الإقطاع التركي والنساء والتكفيريون والمخدرات

الإقطاع التركي والنساء والتكفيريون والمخدرات

بعد هيمنة المسلسلات التركية بشقيها، مسلسلات الدعاية للملابس والأثاث من خلال توظيفات تجارية للجسد، أو التزوير التاريخي وتحويل قبيلة الرعاة الجوابة إلى عنوان مؤسس للحضارة الشرقية، تعود الدراما السورية والمصرية إلى تصدر الفضائيات العربية من المحيط إلى الخليج.

تتمتع هذه الدراما بمستوى متقدم من المعالجات السيكولوجية والمعرفية كما في هذه الدورة الرمضانية تحديدا، وفي هذا السياق يمكن رصد الموضوعات التالية التي سيطرت على هذه الدورة:

  1. صراع الفلاحين العرب ضد الإقطاع التركي المتوحش، فضلا عن الاحتلال التركي نفسه الذي استمر قرونا بغطاء إسلاموي ولم ينتج إلا التخلف، وكان من أبرز المسلسلات العربية التي عالجت الإقطاع التركي، المسلسل التركي الزند – ذئب العاصي وهو من إخراج سامر برقاوي وسيناريو عمر أبو سعدة وإداء فريق مميز مثل تيم حسن ونادرة عمران وأنس طيارة، وهناك مسلسل آخر مشترك (سفربرلك) بأداء فريق من أكثر من بلد عربي، من السعودية وسوريا ومصر والأردن، من إخراج السوري الليث حجو.
    المسلسل السوري ليس الأول من نوعه، وقبله الفهد عن رواية لحيدر حيدر وأكثر من مسلسل من إخراج نجدت أنزور مثل أخوة التراب ونهاية رجل شجاع، وهناك فيلم سفربرلك الذي قامت ببطولته فيروز من إخراج المصري اللبناني هنري بركات.
    ومثل ذلك عدد من الروايات التي صدرت تحت عنوان سفربرلك، ومنها رواية الأردني سليمان قوابعة والسعودي مقبول العلوي.
    يشار كذلك إلى قصة أدهم الشرقاوي التي حولها يوسف شاهين إلى الفيلم المعروف (الأرض) والتي تعالج رواسب الإقطاع العثماني في مصر.
    كما يشار إلى أن الإقطاع التركي كان مقسما بين الخاص الهمايوني من حصة الباب العالي والسلاطين، التي لم تقل عن 100 ألف أقجة (يذكر الدكتور عبد الله حنا أن السلطان عبد الحميد سجل 15 مليون دونم باسمه عرفت بـ الجفتلك)، وبين نمطين آخرين:
    – الزعامت، كبار القادة وآمرو القلاع الحصون ويزيد دخلها عن 20 ألف أقجة.
    – التيمار، من كبار الفرسان، حوالي 20 ألف أقجة.
    بالإضافة إلى المتعهدين الذين يفوزون بالجباية عبر تلزيمات سنوية باستخدام جماعات محلية من أطراف الصحراء لإرهاب الفلاحين.
    من الأشكال المختلفة للريع في الحالة الإقطاعية العثمانية:
    * ضريبة على أراضي الأملاك الخاصة.
    * ضريبة على الأراضي الأميرية، الميري (زرعت الأرض أم لم تزرع)، والعشر أي على أراضي السقي والأراضي البعلية.
    * ضريبة على الأراضي الخراجية (20 – 50 % من أجمالي المحاصيل).
    * ضريبة الحيوانات والأغنام، عينا ونقدا.
    * ضريبة البيعة (تشبه ضريبة المبيعات) عند بيع الحيوانات والمحاصيل.
  2. قضايا المرأة التي رأيناها في أكثر من عمل درامي عربي مثل العمل الكويتي، دكة العبيد، بيد أن هذه القضايا تركزت في هذه الدورة في عملين سوريين تجمعهما فكرة واحدة هي اختطاف نساء سواء من قبل تجار المخدرات أو من قبل تجار الدين من التكفيريين، ومن هذه المسلسلات (وأخيرا) من كتابة وإخراج أسامة عبيد وأداء قصي خولي ونادين نجيم، والمسلسل الثاني (ايكو) من إخراج المصري محمد عبد العزيز وأداء معتصم النهار وقمر خلف.
    وإذا كان المسلسل الأول مشغولا بحرفية متقدمة على غرار مسلسل (20 20) فإن المسلسل الثاني بالإضافة للحرفية العالية شكل نقلة هامة تتجاوز الدورات الرمضانية السابقة إلى معالجات سيكولوجية ومقاربات سياسية في الوقت نفسه تتخطى القشرة والعلاقات الشكلية في التصنيفات السياسية الدارجة، وتظهر مساحة من الحرية في سوريا غير مسبوقة على الصعيد العربي، سبق وأن تلمسها المشاهدون في مسلسلات سورية سابقة مثل كسر عظيم. والملاحظ في ايكو وكسر عظم وغيرهما أن الإنتاج الدرامي من قلب المشهد السوري متقدم على المحاولات المبرمجة والمقحمة لأصوات تروج كمعارضة وتظهر كأعمال (غب الطلب) لمموليها ومنها على سبيل المثال (ابتسم أيها الجنرال) المثقل بالكآبة والرتابة.
  3. الإرهاب التكفيري الذي لا تزال الدراما المصرية تمسك بزمام مبادرته مع هبوط وصعود في حجم الإنتاج وانعكاساته على الأداء الدرامي.
    امتدادا لأعمال درامية هامة للغاية لاحقت هذا الإرهاب الإجرامي، مثل الاختيار والعائدون، واصل المصريون إنتاج هذا النمط من الدراما، مثل الكتيبة 101 وشجاعتها وشهدائها في مواجهة الإرهاب التكفيري، فضلا عن منح هذه الأعمال قيمة مضافة متمثلة بأرشيف حي من مؤسسات الدولة ذات الصلة.
  4. المخدرات، الظاهرة التي تتخلل العديد من المسلسلات مثل (وأخيرا) والتي تعود لأسباب متنوعة:
    – أسباب موضوعية تترافق مع تفكيك الدولة المشرقية وتحويلها إلى ما يشبه دول أمريكا الوسطى واللاتينية، استخدم فيها المافيات كأداة من أدوات المخابرات الأمريكية ضد الوطنيين ومناضلي فك التبعية.
    – أسباب مبرمجة في عملية إزاحة للشباب والشابات عن قضايا الفقر والتجويع والتبعية وتداعيات إملاءات البنك الدولي وشروطه، فأمام هذه السياسات وتداعياتها بعجز قوى التبعية عن خلق فرص عمل منتجة، يجري إغراق المدارس والجامعات والأحياء الفقيرة بأشكال من المخدرات الرخيصة، وعلى حد تعبير أحدهم، بدلا من الدعم الحكومي المكلف للسلع والخدمات الأساسية وتوفير فرص عمل كريمة، تحول هذا الدعم إلى دعم أرخص لسلعة المخدرات، كما حولت المتروبولات الرأسمالية في أوروبا والولايات المتحدة دعمها القديم للحكومات التابعة إلى دعم أرخص لما يعرف بالثورات الملونة ونشطائها ومراكزها وجمعياتها.