أزمة اقتصادية كبيرة تعصف بلبنان منذ العام 2019، وهو ما انعكس سلبًا على نسب دخل الأفراد والعائلات. ونتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة بات ارتياد المطاعم ومحلات السهر، منطقيًا، ضربٌ من ضروب المجازفة وتحديدًا لذوي الدخل المحدود.
ولكن رغم ذلك، تشهد تلك الأماكن زحمة روّاد خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع، ممّا يطرح السؤال التالي: “ما هي الأسباب التي تدفع هؤلاء لتجاهل وتناسي أزماتهم المالية والمعيشية والإصرار على متابعة ممارسة حياتهم كما كانت قبل الأزمة، لجهة اشباع رغبتهم بالترفيه والسهر؟”
يستثنى من هذا النقاش بالطبع الفئة التي تتلقى تحويلات بالعملات الصعبة من الخارج أو التي تتقاضى رواتبها بالدولار، إذ أنّه بالنسبة لهؤلاء أصبحت الأسعار تعتبر أدنى من السابق.
إنّ إصرار الفئة التي يعنى بها نقاشنا على زيارة المقاهي الليلية والمطاعم حتى لو اقتضى الأمر التقليل من كمية الطعام والشراب المطلوبة، فيعود لأسباب عديدة، أهمّها:
- يمارس هؤلاء وسيلة نفسية دفاعية لمواجهة القلق من الوضع الاقتصادي وعدم التنبؤ باستقراره وذلك عبر الانكار واستمرار روتين ما قبل الأزمة بالخروج مع الأهل أو الأصحاب.
- اعتبار الخروج مع الأصحاب أو الأهل نوع من المتنفس بالابتعاد ولو المؤقت عن الواقع وما يتضمن من ضغوطات نفسية نتيجة الأوضاع المادية.
- الحفاظ على الصورة الاجتماعية التي اعتادوا أن يظهروها على وسائل التواصل الاجتماعي عن نمط وأسلوب حياتهم والأماكن التي يرتادونها.
- تعديل سلّم أولويات المشتريات الشخصية أو العائلية لدرجة استبدال الحاجيات الأساسية بالوسائل الترفيهية لدى البعض منهم.
- استخدام السهر والأغاني والرقص كنوع من التفريغ النفسي للتخفيف من القلق نتيجة ضغوطات الحياة اليومية.
لم يكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مخطئًا بالطبع حين قال أنّ الناس ستتأقلم، ولكنه ربّما لم يكن دقيقًا بتوصيفه، أو بالأحرى لم يغص أو يفصّل بما وراء هذا التأقلم اجتماعيًا ونفسيًا. فبتفصيل الأسباب المذكورة أعلاه يمكن الولوج بوضوح نحو خلاصة أن الناس تتأقلم تدريجيًا، فمن يحرم نفسه وعائلته بعض الأساسيات مقابل حفاظه على الجانب الترفيهي في حياته هو انسان يسلّم بخسارته داخل حيطان بيته، دون أن يقرّ ويعترف بخسارته تلك في انعكاس سلوكه ونشاطه على صورته الاجتماعية.
ريما كسر – معالجة نفسيّة