تُعدّ العلاقة بين الحماة والكنّة من أكثر العلاقات الشائكة في العائلة، والكثير من حالات الطلاق الّتي تقع بين الزوجين تكون هذه العلاقة أحد أسبابها. وقد وصل أثر تلك العلاقة لدرجة وجود صورة مستقرّة في أذهان الناس حول الصراع بين الكنّة والحماة تجعل كلّ عروس مقبلة على الزّواج تعاني من هواجس إقبالها على معارك مفترضة مع والدة شريكها، بعد أن تمّ رسم صورة اجتماعيّة وإعلاميّة نمطيّة عن الحماة، وعُمِّم بعضها بطريقة مشوَّهة.
بالنّسبة للحماة هناك أسباب عديدة لوجود التّوتّر في العلاقة مع الكنّة، منها اجتماعيّة واقتصاديّة وأيضًا ونفسيّة. فالكنّة جاءت من بيئة مختلفة بعاداتها وتقاليدها، وحتى لو كانت تنتمي لنفس البيئة، فإنّ أساليب إدارة المنزل والتعامل مع الزوج والأولاد تختلف من منزل إلى آخر. والحماة عادة ما تعتبر أنّها هي الأكثر دراية وصوابًا بحكم سنّها وخبراتها، فتبدأ بالتّدخّل والانتقاد، ممّا يساهم في تأجيج الخلافات، خاصّة أنّ الانتقاد قد يصل إلى لباس الكنّة وتصرّفاتها وطريقة تعاملها مع أطفالها وزوجها وحتّى طعامها.
وقد يلعب الوضع المالي والاقتصادي دورًا في نشوء الخلاف، خاصّة عندما تكون الحالة الماديّة للزّوج محدودة، فيصبح في نظر الأمّ معظم ما يصرفه بدون داعٍ، وسببًا لغضبها في حال علمت به، وغالبًا ما تكون الكنّة هي المُلامة في هذه الحالة.
أمّا على الصعيد النفسي، فالحماة تعتقد بأحقّيتها بحبّ واهتمام ابنها، فتسعى إلى التأثير عليه عاطفيًّا، وتحاول الاستئثار به وحدها، غير أنّ الابن في بعض الأحيان لا يعير أمّه الاهتمام، ولا يكترث سوى لزوجته وأسرته، ممّا يخلّف صراعًا بين الطرفين غير المتكافئين.
فالأمّ عمومًا، ونتيجة مفهوم لا واعٍ بملكيّة الابن، تشعر بتهديد فقدانها له وابتعاده عنها، ويتجسّد ذلك بمحاولات التنافس مع زوجة الابن لكسب حبّه وإرضائه. وتشعر الحماة أنّ زوجة ابنها قد شاركتها في ملكيّته، او انتزعت منها اختصاصها في السّيطرة عليه، خاصّة وأنّها تعتبر ابنها راعي أسرتها، وقد يأخذ دور الأبّ، فيمثّل حماية لها، وبعد زواجه تشعر بأنّها تفقد كلّ هذا، ممّا يؤدّي في كثير من الأحيان إلى محاولة الحماة السيطرة على الكنّة والتّحكّم بها.
وقد يزيد الأمر تعقيدًا في حال تميّزت علاقة الابن بأمّه بالتّعلّق المرضي نتيجة عدم تخطّي المرحلة الأوديبيّة (والتي تكون عادة بين عمر 3 و 6 سنوات) بطريقة صحيّة بحسب فرويد (Freud)، وذلك نتيجة عدم الانفصال العاطفي السليم عن الأمّ والتّقرّب من الأب، فالتعلّق المرضي بالأمّ لا يمكن أن يسمح بعلاقة صحيّة وسليمة مع الزّوجة، وبطبيعة الحال ينعكس ذلك على العلاقة بين الحماة والكنّة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ طبيعة العلاقة بين عنصرين من نفس الجنس غالبًا ما تشوبها الغيرة، تبعًا لوجود فارق في العمر، واختلاف في الشكل ودرجة الجمال والجاذبية، وكذلك اختلاف في القبول الجماعي ومحبّة الآخرين بالنسبة للطرفين.
كلّ ما ذُكر سابقًا قد لا ينطبق على شريحة كبيرة من الحموات نتيجة وعيهنّ وتفكيرهنّ المنطقي الذي يتميّز به سلوكهنّ، من حيث رسم حدود صحيّة مع عائلة الابن، وعدم التّدخّل في أمورهم الخاصّة وكيفيّة إدارة الكنّة لشؤون بيتها، إلّا حين يُسألن عن رأيهنّ ويُؤخَذ بمشورتهنّ. فالكثير من الوقائع في المجتمع أثبتت أنّ الحماة النّاضجة والمتّزنة عقليًّا ونفسيًّا قادرة على التّعامل بإيجابيّة مع زوجة الابن.
نفسيًا، فإن شخصيّة الحماة وخبرتها في الحياة يحولان دون إثارة المشاكل مع كنّتها، مشدّدين على ضرورة تحلّيها بالوعي حتّى تكون العلاقة إيجابيّة بين الطرفين. بالإضافة إلى التخلّص من فكرة أنّ زوجة ابنها جاءت لتحرمها منه ومن عطفه واهتمامه، وأن لا تعاني من الغيرة التافهة وأن تتقبّل واقع أنّ ابنها وزوجته لهما عالمها الخاص وألّا تحاول تنغيصه.
كذلك تُنصح الأمّ بأن تدرك وتعي أنّ حبّ ابنها لها يختلف عن حبّه لزوجته، وإذا اقنعت بذلك فإنّها ستُنهي دورة المشاكل والمشاحنات مع كنّتها.
الاخصّائية والمعالجة النفسيّة ريما كسر