مغزى الصراع الإيراني الصهيوني

حين ننظر إلى المشهد الحالي للصراع بين إيران وإسرائيل، من السذاجة أن نراه مجرّد مواجهة عسكرية آنية أو ردود أفعال متبادلة. في عمق هذا الصراع، تكمن معركة أكبر من حدود الجغرافيا والوقت، معركة تحمل في طياتها إرثاً طويلاً من المشاريع السياسية والاستراتيجية التي بدأت منذ لحظة إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.

فإيران اليوم، في خضم هذا التصعيد المستمر، لا تواجه إسرائيل فقط، بل تواجه مشروعاً عمره أكثر من سبعة عقود. مشروعٌ تدرّج وتحوّل وتشكّل بأسماء متعددة، لكن جوهره بقي ثابتاً: تفكيك المنطقة، كسر أي مقاومة، وترسيخ الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية على قلب الشرق الأوسط.

منذ بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، الذي رسم ملامح «الدولة اليهودية» المدعومة غربياً، مروراً بأرييل شارون صاحب الاجتياحات الدموية والاغتيالات، إلى كونداليزا رايس التي بشّرت صراحة بـ«الشرق الأوسط الجديد» إبّان حرب تموز 2006، وشمعون بيريز الذي تحدث عن إعادة تشكيل الوعي العربي، وصولاً إلى بنيامين نتنياهو الذي يسعى اليوم إلى ترجمة كل تلك الأحلام والمخططات إلى واقع فعلي، عبر الحرب.

إيران ليست مجرد خصم عسكري للعدو الإسرائيلي، بل هي رمز لمشروع مضاد، مشروع المقاومة. فهي من دعمت فصائل المقاومة في غزة بالمال والسلاح والخبرة، وأسهمت بشكل مباشر في تحقيق انتصار التحرير في جنوب لبنان عام 2000، حين اندحر الاحتلال الإسرائيلي دون قيد أو شرط. كما كان دعمها حاسماً في صمود المقاومة خلال حرب تموز 2006، الحرب التي كسرت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأظهرت هشاشة المشروع الإسرائيلي أمام إرادة الشعوب.

إن السقوط المحتمل لإيران في هذه المواجهة – لا قدّر الله – لن يكون خسارة لدولة فحسب، بل سيكون إيذاناً بفجر شرق أوسط جديد، تماماً كما أرادته رايس، وخطّط له بيريز، ويترجمه اليوم نتنياهو. شرق لا مكان فيه لفلسطين.

قد تختلف الآراء حول سياسات إيران الداخلية، أو أسلوب خطابها السياسي، لكن لا يمكن إنكار أنها، حتى اليوم، تمثّل الثقل الأبرز في وجه المشروع الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة. ومع كل جولة تصعيد، يزداد وضوح الصورة: أن من يقاتل في طهران، أو يُحاصر في غزّة، أو يصمد في جنوب لبنان، إنما هم في معركة واحدة، ضد عدوٍّ واحد، وإن تعددت أوجهه.

إن صمود إيران، إذاً، ليس شأناً إيرانياً فقط، بل هو مسألة تتعلّق بمستقبل المنطقة بأسرها. فمن هناك، يتحدد إن كانت فلسطين ستبقى حيّة في وجدان الأمة، أم تُطوى صفحتها الأخيرة في كتابٍ كُتب بيد الغرب، وحُبّر بدم الأبرياء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *