييرية ولم تتمكن من انجاز فروقات لا في البقاع ولا في بيروت وفي معظم المناطق، بل انها كانت مضطرة للتحالف مع أحزاب صديقة للمقاومة، حتى تنجح. وذهبت هباء كل التهويلات، وكل الاستقواء بالخارج بعيداً عن واقع الجغرافيا وتداعيات التاريخ ومطامع المستعمرين الجدد… جواب الشعب كان وفاء عظيما لصانعي الانتصارات واصدقائهم في مشهد معبر، اتاح لخيار المقاومة ان يتجلى، واضحا بينا بالاقتراع لخيارها وشعارها «ليس بالحبر وحده، بل بالدم». حتى في بيروت، كان حرص شديد على عاصمة البلد، لتكون عاصمة لبنان المقاوم مجتمعة بأبنائها على الخيارات المصيرية التي يجب الانتصار بها.

مصداقية خيار الناس، واكبتها «الجمعية اللبنانية من اجل ديمقراطية الانتخابات» وهي المعنية بتعداد المخالفات، وكان انطباعها ان أداء وزارة الداخلية كان الأفضل من وزارات سابقة، رغم رصدها في كل لبنان نحو 2945 مخالفة، انحصرت أبرزها في خرق الصمت الانتخابي، ثم عدم توفر معازل، ما أدى إلى كشف خيارات الناخبين، وتعرض البعض لضغوط مباشرة.

وكانت المخالفات الأبرز في طرابلس التي تأخرت عملية الفرز فيها مما اظهر عملياً تدخلات اتهمت احدى السفارات.

وانتهى تقرير هذه الجمعية «لادا» إلى اعتبار ضعف التدريب وعدم الإلمام بالقوانين، للموظفين المنوط بهم العمل، هو الذي سبب الارتباك والاخطاء.

وطالبت هذه الجمعية بإقرار قانون انتخابي عصري، وتدريب أكثر لموظفي أقلام الاقتراع وتجهيز المراكز لذوي الإعاقة.

طبعا لم يمس هذا الأمر جوهر العملية الانتخابية وشفافية توجه الناس، رغم ان العنوان الذي استعمل كان «الانماء» والقصد هو تعزيز توجه جديد للبنان.

النتيجة شكلت استفتاء للمقاومة، ادهشت العالم الغربي ومندوبيه، الذين لم يوفروا جهداً ومالاً يبذل في التهويل على خيار لبنان بدعم المقاومة.

استعمل الغرب المناصر للعدو الصهيوني عنوان نزع سلاح المقاومة بينما الانتهاكات من العدو بالألاف والقرى وسماء لبنان منتهكة وهناك تلال محتلة وأسرى لا يزالون مع العدو فلم نسمع لا إصرارا على انسحاب العدو قبل أي إجراء آخر ولا وقف الانتهاكات رغم مزاعم تتحدث عن احترام القرار 1701.ونحن نعلم يقينا ان هذا العدو لا يهمه أي احترام لكل المنظومة الأممية وما يجري إلى الان في غزة، خير مثال.

كان توقيع أهل الجنوب بصمة ثبات لا تتزعزع، وكانت التزكية للبلدات في الحافة الامامية، أبلغ اقتراع للمقاومة وتضحياتها، وحتى القرى التي اقترعت على ركام مؤسساتها ومنازلها وبلدياتها كانت بكل عزم وصدق تنتخب المقاومة …

لا شك ان هذا الامر لم يأت على مزاج مندوبي الدول وسفاراتها ومراقبيها فتعالت أصوات واضحة من اركان في الحكومة مثل رئيسها ووزير خارجيته، يعلنان بالفم الملآن كلاما موجها للمقاومة رافضا حتى إعطاء الوقت لرئيس الجمهورية، وذلك يعني انهم يقصدون كسب رضى الخارج ولو على حساب استقرار البلاد.

والواضح ان بعضا من رجال الدولة يهرولون لتلبية رغبات اورتاغوس وسواها، التي تدعو علنا لضرورة الالتزام بنموذج «الجولاني» في دمشق الذي قد يكون حصان طروادة المرحلة المقبلة.. لكن الأكيد ان خيار لبنان لن يكون بعيداً عما يريده الشعب، الا وهو ان تكون القوة هي المعيار، وما يريده أبناء هذا الشعب ان تترافق الديبلوماسية الضاغطة على العالم مع خيار عدم الاستسلام ومع الاستفادة من هذه القوة لتحصيل الحقوق، لا العكس.

ان شعبا رغم كل الضغوط يستمر صامدا مواجها بالصمود والإصرار على العودة لقراه بانتظار الاعمار وصوره وهو يقترع فوق الدمار، لا تهزه تهديدات ولا ضغوط مهما بلغت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *