حتمية الانتصار في تموز

سأل حضرة الزعيم نفسه سؤالاً: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟

سؤال أجاب عليه ووجد أسبابه وأظهر حقائقه وأثبت حقيقة حتمية هي حقيقة الأمة السورية.

حقيقة قامت جميع القوى الرجعية والاستعمارية محاولة جاهدة بكل قواها طمس هذه الحقيقة، ولكنها بقيت أعظم وأقوى من أية قدرة ضدها. هي موجودة وتنتظر عودة ظهورها، عودة نورها الساطع، فكان لها ذلك يوم 16 تشرين الثاني 1932.

في هذا اليوم سطع في الأفق نور الحقيقة ووضع طريق العودة، ونحن مازلنا نسير هذا الطريق بخطى ثابتة واضحة بمبادئنا، بعقيدتنا، بعزيمتنا الصادقة، حتى نعيد نهضة ووحدة هذه الأمة.

«أيها السوريون القوميون: إنكم قد أصبحتم قوة بالفعل. وإن لهذه القوة التي تمثلونها، وهي خطيرة، شأناً عظيماً في تقرير المصلحة العامة التي هي مصلحة كل واحد منكم».

وهنا نسأل أنفسنا ماذا قدمنا نحن حتى الآن لهذه النهضة. مهما قدمنا مقارنة مع شهدائنا. نجد أننا لم نقدم مقدار ذرة من دمائهم الطاهرة، لذلك علينا ألا نحسب في أنفسنا أننا قدمنا شيئا ونقول فعلنا كذا وكذا. لإن قولنا هذا ما هو إلا دليل ضعفنا وأنانيتنا حتى لا نقول فرديتنا. لأننا بقياسنا لأفعالنا إذا اعتبرنا اننا وصلنا لمرحلة نقول فيها اكتفينا فقد عملنا الكثير. فليس هذا هو المطلوب، وليس هذا هو العطاء.

يوم أقسمنا، أقسمنا للأمة بالعطاء المستمر والفعلي دون حسبان ما نفعل، فالعطاء يجب أن يكون سخياً ولا نقوم بذكره فنحن بذلك نعود لأنانيتنا. وإن قلت في نفسك أنك فعلت، فإنك لم تفعل شيء.

قد يقال إن انه من حقنا أن يقدر عملنا، ولكن يفوتنا أننا لا نعمل للتقدير، ولم نقسم حتى نلقى جزاءً لقسمنا. إن التقدير الوحيد هو ما نجتازه من عوائق في طريق النهضة، وما ننجزه من هذا الطريق الطويل الذي أقسمنا على السير فيه. وأن التقييم والتقدير الحقيقي هو من الآخرين والمتابعين لعملنا.

قال حضرة الزعيم: «إن الجبار القومي يستطيع أن يقطع كل الخيوط التي يحاول النفعيون أن يوثقوا يديه بها».

إن تقدير عملنا هو ما يحقق الوصول إلى النهضة ويدعم ظهور حقيقتنا. يوم أقسمنا علمنا أن طريقنا طويل وصعب وشاق. علمنا أننا مقدمون على أمر صعب وبسيط في آن واحد.

هو بسيط: لأنه يعتمد على إيماننا بحتمية النصر، وحتمية صحة العقيدة، وحتمية حقيقتنا.

هو صعب: لأنه تواجهنا منذ القدم وحتى نهاية الطريق المصاعب والعراقيل، خارجية كانت أم داخلية، إن كانت من جسمنا أو من أنفسنا، ولكن كل ما علينا هو الإيمان بحتمية انتصارنا.

إن ما ينهي الصعاب هو الإيمان الصحيح – ألا نتذمر أمام الواجب – ألا نتذمر أمام المهام الموكلة إلينا.

صحيح أن لنا حقوق، ولكن علينا أيضاً واجبات، وهذه الحقوق تكون في خدمة هذا الواجب دائماً، فللأمة حق علينا قبل أن يكون لنا أي حق.

قال سعاده: «في الزمن العصيب فقط يعرف الرجل، في الزمن العصيب فقط تعرف قيمة المبادئ ومبلغ قوتها في النفوس، في الزمن العصيب فقط ينظر إلينا العالم ليعرف أننا حياة فيها قوة فاعلة من نفسها».

فلا نظن أنفسنا قد اطلعنا على الفكر والعقيدة وأقسمنا اليمين وأصبحنا في جسم الأمة المصغرة حتى يحمل هذا الجسم أوزارنا، وهذا هو الخطأ عينه.

إن الأمر يبدأ في الاطلاع والقراءة، ولكن يجب أن يُتبع بالفهم، ثم الممارسة، ممارسة هذا الفهم. فلننظر لأنفسنا جميعاً، لننظر لممارساتنا الحزبية والاجتماعية. هل نطبق الفكر؟ هل نطبق المبادئ؟ هل نسعى بأفعالنا للوصول للنهضة.

وهنا دعونا نعرف النهضة ومدلولاتها:

النهضة: سورية لأنها تسعى لنهوض الأمة السورية ولوحدة المجتمع السوري.

النهضة: قومية لأنها تسعى لإحياء حقيقة هذا الشعب. الحقيقة التي بقيت دهراً في صراع بين الظهور والغموض، الحقيقة التي وجدت طريق النور.

النهضة: اجتماعية لأن أساسها المجتمع وتسعى للإنسان المجتمع لا الإنسان الفرد، اجتماعية لتوضح مثالب المجتمع ومناقبه، لتزيل المثالب وتقيم المناقب.

قال سعاده: «نحن الفئة التي لها الحق أن تطلب أن يؤيدها الشعب. أنتم القوة المنظمة ولا قوة منظمة غيركم في هذا الوطن».

«أجل أنتم القوة في أنفسكم وإليكم يجب أن يسعى الناس لا أن تسعوا أنتم نحو أشخاص آخرين. فلا تثقوا بوعود أحد من خارجكم. ولكن ثقوا بأنفسكم».

فلننظر لهذا المجتمع. إن فيه كل الخطأ ولم نصلح فيه شيء بعد. فيه الأنانية، فيه الكذب والخداع، فيه الرياء، فيه الطائفية …الخ

لنكن صادقين، لنكن علمانيين، لنكن اجتماعيين مخلصين للمجموع. لنتصارح ولنتواجه، لنكن متفهمين لا متمالقين شاذين، لنبرز بأعمالنا وما نقدم من فهم للعقيدة، فداء لها وللأمة، وهذا ما طلبه منا زعيمنا الخالد فابتدأ الطريق بنفسه.

في الثامن من تموز 1949 كانت الخطوة المهمة الأخيرة التي خطاها سعاده ليكون القدوة في كل شيء حتى في مماته واستشهاده فكان منبر الفداء والتضحية بحياته لحياة الأمة، وكان مسير كوكبة الشهداء.

ما الكوارث والويلات التي تصيبنا إلا من نتاجنا نحن، ولا ينفع أن نتأوه ونلقي اللوم على الظروف القاهرة أو الحظ السيء. بل ينفع أن ننذر أنفسنا ودمائنا لتحمل مسؤوليتنا القومية كمواطنين مخلصين واعين لحقيقتنا.

لنقدر هذه الأعوام التي ذهبت. ليكن تاريخها عبرة لنا. لننظر الآن للأمام ولنترك ما ذهب وراءنا. ليكن عظة لنا فنقف بالمرصاد لكل ما يحاول أن يحيدنا عن طريقنا، كل من يدفعنا للتهلكة. كل من يدفعنا للوراء.

لنقدم الآن كل طاقاتنا فالحزب والأمة الآن بأمس الحاجة لكل طاقة فينا، ولننظر لأنفسنا ولأخطائنا قبل النظر لأخطاء الغير رغم أن الاثنان حق وواجب، فلنكن واضحين لا متسترين.

لنكن كما قال حضرة الزعيم: «التغاضي عن الرذيلة طعن في صميم الفضيلة».

«أيها السوريون القوميون: إنكم ارتبطتم بعضكم ببعض وربطتم أرواحكم بعضها ببعض لأنكم تعملون في سبيل المبادئ التي جمعتكم بعضكم إلى بعض. فابقوا منضمين متضامنين وكونوا عصبة واحدة أينما سرتم وكيفما توجهتم».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *