فعلٌ خسيس وعمل جبان!

هزت الشعب اللبناني الشقيق ومقاومته البطلة مذبحة تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية، من نوعي “بيجر” و “ووكي توكي-آيكوم” يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين. ومن المؤسف أن يقع بعضنا في مصيدة الدعاية الصهيونية، فيبدو مأخوذًا بأزعومة الاختراق الأمني ومسحورًا بأكذوبة قدرات العدو الاستخبارية الخارقة.

لنحتكم إلى أهل الاختصاص، فيما يصدر عنهم بصدد أساس مكين لوضع النقاط على الحروف. الأجهزة المُستخدمة من قبل الكيان الشاذ اللقيط كأدوات للقتل، إلكترونية صغيرة الحجم تُستعمل لنقل الرسائل القصيرة وأرقام هواتف من يحاولون الاتصال بحامليها. ويُفترض أنها خرجت من الخدمة، بعد ظهور الهواتف المحمولة، لكنها تُستخدم في المناطق حيث لا يصل بث هذه الهواتف.

يرجح مختصون أن العدو أدخل متفجرات سيبرانية إلى الأجهزة، قبل وصولها إلى لبنان، لتفجيرها عن بُعد لاحقًا. في هذا الاتجاه يذهب تفسير آخر يرى أن “شريحة ما” زُرِعت في أجهزة البيجر قبل استيرادها. وفيما بعد جرى تفعيل الشريحة، من خلال موجات راديوية قوية ترفع سخونة بطاريات الجهاز فينفجر.

الأجهزة أدوات القتل لم تهبط من السماء، بل تذهب المؤشرات مؤيدًة بالمنطق أن التلاعب بها لجهة إعدادها تكنولوجيًّا للقتل جرى في الخارج، وهو ما ينفي أزعومة الاختراق الأمني. وهذا ما تشير إليه وسائل إعلام عالمية، منها وكالة رويترز الإخبارية، حيث قالت في أحد تقاريرها بصراحة “أن اسرائيل زرعت متفجرات في 5000 جهاز اتصال “بيجر” قبل ثلاثة أشهر”. ولم تكن صحيفة نيويورك تايمز أقل صراحة من رويترز، إذ نشرت تقريرًا إخباريًّا أفاد بأن أجهزة النداء “بيجر”، التي انفجرت في لبنان من صنع شركة “غولد أبولو” التايوانية، وأن اسرائيل فخَّخَت هذه الأجهزة قبل وصولها إلى حزب الله”.

اللافت للنظر، مسارعة الشركات المتداولة أسماؤها لعلاقتها بالأجهزة إيَّاها إلى التنصل من المسؤولية. فقد نفى رئيس شركة “غولد أبولو” التايوانية، هسو تشين كوانغ، أن تكون الأجهزة من منتجات شركته. الشيء ذاته فعلته شركة “نورتا غلوبل” البلغارية، التي ألمح موقع تيليكس الإخباري الهنغاري إلى احتمال إقدامها على شراء أجهزة البيجر من شركة “غولد أبولو” التايوانية. وبذلك حاول هذا الموقع تبرئة شركة “باك كونسوليوتنغ” الهنغارية من الضلوع في جريمة تفجيرات أجهزة البيجر. فقد ذكر الموقع في سياق التبرير أيضًا، أن الشركة الهنغارية المسجلة في بودابست لعبت دور الوسيط فقط، حيث أبرمت اتفاقية مع شركة تايوانية. وفيما بعد، تولت شركة “نورتا غلوبل” البلغارية شراء أجهزة البيجر مباشرة. لكن بغض النظر عن التفاصيل، فإن الحقيقة ستظهر كاملة بتفاصيلها ربما قبل أن ترى النور هذه السطور.

المقاومة اللبنانية أكدت على لسان أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، في اعتراف صريح يُحسب لها، أنها تلقت ضربة قاسية غير مسبوقة، لكن بنيتها سليمة لم تُمس ولا تأثير لما حصل عليها. هذا الاعتراف ينهض دليلًا قاطعًا على الثقة بالنفس، تعزَّزَ بالتحدي العلني للعدو أن يعيد مستعمريه الهاربين من شمال فلسطين إلى هناك. ولم تتردد المقاومة اللبنانية في إيصال رسائل بلسان عربي مبين إلى العناوين المطلوبة، مفادها، أن العدو إذا ظن أن فعلته الإجرامية البشعة ستجبرنا على التخلي عن المقاومة الفلسطينية فهو واهم.

ونحن على ثقة بأن المقاومة اللبنانية التي احترفت استنزاف العدو وإذلاله لن توهنها جريمة تفجيرات البيجر، وستكون على مستوى المسؤولية في حرب العقول والردود المدروسة بمنأىً عن التسرع والانفعال.

أما الكيان الشاذ اللقيط، فأقدم على جريمة خارجة عن قواعد المواجهات بين المتحاربين. وفي هذا دليل على خسته وجبنه أولًا، ووصوله إلى اليأس في حربه العدوانية ضد المقاومة بعد استنفاذ كل ما بمكنته فعله، ثانيًا. مقول القول، ما أقدم عليه العدو محاولة يائسة لترميم الردع الصهيوني المنهار، وإنجاز ما يمكن أن يراه صورة “انتصار عسكري” يرفع بها معنويات جيشه، ورأيه العام المنقسم على نفسه.

وليس يفوتنا الإشارة إلى كذب أميركا عيانًا بيانًا، بادعائها ألا علم لها بجريمة تفجيرات البيجر الدنيئة. فبعد أن يئست أميركا من إمكانية تحقيق جيش النازية الصهيونية أهدافه المعلنة في المواجهة مع المقاومة، لجأت إلى البديل السياسي الناعم، وفي نيتها تحقيق هدفين. الأول، فصل جبهة لبنان عن غزة، وهو البند الرئيس على جدول زيارات الأفعوان آموس هوكستين إلى لبنان، ولكن أنَّى لها ذلك. والثاني، تقديم أي شيء لمجرم الحرب نتنياهو، على هيئة انتصار ما، وتفادي المواجهة البرية مع حزب الله. فهناك تقديرات أميركية مؤكدة، أن الكيان الشاذ اللقيط لن يخرج سالمًا من هذه المواجهة، في حال حصولها.

ونختم بتأكيد حقيقة أن ما أقدم عليه العدو في لبنان الشقيق، إنما هو عمل إرهابي جبان، وفعل خسيس بامتياز. وهو جريمة مكتملة الأركان، لا تندرج تحت عنوان العمل العسكري، بل وتدينها أعرافه وتقاليده. وبذينك الجبن والخسة، يضيف الكيان الشاذ اللقيط دليلًا جديدًا في سياق تأكيد أن صراعنا معه مفتوح حتى زواله.