الحريديم، يهود ضد “الدولة”

الحريديم، يهود ضد “الدولة”

الحريديم جمع لكلمة حريدي وتعني التقي، وربما يكون الاسم مشتق من الفعل حرد الموجود في اللغة العربية بمعنى اعتزل أو اعتكف، وهذا المصطلح يُطلق على اليهود الأرثوذكس، المتزمتين دينياً، والذين جاؤوا من أوروبا الشرقية، وهم يرتدون معاطف سوداء طويلة، وقبعة سوداء وشال خاص بالصلاة أبيض اللون، في زواياه مجموعة خيوط طويلة من الصوف، مجدولة بطريقة خاصة، كما يمتازون بلحاهم الطويلة، وخصلات الشعر الطويل التي تتدلى آذانهم، وتتنقب نساؤهم بالبرقع ويرتدين ملابس محتشمة، وهم لا ينتمون لطائفة واحدة، بل لعدة مذاهب، وهم يطبقون الطقوس الدينية وفق “أدق تفاصيل الشريعة اليهودية”.

    لا يعترف الحريديم بقوانين “الدولة”، فهم يعتبرون أن التوراة دستورهم الذي يعملون على الالتزام به، وهم معادون للحركة الصهيونية و”الدولة” التي لم تتأسس في الوقت الصحيح، فقد كان يجب انتظار مجيء المسيح لإقامتها وبناء الهيكل الثالث، وبالتالي فإن “الدولة” الحالية برأيهم غير شرعية ومحرمة، لكنهم في الوقت الحاضر بحاجة إليها، ويتعاملون معها بفعل الأمر الواقع، كما يعتقدون أنه لولا صلاتهم ودعواتهم وحبهم للتوراة لزالت هذه “الدولة”، وأن الله نشرهم في العالم ليكونوا “شعلة للأغيار”.

    يعتبر الحريديم أن الصهيونية حركة علمانية تضم كفاراً بالدين، تهدف إلى إقامة دولة علمانية تتعارض مع أسس اليهودية، وقد تعاونوا مع قطاعات علمانية معارضة للصهيونية في أوروبا في مطلع القرن العشرين، وعارضوا التعاون مع حزب همزراحي المتدين لأنه جزء من الحركة الصهيونية، والسبب الاساسي لهذه المعارضة هو اعتقادهم أن المسيح المنتظر والمنقذ المخلص لم يأتِ بعد، وعند مجيئه سيجمع الشتات اليهودي ويقيم “الدولة اليهودية” وفق أسس الشريعة، وإقامتها هي تقريب موعد الخلاص.

   يتجنب الحريديم التحدث باللغة العبرية، لأنهم يعتبرونها لغة مقدسة، ويستخدمون لغة تدعى “اليديشية”، وهي لغة اليهود الأوروبيين، تُستخدم فيها الحروف العبرية، ولكنها تختلف عنها، وقد نمت “اليديشية” من عدة لغات أبرزها الآرامية والألمانية والإيطالية والفرنسية والعبرية، ويفضلون مدارس “اليشيفات”، وهي مدارس دينية تدرّس الدين التقليدي والشريعة والتلمود، ويتعلم في المدارس الدينية 300 ألف طالب وطالبة، يمثلون نسبة 18% من الطلبة اليهود، ولا يتعلمون العلوم الدنيوية إلا عند الحاجة، من أجل كسب الرزق، أما دراسة الأدب، والفلسفة وغيرها، فمرفوض عندهم، ويتحفظون على استخدام التكنولوجيا في حالات الضرورة القصوى.

    يقيم الحريديم في مدينة القدس المحتلة، وخاصة في أحياء “ميناه شعاريم وغنولا وكيرم أبراهام”، وفي مدينة حيفا وصفد وطبريا، ومدينة “بني براك”، “بيت شيمش”، “موديعين عيليت”، “أشدود”، “بيتار عيليت” و”بيتح تكفا”، وتبلغ نسبتهم 14% من سكان الكيان المؤقت، ويتضاعف عددهم كل عشرة أعوام، ويبلغ متوسط عدد المواليد في الأسرة الواحدة عشرة أطفال فما فوق، ويتزوج أغلب الرجال الحريديم من المجتمع ذاته، ويقضون معظم أوقاتهم في المدارس الدينية، أما النساء فيعملن في مختلف المجالات في أماكن قريبة من سكنهن.

    يخدم عدد قليل من الحريديم في “جيش” العدو، ويشترطون أن تكون خدمتهم في وحدات خالية من المجندات منعاً للاختلاط، وأكثر الوحدات التي يخدمون فيها وحدة “ناحل”، أما باقي الشبان فيلجؤون إلى المعاهد الدينية للفرار من الخدمة العسكرية الإجبارية، وقد تجاوز عدد الشبان الحريديم المطلوبين للخدمة العسكرية النصف مليون، ويحصل كل شاب يلتحق بمعهد ديني على راتب شهري يساوي 1150 دولار أميركي، طيلة مدة دراسته التي تصل إلى ثلاثة أعوام، تكون قد سقطت عنه الخدمة الإجبارية، هذا الموضوع عزز الكراهية بينهم وبين العلمانيين، الذين يعتبرون أن المتدينين عالة على “الدولة” لأنهم يحصلون على ميزانيات مالية ضخمة، وهم لا يعملون ولا يخدمون في الجيش.

    استطاع ممثلو الحريديم في الكنيست أن يتحولوا إلى محور مهم في موازين القوى السياسية لتشكيل الحكومات في كيان العدو، كما أصبحوا مركب أساسي ومؤثر في تشكيل حكومات نتنياهو في مواجهة المعسكر الليبرالي العلماني، وقوتهم السياسية أصبحت أكبر، ومن المتوقع أن تزداد هذه القوة في الانتخابات المقبلة، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها تجنّد الحريديم للتصويت لأحزابهم، وبنسبة عالية جداً، والتزام الذين خرجوا منهم من أحيائهم يالتصويت لأحزابهم، توجّه حزب “شاس” إلى الفئات الشعبية الشرقية الفقيرة من غير الحريديم للتصويت للحزب، مقابل خدمات تعليم وخدمات أخرى ذات طابع اقتصادي اجتماعي، ولعل السبب الأهم هو تزايدهم السكان السريع، بسبب ارتفاع نسبة الخصوبة لدى نسائهم.