الانتخابات النيابية والبلدية لدى الحزب القومي

الانتخابات النيابية والبلدية لدى الحزب القومي

الموقف المبدئي ومقدار المشاركة

الحلقة الأولى

من الوجهة التطبيقية التي شكّلها الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ العام 1947 وحتى الانتخابات الأخيرة 2022، سواء على المستوى النيابي أم البلدي، نتوقف عند نوعين من قواعد المشاركة وخاصّةً في الموضوع النيابي ولا بد من عرض هاتين الحالتين للحصول على الخلاصات المطلوبة:

الأولى، المشاركة التي قام بها الحزب في انتخابات أيّار 1947.

الثانية، المشاركة التي قام بها الحزب منذ 1947 وحتى الانتخابات الأخيرة.

في الأولى، قرّر الزعيم أن يشارك الحزب في انتخابات 1947 النيابية في لائحة ائتلافية معارضة للحكم آنذاك، وكان هدف الحزب من المشاركة قد أبرزه الزعيم موزّعاً على عدة عناوين سياسيّة واقتصادية واجتماعية. وقد أعلن عنها في بيانات أصدرها الحزب:

  • بيان صدر في جريدة “صدى النهضة – بيروت- العدد 254 – بتاريخ 9-4-1947″. يشرح فيه طبيعة التكتلات السياسية التقليدية المستخدمة ويؤكّد: ” أنّ مرشّحي الحزب يعدّون مسؤولين تجاهه (الشعب) عن العمل على تحقيق الاصلاح “الاقتصادي…”
  • وأيضاً في بيان الحزب السوري القومي الاجتماعي ومنهاجه النيابي أعلن الحزب عن القواعد الاساسية لعمل الحزب في لبنان والتي تقرّها النهضة القومية الاجتماعيّة، وذلك في نشرة عمدة الاذاعة بيروت- المجلّدة – العدد 1 تاريخ 30-6-1947. والذي يطلع على هذه القواعد (مرفقة ربطاً بالدراسة) يقف على حقيقة جذرية هي ربط الزعيم كافة الانشطة الحزبية فيما يؤمن المصالح العائدة للأمة وبالتالي فالنيابة ليست أكثر من وسيلة، غايتها خدمة المصالح القوميّة. وقد فصّل الزعيم القواعد المشار اليها تفصيلاً مسهباً وموزّعاً على:
    • قواعد سياسية – قواعد اجتماعية – قواعد سياسية اقتصادية.
    • والغاية هي: ” تمثيل مصالح الشعب وليس المنافع الخصوصية “.

إذاً، هذا هو المعيار الأساس لكل خيار انتخابي نيابي أو غير نيابي. ولقد حدد سعاده دور النائب القومي الاجتماعي بالتالي:

  1. محاربة الفساد الإداري والرشوة،
  2. محاربة عدم الكفاءة،
  3. رفع رتبة القضاء ووظائف الدولة،
  4. محاربة التبعية والرجعية،
  5. إيجاد مشاريع الإنتاج وايجاد أسباب نهضة زراعية – صناعية …

ورأى سعاده، في عرضه للسياسيين والمرشحين من خارج الحزب، أنّ: “أكثرية العاملين السياسيين” للنيابة يقومون على مناهج شخصيّة، وليس على مبادئ قوميّة أو عموميّة من أي نوع، “فطغت المنافع الشخصيّة على جميع الاعتبارات القومية والاجتماعيّة والسياسيّة …”

وقد عرض سعاده الى طبيعة العملية الانتخابية فقال: “…كانت الفوضى عظيمة والعمليّة الانتخابية آخذة في التحوّل الى معترك تكتلات “منافع خصوصيّة … وفي هذه الفوضى واعتراك الخصوصيات والمطامع الفرديّة. ” لم أجد ما يدعو الى تعليق أهميّة كبيرة على الانتخابات ونتائجها. وكان مفروغاً منه عندي ان الحكومة ستتدخّل في الانتخابات… (أنطون سعادة – الأعمال الكاملة – ج- 7 – ص 259)

ويختصر سعاده المسألة الانتخابية بقوله مخاطباً الشعب اللبناني: “إنّ المسألة أعمق بكثير من أن تكون مجرد مسألة انتخابية، يغضب فيها أشخاص: “فيعمدون الى تهبيجك، ويفرح بنتائجها اشخاص يعملون على تسكين جأشك: ” إنّ القضيّة هي قضية انقاذك من براثن النفعيات وتحريرك من عوامل الرّجعية والسير بك في طريق المجد القومي “. (أنطون سعادة – الأعمال الكاملة -ج 7 – ص 261)

ويعود فيؤكّد في ذات الإطار قائلاً: ” ولكن الحزب القومي الاجتماعي، لا يرى أنّ مسألة الانتخابات هي القضيّة الأساسيّة، بل يرى أن القضية هي قضية مبادئ، فاما تنتصر مبادئ الحياة القوميّة الاجتماعيّة وتنتصر بها حريتك الحقيقية، ايها الشعب، وسيادتك الصحيحة، واما أن تنتصر مبادئ الرجعية والحياة الاقطاعية والطائفية وينتصر بها ذلك، وشقاؤك وعبوديتك لوراثة الاستعباد الأجنبي وحلفائه”. (ذات المرجع أعلاه – ص 262)

لقد ذكرنا هذه النصوص لتظهر المعيار والغاية في مسألة الانتخابات النيابية لأنّه بتوضيح هذين الأمرين تتوضّح أمامنا قواعد العمل وضوابط وخياراتنا فيه اما المعيار فهو المصلحة العامة، مصلحة الشعب والدولة، وأما الغاية فهي بانتصار الحرية والاستقلال ومبادئ الحياة القومية الاجتماعية.

من هذين الحدّين يجب أن نقارب المسألة الانتخابية البرلمانية برمتها. إذ ليست الغاية من الوصول الى الندوة البرلمانية أن تكون التمثيل، أي من الوجهة الشكلية، بل الغاية فيما هو مطلوب من هذا التمثيل.

من هنا ندخل في موضوع الديمقراطية، لأن انتاج مجلس نيابي، هو عمل ديمقراطي تأسيسي مستدام لأمة بأصلها، وبالتالي فهو عمل تتوقف عليه سلامة وجود الجماعة التي انتجته، وسلامة مصالحها في هذا الوجود.

من خلال النصوص التي أوردناها نرى سعاده وقد أشار الى مبدأ الديمقراطية التعبيرية من الوجهة التطبيقية، بحيث ربط شرعية ومشروعية وصدقية ونجاح العملية الانتخابية البرلمانية، بمدى التعبير الذي يقوم به النائب القومي الاجتماعي عن مصالح الوطن والأمة، بعيداً عن المصالح الشخصيّة والفئوية والطبقية … وأيضاً، وبصورة أكثر جزماً، مصالح الارادات الاجنبية.

إن الديمقراطيّة التمثيلية بنظر سعاده هي واجبة الوجود لأنها الشرط الضروري لوجود الأساس-المعنى-المضمون، وان لم تكن الشرط الكافي. إن لزومية وجود التمثيل (الديمقراطية التمثيلية) لأنها الحاصل الذي لا بد منه لعملية التعبير، والتي هي روح الديمقراطية كما يراها سعاده، التعبير عن المصالح العامة للجماعة القومية، والمبادرة إلى وضع القواعد القانونية الضامنة لهذه المصالح . وبذلك تكون الديمقراطية التمثيلية، الشكل والوسيلة المطلوبان لقيام الديمقراطية التعبيرية التي هي بالدقة: الديمقراطية التمثيلية – التعبيرية.

 في التطبيق:

من خلال التجربة التاريخية التي خاضها سعاده في هذا الإطار، وهي الانتخابات النيابية اللبنانية في أيار 1947، تبيّن ثمّة إشكاليات عديدة تواجه قرار المشاركة في انتخابات المجالس النيابية.

  • أوّلاً: عملية الائتلاف في اللوائح المرشّحة:

لأن تجربة سعاده، تؤكد أنه أعلن برنامجه الانتخابي والمتعلق بكافة نواحي الحياة العامة من سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد اعتبرها الوسيلة التي يمكن أن تخدم القضية القومية في حال تطبيقها عبر قوانين تصدر عن البرلمان – والحقيقة فان سعاده قد سعى للإتلاف مع قوى سياسية على أساس برنامجه – فلقد أثبتت له عدم وجود هؤلاء الشركاء والحلفاء الذين يقبلون التحالف الانتخابي معه على أساس برنامجه المقدّم. والحقيقة ان السبب الذي يقف خلف ذلك، هو أن هؤلاء يمثّلون فعلاً الواقع الاجتماعي بانقساماته الطائفية والاتنية والعائلية… والطبقية، اضافة لسيادة منظومة من المفاهيم انتجها واقعهم الاجتماعي في صيرورته التاريخية على تفكيرهم، الأمر الذي منع عنهم رؤية المصالح العليا التي تتعلق بالجماعة القومية.

من هنا ظهرت خيبة أمله ويأسه من المحاولة الائتلافية التي شارك بها بعض الدستوريين المعارضين للحكومة أمثال (سليم الخوري).

هذا كان في زمن هو أفضل بما لا يقاس بزمننا الحاضر، إذ ان الطائفية ترسخت أكثر، والانشطارات العامودية الأخرى ازدادت الهوّة بينها، بشكل واسع، الأمر الذي كان مقتصراً على حيزٍ محدود في العام 1947. وكل ذلك سيشكل كارثة على مستوى المعيار والغاية اللذين وضعهما الزعيم كقاعدتين للمشاركة النيابية.

أما الكارثة المشار إليها، فتتحدد في أنه في غياب الحديث المشار اليه، سوف تنقلب العملية الانتخابية الى عملية انتاج ممثّلين للبرلمان يمثلون مصالح، سواء أكانت شخصية أم نفعية أم طائفية… أم أجنبية، ستكون كلها وبالاً على الشعب ومستقبله ومستقبل الوطن سيما وان مثل هذه العملية، ستتشرعن بالانتخاب الشعبي محلياً وخارجياً، وبذلك: ” تنتصر مبادئ الرجعية والحياة الإقطاعية والطائفية، وينتصر بها… شقاؤك(يخاطب الشعب) وعبوديتك لوراثة الاستعباد الأجنبي وحلفائه …” (الاعمال الكاملة جزء 7 ص 262) والحقيقة فان عملية انتخابية برلمانية تقوم على التمثيل للتمثيل، هي مصلحة أجنبية بالتأكيد تامة غير منقوصة، لأن التمثيل للتمثيل كما أسلفنا ينتج تمثيلاً لواقع معيوب بالانشطارات العامودية الحاده (طائفية-مذهبية-اتنية-عشائرية-عائلية…) اضافة الى التشوّهات الإقتصادية – الاجتماعية المتمثلة بالاقطاع والرأسمالية).

كل ذلك هو من الوجهة الواقعية – العملية حليف موضوعي للعدو اليهودي والمصالح الإمبريالية التي ترى في وحدتنا القومية والاجتماعية خطراً على مصالحها، وبالعكس فهي ترى أن بقاء هذه الانشطارات والتشوهات، وما تنتجه من تمزقات وصراعات مصلحة حقيقية لها. خاصة وان هذه المصلحة التي هي بالتنفيذ دمار لوحدتنا واقتصادنا ووجودنا برمته وهي مصلحة مشرعنة بالانتخابات.

(يتبع في العدد القادم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *