عيد لـ ( عرب جورنال ) : الأمريكيون يشعرون بقرب سقوط إمبراطوريتهم وأوروبا ستتخلى عن كييف

عيد لـ ( عرب جورنال ) : الأمريكيون يشعرون بقرب سقوط إمبراطوريتهم وأوروبا ستتخلى عن كييف

حوار أجرته “عرب جورنال” مع عضو المجلس الاعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي رياض عيد، نُعيد نشره في “صباح الخير-البناء”

في حوار حصري تستضيف “عرب جورنال” خبير العلاقات الدولية الكاتب والصحفي اللبناني رياض عيد، للوقوف عند آخر التطورات والمستجدات المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، وتسليط الضوء على ماهية الصراع القائم بين القوى الغربية الاستعمارية والقوى الشرقية، وتداعيات هذا الصراع على الأمن السياسي والإقتصادي للعالم.
كما يناقش الحوار تصاعد الخلافات الأمريكية الأوروبية في ظل مساعي واشنطن لإغراق القارة العجوز بالمزيد من الفوضى، واستثمار التهديدات لتحقيق مكاسب اقتصادية، بالإضافة إلى التطرق لمحاولة الإنقلاب التي شهدتها ألمانيا، مع توسع حالة الإنقسام داخل أروقة مؤسسات الدولة، وكذلك بدء دول حلف الناتو مسلسل التخلي عن أوكرانيا بعد رميها في النار.

الغرب أصبح غارباً في كل شيء وشمس المستقبل تشرق من الشرق


_ البداية من قرار الإتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية السبع تحديد سقف لسعر النفط الروسي… هل تتوقعون أن يمر هذا القرار؟وأي تداعيات لهذه الخطوة على القارة العجور في ظل التحذيرات الروسية؟ وما هو الرد الروسي المتوقع؟

قرار الإتحاد الأوروبي تحديد سقف 60 دولار للنفط الروسي لا قيمة له إلا عند حلفاء الإتحاد وأمريكا، ولا يلزم حلفاء روسيا وأكبر مستوردي الطاقة الروسية عنيت بهما الصين والهند، ولأن روسيا تبيع حلفائها والدول التي لم تلتزم بالعقوبات بأسعار مخفضة. ما يمكن أن يؤذي روسيا قليلاً هو امتناع شركات التأمين من تغطية التأمين عن شحنات النفط التي تتجاوز تسعيرتها ال 60 دولار لأنه بحدود 90 % من شركات التأمين هذه إما أوروبية أم أمريكية، إلا أن روسيا كانت قد اشترت أخيراً 110 ناقلات نفط عملاقة لتنقل نفطها إلى الأسواق العالمية وهو ما يعالج بالتأكيد هذه الإشكالية.
وهذا السعر لا يؤثر كثيراً على عوائد روسيا من مبيعات الطاقة لأنها أكبر مورد للغاز إلى العالم، وتحديداً للإتحاد الأوروبي ومنذ أول مئة يوم من بداية العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا زادت عائدات روسيا 110 مليار دولار من فرق أسعار الغاز التي كانت 80 دولار لكل الف متر مكعب قبل الحرب ووصلت إلى 3200 دولار.
وروسيا كانت سابقاً اقترحت هذا السعر كسعر مناسب جداً للموردين وللمستهلكين ويناسب الإقتصاد العالمي إلا أن “اوبك +” تركت للسوق تحديد السعر .التداعيات الخطيرة من هذه الخطوة هي على الإتحاد الاوروبي نفسه، روسيا أعلنت أنها سترد على هذه الخطوة قريبا. زيلينسكي نفسه اعتبر هذا القرار لا قيمة له ولن يؤثر على روسيا.
لكن ما لفتني أن كبير الإقتصاديين في مصرف ” جي بي مورغن” علق على قرار تحديد سقف السعر هذا بأنه “قرار غبي”، وهو كمن يطلق النار على رأسه وليس على قدميه، لأن روسيا تنتج 11 مليون برميل نفط يومياً وتستطيع أن توقف ضخ 5 مليون برميل يومياً عن الأسواق دون أن يتأثر الإقتصاد الروسي بشيء، لكن هكذا قرار قد يدفع أسعار النفط العالمي الى 385 دولار للبرميل، هل يستطيع الإقتصاد العالمي والأوروبي من ضمنه أن يتحمل تبعات هكذا قرار؟. دول الإتحاد الأوروبي لم تتفق على قرار موحد بشأن قطع الطاقة كلياً من روسيا أنا أتوقع أن تخفف روسيا ضخ النفط في المستقبل، تعقيبا على القرار الأوروبي، وذلك لدفع أسعار البترول مجدداً فوق ال100$، إن لم يرضخ الإتحاد الأوروبي.

_ في ظل المستجدات العسكرية الأخيرة .. الحرب في أوكرانيا إلى أين؟وما الذي قد يدفع روسيا للسيطرة الكاملة على أوكرانيا؟ وأي خطورة يقدم عليها الغرب بعد تصنيف البرلمان الأوروبي روسيا دولة راعية للإرهاب؟

تموقعت القوات الروسية الآن جنوب نهر دونيبر بعد انسحابها من ميكولايف وشمال خيرسون مما يجعل نهر دونيبر، هو الحدود الفاصلة بين مطقة الدونباس أي ما يسمى أوكرانيا الروسية وأوكرانيا زيلينسكي، وذلك لأن خطتها الجديدة ترتكز على تجميد الإقتحامات في فصل الشتاء والإقتصار على قصف مراكز الطاقة الأوكرانية وتدمير مخازن الأسلحة مسارات وصولها لأوكرانيا لجعل الحياة مستحيلة فيها أثناء فصل الصقيع وهذا ينفذ الآن. وهذه كانت دائما استراتيجية الجيش الروسي في حروبه عبر التاريخ الذي يعتبر أن جنرال الطقس دائما يعمل لمصلحة الجيش الروسي.مع تقديم المعركة الإقتصادية الطاقوية الآن على المعركة العسكرية، لأن تداعياتها على اقتصاديات دول الإتحاد الأوروبي وشعوبها ستكون كارثية، لعدم قدرة أوروبا استبدال الغاز الروسي بأي مصدر آخر إلا بأسعار خمسة أضعاف زيادة عن سعر الغاز الروسي هذا إن تأمن لها ذلك. معلوماتنا أن الحرب في أوكرانيا طويلة والجيش الروسي يعد نفسه لحرب قد تستمر إلى أكثر من 5 سنوات وحتى تحقيق كامل أهدافها التي حددها الرئيس بوتين وهي :
أولا _ منع أوكرانيا من الدخول في الحلف الأطلسي بعد تدمير جيشها واقتصاره على 50000 ألف جندي، واجتثاث النازيون الجدد وهذا يسير نحو التحقيق.
ثانيا _ الإتفاق مع أوروبا على الأمن الإقليمي للقارة العجوز أخذاً في الإعتبار أمن روسيا كجزء من أمن الإتحاد الأوروبي، ومنع تمدد الحلف الأطلسي بإتجاه حلف وارسو سابقاً.
ثالثا _ الإتفاق على نظام أمن عالمي جديد يحكم العالم بعد فشل النظام الأمني العالمي القديم الذي ساد إبان الآحادية القطبية التي أسقطتها حرب أوكرانيا.
أما قرار البرلمان الأوروبي، بتصنيف روسيا دولة راعية” للإرهاب”، هو رغبة غربية متزايدة في عزل موسكو دولياً، ولكن لا أعتقد أن هذا القرار سيمر، فهو قرار لا قيمة له تنفيذيا لأن البرلمان الأوروبي تشاوري وليس له سلطة تنفيذية على الدول المعنية، لكن القرار برمزيته، خاصة مع الأكثرية الكاسحة التي نالها، يعكس تعاظم القطيعة بين روسيا والدول الأوروبية.
كما أن القرار لا يحظى بإجماع حلفاء الحرب على روسيا فأمريكا ذاتها رفضت الإلتزام به لأن لها معايير لتصنيف الدول الارهابية بالتأكيد لا تنطبق على موسكو، ولأن حلفاء موسكو في دول البريكس ومنظمة شنقهاي للأمن والتعاون وأوراسيا يمثلون نصف سكان العالم بينما الإتحاد الاوروبي يعتبر إقلية بالنسية لهم.
طبعا روسيا تعتبر أوروبا والناتو والولايات المتحدة دول راعية للإرهاب لأنهم يدعمون النازيون الجددد في أوكرانيا الذين انقلبو على النظام في كييف عام 2014 “كتائب ازوف” و ” حركة القطاع اليميني” و”حزب سوفوبودا اليميني” المحتضنين من الأطلسي وأمريكا. واليمين المتطرف ينمو ويتدرب بشكل مخيف في أوروبا لدعم الجيش الأوكراني بالمتطوعين والمرتزقة الأجانب لإستمرار استنزاف روسيا، وانقلاب النازيون منذ أيام في ألمانيا خير دليل.
البرلمان الروسي قد يرد على قرار البرلمان الأوروبي بأن يعتمد قرارات معينة حول بعض الدول الأوربية لكن روسيا تراهن على عامل الوقت وإنهاك أوكرانيا وعدم قدرة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على دعم أوكرانيا ماديا وعسكريا إلى آخر المطاف.

_ قبل أيام صرح وزراء خارجية دول الناتو في تصريحات أن الحلف لا ينوي ضم أوكرانيا خلال الفترة الحالية .. كيف يمكن فهم هذه التصريحات؟وهل نحن أمام تخلي أوروبي واضح عن كييف؟ وهل تعتقدون أن الخطوة تتعلق بتوجيه غربي لوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا خصوصاً مع إعلان الحلف الأطلسي استنزاف المخزون العسكري لنحو ثلث دول الحلف؟

تصريح وزراء خارجية دول الناتو، يأتي أولاً على أساس أنه إلتزام بالمادتين الرابعة والخامسة من ميثاق الحلف التي تنص على أن أي إعتداء على أي دولة في الحلف يمثل إعتداء على الحلف الأطلسي، وبالتالي سيصبح الحلف مضطر للدخول في حرب المباشرة مع روسيا وسيؤدي ذلك إلى حرب كونية نووية جديدة لا تبقي ولا تذر وهذا ما تخشاه أوروبا ويتجنبه الأطلسي وأمريكا حتى الآن..
وهذا أيضاً ما حذر منه الرئيس بوتين، الحلف الأطلسي وأمريكا، ووضع أسلحته النووية في حالة استنفار دائم متوعداً دول التحالف برد مزلزل.
وثانياً، لإبقاء باب الحوار مفتوح مع روسيا لحل سياسي لأن أوروبا تعاني من تدهور إقتصادي مريع نتيجة الحرب في أوكرانيا التي سببت بإرتفاع البطالة نتيجة تقنين أوقات عمل المصانع لتوفير الطاقة، وبنسبة تضخم تجاوزت ال 20% في بعض دول الإتحاد، وبإرتفاع جنوني لأسعار الطاقة والمواد الغذائية التي سببت بإضرابات وتظاهرات تعم مجمل الدول الأوروبية مطالبة بوقف الحرب ووقف دعم أوكرانيا بالسلاح والمال، وزيادة الأجور بنفس نسب التضخم لأنها لم تعد تكفي سد حاجات الناس الحياتية الغذائية الملحة.
تكتب افتتاحيات الصحف في كل الدول الأوروبية انتقادات للمسؤولين الأوروبيين وتنقل لوم الأوروبيين لمسؤوليهم لدعم الحرب الأمريكية على روسيا في أوكرانيا وقطف واشنطن نتائج الحرب إقتصاديا على حساب تدمير إقتصاد أوروبا ورفاهية شعوبها .هذا الضغط الشعبي سيجبر قادة أوروبا على التخلي عن دعم كييف. خاصة أن مخازن أسلحة الدول الأوروبية قد نفدت، وأيضاً الحلف الأطلسي استنزف مخزونه العسكري لنحو الثلث.
وهذه بالفعل ستكون مقدمة لتخلي أوروبا عن أوكرانيا بوقف دعمها. خاصة أن كل الإستراتيجيين العسكريين في أوروبا وأمريكا يقرون بإستحالة انتصار أوكرانيا على روسيا وحرب الإستنزاف هذه ضد روسيا استنزفت أوروبا ومعظم دول العالم أكثر مما أضرت بروسيا.
_ هناك سخط اوروبي واضح تجاه مساعِ الولايات المتحدة تصعيد الحرب في أوكرانيا لتحقيق مكاسب اقتصادية.. ما الذي تمتلكه القارة العجوز أكثر من السخط الشفوي لمواجهة أجندات واشنطن داخل عقر دارها ؟ ولماذا انزعجت الدول الأوروبية من قانون التضخم الأمريكي؟

نعم هناك سخط أوروبي كبير من مساعي أمريكا تصعيد الحرب في أوكرانيا، لأن الولايات المتحدة المستفيد الوحيد من هذه الحرب على حساب الإقتصاد الأوروبي المتداعي، خاصة أن أسهم وأرباح شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية قد فاقت ارباحها 200 مليار $ في الأشهر الأولى للحرب، واسهم شركة لوكهيلد الأمريكية تسجل أرقام فلكية في بورصة نيويورك.
أيضاً زاد السخط الأوروبي بعد تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية مصانع أوروبا التي تعتمد الذكاء الصناعي للإنتقال إلى أمريكا بحوافز تشجيعية.
ومما زاد الطين بلة توقيع الرئيس جو بايدن على قانون “التضخم الأمريكي”الذي صعد الخلافات بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بعد ما اعتبرته أوروبا طعنة في إقتصاد القارة العجوز. فبعد أن تجاوزت باريس وواشنطن الأزمة العميقة المتعلقة بتحالف “أوكوس”، أجج قانون خفض التضخم الذي اقترحته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الخلاف بين البلدين، إذ يمنح هذا التشريع تسهيلات لبيع البضائع المصنوعة في الولايات المتحدة، في حين أنّ الفرنسيين يرون فيه إجراءً حمائياً معادياً للتجارة الحرة، ويخشون تداعياته على الصناعة الأوروبية.
والإتحاد الأوروبي بأسره، وليست فرنسا وحدها، يرى نفسه متضرراً من هذا التشريع الجديد، على اعتبار أنّه يخدم مصالح التضخم في الولايات المتحدة، ولكنه يؤذي المصالح ذاتها أو ما يماثلها في أوروبا. و”ذعر” بروكسل من هذا القانون لانه يُحفّز المستهلكين الأمريكيين على “شراء سيارة أمريكية” في سعيهم لشراء سيارة ملائمة للبيئة على حساب السيارات الأوروبية.
ويهدف إلى حماية المصنّعين الأميركيين، على حساب الشركات غير الأميركية، لما يمثله من ضربة قاصمة للإقتصادات الأوروبية، في الوقت الذي تعاني أوروبا اقتصادياً بسبب تورطها في الحرب الروسية الأوكرانية.
هذا القانون سيؤدي إلى زيادة الإنقسامات بين دول الإتحاد الأوروبي ويمكن أن يؤدي إلى انقسام الوحدة داخل حلف الناتو بين بروكسل وواشنطن.
ورغم أن “الشقوق بدأت الآن في الظهور مرّة أخرى” بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ورغم الغضب الكبير أوروبيا من مواقف أمريكا الاخيرة، إلا أنني غير متفائل بموقف أوروبي مستقل، وهذا السخط الأوروبي سيبقى لفظي بحكم تبعية أوروبا الكاملة لأمريكا.

_ محاولة الإنقلاب التي حدثت مؤخراً في ألمانيا.. برأيكم من يقف خلفها ؟ وهل هي انعكاس لتغيير طاريء قد يضرب الدول الاوروبية كنتيجة لتداعيات الحرب في اوكرانيا التي تغذيها ؟ كيف ذلك؟

الإنقلاب الذي حدث في ألمانيا قامت به مجموعة تحمل اسم “الإتحاد الوطني” وهي مجموعة متطرفة تنتمي إلى “حركة مواطني الرايخ الرابع” .اعتقلت السلطات الالمانية 25 شحص ينتمي إلى هذه المجموعة بمن فيهم قائد هذه المجموعة “هنري الثالث عشر الارستقراطي السابق “، وكذلك النائب السابق عن حزب البديل من أجل المانيا “بيرجيت مالساك”.
الشرطة الألمانية صنفت هذه المحموعة منظمة إرهابية يمينية متطرفة ولم تؤكد التحقيقات أي ارتباط لها بالخارج حتى اللحظة.
نعم أعتقد أنها تعبير عن سخط الألمان والأوروبيين من الحالة التي وصلت لها أوروبا نتيجة الحرب في أوكرانيا، وهي نموذج عن تنامي وسخط اليمين المتطرف من حالة إنعدام اليقين الذي وصلت له الشعوب الأوروبية وقد تؤدي إلى هيمنة هذا اليمين على الحكم في أوروبا إن لم تتدارك القارة العجوز الأمر.

_ قبل أيام كشفت وسائل إعلام عبرية عن قلق إسرائيلي بخصوص ما وصفته بالإتفاق السري بين روسيا وايران لإنتاج مئات الطائرات الإيرانية بدون طيار داخل روسيا.. ما الذي يقلق كيان الإحتلال من تعاون موسكو وطهران؟

ما يقلق دولة الكيان الصهيوني الزائل، تنامي العلاقات الروسية الإيرانية إلى المستوى الإستراتيجي. وما وصفته دولة العدو بالإتفاق السري بين روسيا وإيران لإنتاج الطائرات المسيرة ما هو إلا نتيجة تطابق الإستراتيجيات بين طهران وموسكو حول معظم الملفات الدولية وتحديداً من العلاقة مع أمريكا وأوروبا وتأييد ايران الضمني للحرب الروسية في أوكرانيا، والتطابق في النظرة إلى ضرورة سقوط الهيمنة الأمريكية، والدور الإيراني الروسي المشترك في وسط آسيا وشنغهاي والهلال الخصيب. إلا أن نجاح المسيرات الإيرانية بوجه مسيرات ييرقدار التركية في ترجيح كفة روسيا في الحرب الأوكرانية، وتقدم إيران في إنتاج الصواريخ الدقيقة وتزويد روسيا بها يرعب دولة العدو التي تخشى من تقدم طهران في إنتاج هذا النوع من الأسلحة الذي يدعم التوازن العسكري لمصلحة إيران ومحور المقاومة في أي مواجهة مقبلة مع الكيان الزائل.
وأكثر ما يقلق دولة العدو الإسرائيلي أيضاً أن تنعكس تتطور هذه العلاقة الإيرانية الروسية في سوريا لتغيير قواعد الإشتباك في ظل تردي العلاقة “الإسرائيلية” الروسية نتيجة الموقف الإسرائيلي الداعم لأوكرانيا والمندد به من قبل روسيا.

_ زيارة وفد من البرلمان الأسترالي إلى تايوان في هذا التوقيت بالذات.. هل للولايات المتحدة يد في هذه الزيارة خصوصا وأنها تتزامن مع إرسالها مقاتلات جديدة إلى أستراليا؟ وما التداعيات المتوقعة لمساعي واشنطن الدفع بالقارة الصغيرة لإستفزاز الصين؟

بالتأكيد، زيارة وفد البرلمان الأسترالي إلى تايوان في هذا التوقيت الذي يتزامن مع إستلام أستراليا طائرات “إف 35” الأمريكية هو استفزاز جديد للصين ، ومنسق حكماً مع الإدارة الأمريكية وهو استكمال لزيارة نانسي بيلوسي ووفد من الكونغرس إلى تايوان، لتشجيعها على الإنفصال عن الصين وزيادة التوتر معها.
أستراليا عضو بتحالف الكواد وتحالف اوكوس الرباعي الذي تجول غواصاته النووية في بحر الصين الجنوبي لزيادة التوتر مع الصين في بحرها الجنوبي. واشنطن تعد العدة لفتح المعركة مع الصين التي تعتبرها وفق استراتيجيتها للأمن القومي الأميركي الأخيرة العدو رقم واحد والمنافس الأول لها على عرش الكون اقتصاديا. ما يؤشر أيضاً على استعداد أمريكا لإشعال جبهة تايوان وبحر الصين، أن الأسبوع الفائت احتفل جو بايدن مع تايوان بإنشاء مصنع لشركة TSMC للرقائق الإلكترونية بتقنية 5و3 نانوميتر في ولاية اريزونا الأمريكية. في محاولة أمريكية لنقل هذه التكنولوجية إليها بعيداً عن سيطرت الصين عليها إن وقعت الحرب.
إذا كانت حرب روسيا مع أوكرانيا وضعت العالم على شفير حرب كونية وكارثة اقتصادية وغذائية ، فإن حرب أمريكا مع الصين عبر حلف اوكوس ستكون بمثابة يوم القيامة ونهاية العالم. أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية سيكون مصيرهم أسوأ من مصير أوروبا الآن إن وقعت المواجهة مع الصين.
_ مؤخرا، أعلنت اللجنة المشتركة بين الصين وروسيا تحقيق نتائج فعالة في المشروعات الإستراتيجية الكبرى مؤكدةً رفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 200 مليار $ في العام القادم.. أي قوة إقتصادية يمنحها التقارب الصيني الروسي ؟ وكيف يكسر هذا التقارب العقوبات الغربية على موسكو وأيضاً الهيمنة الأمريكية الأوروبية على السوق الدولية؟

ارتقت العلاقة الصينية الروسية إلى أعلى مستوى وصلت إليه هذه العلاقة عبر تاريخ البلدين، ووصف الرئيسان شي وبوتين في لقائهما الأخير هذه العلاقة بأنها ارتقت إلى مستوى إستراتيجي، التبادل التجاري سيرتفع إلى أكثر من 200 مليار $ بعد إكمال شركة غاز بروم أنابيب سيبريا لتعويض الصين حجب سوق الغاز الروسي عن أوروبا.
الصين والهند رفضتا الإلتزام بالعقوبات الأمريكية على صادرات روسيا الطاقوية، عدم إلتزام أول وثالث أكبر عملاقين إقتصاديين في العالم بالعقوبات الأمريكية كسر الحصار الأمريكي الأطلسي عن روسيا.
والتحالف الإستراتيجي الصيني الروسي يكمل دفن عقوبات واشنطن عليهما ويكسر الهيمنة الامريكية على العالم .روسيا تخوض حربها في مواجهة أمريكا والأطلسي لكسر نظام الآحادية القطبية وإقامة نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب، بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن حلفائها الإستراتيجيين الصين وإيران ومنظمة شنغهاي ودول البريكس الذين يمثلون أكثر من 55% من سكان العالم و45% من الناتج القومي العالمي و50 % من مخزون الطاقة العالمي.
آسيا ستكون في القريب العاجل قارة هذا القرن إقتصادياً جيوسياسياً وتنموياً وهي الآن مصنع العالم ومحرك عجلة العالم تجارياً مما يؤكد كسر الهيمنة الأمريكية الأوروبية على التجارة العالمية. الغرب بات غارباً في كل شيء وشمس المستقبل تشرق من الشرق.

_ مع تصاعد التوترات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة عقب تزايد تحركات الأخيرة في كوريا الجنوبية .. هل يمكن أن نشهد صدام مباشر بين البلدين؟ وأي تداعيات خطيرة لهذا الصدام على الأمن الدولي؟ وهل باتت قوة بيونغ يانغ عائقاً حقيقياً أمام الأطماع الأمريكية في الشرق الآسيوي؟

كوريا الشمالية تستغل إنشغال العالم بالحرب الأوكرانية لإستكمال تجاربها النووية الجديدة. وزيادة التوتر مع أمريكا وكوريا الجنوبية يأتي رد على مناورات الولايات مع كوريا الجنوبية وتجاربهما الصاروخية الفاشلة.
كوريا الشمالية ترسل الصواريخ إلى حليفتها روسيا لتعويض مخزوناتها نتيجة حرب أوكرانيا، وهي محتضنة من الصين وترسل رسائلها الصاروخية الردعية الناجحة إلى أمريكا كلما ازداد التوتر مع الصين.
أنا لا أعتقد أن أمريكا قد تتجرأ على الصدام مع كوريا الشمالية لأنها تدرك أن الرئيس الكوري لن يتررد في قصف الولايات المتحدة بصواريخه النووية وهي تصفه بالمجنون الذي لا يتوانى عن فعل أي شيء. نعم قوة بيونغ يانغ باتت عائقاً حقيقياً ورادعاً للأطماع الأمريكية في الشرق الآسيوي.

_ وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” فإن أكثر من نصف الأمريكيين لا يثقون بجيشهم .. ما هي أسباب فقدان الثقة بين الشعب الأمريكي ومؤسساته العسكرية؟ وما علاقة ذلك بإنهيار الهيمنة الأمريكية وتراجع قوتها في العالم؟ وهل يشعر الأمريكيين بقرب سقوط الإمبراطورية العجوز؟
برأيي تعود أسباب فقدان الثقة بين الشعب الأمريكي وجيشه، لأن الولايات المتحدة تعاني من ضعف إستراتيجي لم تشهده في الجيلين الماضيين. وتعاني من أزمة بنيوية وإنقسام مجتمعي، وأزمة إقتصادية، وعدم ثقة الشعب بكل مؤسسات الدولة الأمريكية وليس بالجيش فقط.
لهذا فقد الجيش الأمريكي قدرته على خوض معركة على جبهتن كبيرتين وفق إستراتيجيته. الجيش الأمريكي منذ هزيمته في حرب فيتنام حتى الآن لم يخوض معركة ضد أي دولة وخرج منتصراً رغم ضعف الدول التي احتلها. فرغم احتلاله العراق إلا أنه خرج منها مهزوماً تحت ضربات المقاومة العراقية. وبعد احتلاله أفغانستان خرج منها مهزوماً بعد 20 عام تحت ضربات الأفغان. ومنذ أكثر من عقدين عدل استرايجيته الحربية لتصبح إستراتيجية الحرووب بالوكالة والحروب الناعمة والقيادة من الخلف. وهذا أيضاً يؤكد تراجع القوة الأمريكية ووهنها وتجنب المواجهة المباشرة،
رغم أن ميزانية الدفاع الأمريكية للعام المقبل تجاورت ال 845 مليار $ وهي أكبر ميزانية في تاريخ أمريكا.
نعم الولايات المتحدة تعيش مرحلة ضعف غير مسبوقة وتراجع قدرتها على قيادة العالم بسبب أزماتها البنيوية، ومناقسة قوى صاعدة كالصين وروسيا والهند لها. لهذا يشعر الأمريكيون بأن إنهيار الهيمنة الأمريكية وقرب سقوط الإمبراطورية العجوز بات وشيك.

_ بشكل عام .. إلى أين سينتهي هذا الصراع القائم بين القوى الغربية والقوى الشرقية؟ وماذا يمثل سقوط أمريكا بالنسبة لشعوب دول العالم بعد قرن من الهيمنة والوصاية؟

سينتهي الصراع بين القوى الغربية المهيمنة والقوى الشرقية البازعة الى إحدى النتيجتين:
إما أن تقر القوى الغربية المهيمنة أن عصر الهيمنة وعصر الآحادية القطبية قد لفظ آخر أنفاسه في المواجهة الكونية التي تدور رحاها الآن على رقعة الشطرنج الأوكرانية بكل صنوف الأسلحة العسكرية والإقتصادية والطاقوية والإلكترونية والجرثومية، وتقبل بصياغة نظام عالمي تعددي جديد بدء يبزغ، يرفض الهيمنة والتسلط ويرفض التدخل في شؤون الدول لتغييرها من الداخل، ويكون أكثر عدالة، وأكثر تمسكاً بالقانون الدولي والحريات وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، وأكثر تعاوناً لحل النزاعات بالحوار وفق المواثيق الدولية ووفق نظام أمني عالمي جديد يأخذ هواجس الدول الأمنية بعين الإعتبار.
أو تبقى الدول الغربية تكابر وتستمر في إثارة النزاعات بين الدول من تايوان إلى آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط إلى أوروبا لتثبيت هيمنتها المتداعية، واستنزاف روسيا ونفسها عبر دعم الحرب في أوكرانيا بالسلاح والعتاد والمرتزقة والعقوبات الإقتصادية والقرصنة المالية، في محاول لهزيمة روسيا التي لن تهزم لأنها ستستعمل سلاحها النووي في حرب الوجود التي تخوضها ضد الهيمنة والتمدد الغربي إلى حدائقها الخلفية، وإن اضطرت لإستعماله هذا يعني نهاية العالم.
روسيا لن تتراجع في الدفاع عن أمنها القومي في أوكرانيا ودول جوارها القريب. والصين أيضاً لن تتنازل عن مبدأ الصين الواحدة وسيادتها على بحر الصين وضم تايوان حتى لو اضطرت لخوض المواجهة مع أمريكا التي تتدخل في كل شيء لوقف صعودها.
الإقتصاد الأمريكي أيل إلى السقوط، ومديونيتها العالمية تجاوزت 306 تريليون $، وهي غير قابلة للسداد نتيجة الأزمة الإقتصادية العالمية المستمرة، وهذا يعني ستحل الدول الصاعدة كالصين والهند وروسيا ودول البريكس مكانها. إذاً هي لعبة حربية صفرية أمريكية تقودها لإستزاف العالم وتبديد ثرواته لتبقى هي على عرش النهب العالمي لخيرات الشعوب. عنوانها حرب في أوكرانيا لإستنزاف روسيا والإتحاد الأوروبي. وحرب الرقائق الإلكترونية في تايوان لإستنزاف الصين والنمور الصفر.
إشعال الحروب ينقذ الإقتصاد الأمريكي بسبب بيع السلاح ونهب مدخرات الدول بالعقوبات، لذلك يصبح سقوط عصر الهيمنة الأمريكية الغربية مصلحة إنسانية وتعني كل شعوب الأرض التي عانت من ويلات الإستعمار. الولايات المتحدة الأمريكية باتت ككلب مسعور، يتعين إطلاق النار عليه، قبل أن يقتل العالم كله.