تعيش الدولة اليهودية الزائلة حالةً من القلق العميق الذي يدقّ ناقوسه خطراً في الأوساط السياسية والاجتماعية لدى حكومة العدوّ “الإسرائيلي” وفي أوساط “المجتمع” المركّب في الكيان، وذلك بسبب ما عبّر عنه محور المقاومة مؤخّراً من خلال إطلاق صواريخ من لبنان والشام وقطاع غزّة ردّاً على انتهاكات العدوّ في المسجد الأقصى واعتدائه على المعتكفين فيه خلال شهر رمضان الفائت.
الرسالة التي أرادت المقاومة أن تبعث بها إلى بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة قد وصلت، “وحدةُ الساحات” في المواجهة المقبلة مع العدوّ، والتي من المتوقّع بحسب مراكز الدراسات “الإسرائيلية” وشعبة الاستخبارات في الأركان العامة “أمان” أن تحدث قريباً. ويسعى الكيان الزائل إلى تفكيك تلك الساحات من الضفة وغزة والقدس إلى لبنان والشام والعراق واليمن، ويدرك جيّداً أنه في مأزقٍ وأنه محاصر، وأن الخطر كبير على تفكّك هذا الكيان ونهايته.
لا يفرّط نتنياهو أي فرصة لمهاجمة إيران واعتبارها خطراً وجوديّاً على دولته الزائلة. ويسعى المأزوم داخلياً والمهزوم خارجياً أن يجلب الدعم الدوليّ للانقضاض إيران، لأنه يدرك أن الجيش “الإسرائيلي” لا يستطيع أن يتكبّد تداعيات المعركة المقبلة مع دولة أصبحت على عتبة النوويّ.
في المقابل، تسعى المقاومة إلى استنزاف العدوّ من دون اللجوء إلى حرب مفتوحة الجبهات. وقد ظهر ذلك جليّاً في السلوك والخطاب، إذ أن خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بمناسبة يوم القدس العالميّ، أكّد أن سعي المقاومة لاستنزاف هذا الكيان الغارق في أزماته من دون معركة وأن العدوّ اليوم يطيحه القلق والخوف، مؤكّداً أن “إسرائيل” في حالة دفاع والمقاومة في حالة هجوم، ضارباً عرض الحائط عقوداً من الغطرسة “الإسرائيلية” على المنطقة.
وكشفت مراكز البحوث “الإسرائيلية”، عن حالةِ القلق التي تعيشها المحافل الإسرائيلية المختلفة عقب أحداث الأيام الماضية وذلك بشكل غير مسبوق في المنطقة. وأوضح “مركز بحوث الأمن القومي” التابع لجامعة “تل أبيب” العبرية، في تقديره الاستراتيجي الذي يأتي ضمن نشرة يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان “نظرة عليا”، أن نائب رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” والمسؤول عن الضفة الغربية، صالح العاروري، حذر إسرائيل في منتصف آذار الماضي، “من ما ينتظرها في رمضان”، منوّهاً إلى أنه “سيحدث تصعيد يشمل هجوماً من لبنان، وقد تم إعداد منظومة إطلاق صواريخ حماس في لبنان في وقت لاحق، في انتظار ساعة الإطلاق”.
واستبعد المركز أن “تكون حماس قد عملت بشكل مستقل في المنطقة؛ من دون مصادقة حزب الله ومباركته”، مؤكّداً أن الأقصى دائماً ما يكون الدافع إلى وحدة المسلمين في العالم تجاه أي انتهاك يتعرّض له. وأشار إلى أن “وكالات الإعلام الخبيرة بالشؤون الإيرانية، تحدثت أن إيران وحزب الله عرفا مسبقاً عن نية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان”. كما كشف عن لقاء بين قائد قوة القدس، إسماعيل قاآني، في السفارة الإيرانية في بيروت يوم 6 نيسان الجاري، في المساء الذي أعقب إطلاق الصواريخ من لبنان نحو مستوطنات “إسرائيلية” في الجليل، وحضر اللقاء رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، إسماعيل هنية، والعاروري، إضافةً إلى شخصيّات رفيعة في الجهاد الإسلامي، وجهات لبنانية مقربة من حزب الله”.
ويرى العدوّ أن لهذا الاندماج عدّة أسس:
- يقدّر حزب الله أنه من الممكن توسيع معادلة القوّة أمام “إسرائيل” بواسطة وضع قواعد لعب جديدة على الحدود الشّماليّة من تحت مستوى التّصعيد إلى حرب.
- حزب الله وإيران يقدّران أنّ “إسرائيل” أضعف من أن تشنّ حرباً شاملة في كل الساحات، خاصةً في ظلّ ما يحدث في ساحتها الداخلية؛ تآكل الردع في ظلّ ظاهرة رفض الخدمة، انقسام “المجتمع” في الكيان الزائل، صورة بنيامين نتنياهو التي تشوّهت في نظر معظم “الإسرائيليين”.
- التطلّع لجباية ثمن من الصهاينة مقابل استمرار هجمات المسيّرات ضد أهداف ومراكز لحزب الله وإيران في الشام.
- فرملة الاتفاقات الأبراهيمية، التطبيع الإسرائيلي مع العالم العربي، وتقدّم العلاقات بين إيران والعرب من جهة وعودة الشام إلى حضن العالم العربي من جهةٍ أخرى.
- – خوف الإدارة في واشنطن من احتمالية مواجهة في المنطقة، خاصة في ظل استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، والتوتّر المتزايد بينها وبين حكومة نتنياهو اليمينية.
وادّعى التقرير أن “حماس” استغلت أحداث الأقصى لزيادةٍ دراماتيكيةٍ في حجم العمليّات، لأنها تسعى للسيطرة بشكلٍ كامل على الساحة الفلسطينية والإقليمية، مجسّدةً عدم أهمية سلطة التنسيق الأمني الفلسطينية. هذا النجاح رفع أسهم حماس في مخيمات النزوح الفلسطينيّ في لبنان، مقابل التآكل المستمر في مكانة تيار السلطة، حركة فتح، الذي بقي مخلصاً للرئيس الخانع محمود عباس.
يجسّد التصعيد متعدّد الساحات اندماج محور المقاومة الفلسطينية الذي يستند بشكلٍ أساسي على حماس والجهاد الإسلامي مع إيران وحزب الله. كما يبدو أن الردّ الذي انتظره العدوّ على هجماته في الشام أتى من حيث لا يحتسب، إذ يعكس جرأةً كبيرةً في فرض معادلات الردع لدى المقاومة.
مما تقدّم نستطيع أن نستخلص أن لوحدة الجبهات أهدافاً تسعى لها المقاومة:
- استنزاف “إسرائيل” من الداخل والخارج، عبر زيادة عدم الاستقرار الأمني والعمليات في الداخل.
- تثبيت القلق في المنطقة الشمالية من قوّة الردع التي تمتلكها المقاومة.
- تعزيز الذراع العسكرية لحماس، وإقامة بنية تحتية للمقاومة في فلسطين، من أجل القيام بعمليات في القدس والضفة الغربية وجنوب لبنان.
- إحراج السلطة الفلسطينية التي تسعى للتنسيق الأمني، من خلال اتفاقي العقبة وشرم الشيخ.
- ضرب الاتفاقات “الأبراهيمية” المذلة، سعي نتنياهو الحثيث للتطبيع مع المملكة العربية السعودية مثال على ذلك.
تدرك حكومة الاحتلال أنه عليها السعي لوأد التوتر داخلياً، وخفض التوتر في الساحة الفلسطينية، والتمسك بالوضع الراهن في المسجد الأقصى، إضافة إلى محاولة تعزيز السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني معها. كما يدرك نتنياهو أن عليه التركيز على ترميم قدرة الردع لدى جيشه، حيث تظهر الدولة اليهودية الزائلة في موقف ضعيف أمام المجتمع الدوليّ ومحور المقاومة.