أشهر المكتبات في العالم الغربي

أشهر المكتبات في العالم الغربي

هل تعلم؟ أنّ المكتبات العامة، في العصر الحديث، تجتاح العالم، وتشاد لها الأبنية الفخمة التي تفوق القصور روعة وجمالا وهندسة، وتحتل أبرز المواقع في جسم عواصم العالم المتقدم، ومدنه الرئيسية، كما يتولى الخدمات فيها جيوش من الإخصائيين، وقد وضع في تصرفهم أحدث التجهيزات والمعدات والوسائل المتطوّرة، وخصص لهم الميزانيات التي تعادل ما ينفق أحيانا على القوات المسلحة في بعض الدول.

ومن أبرز المكتبات الوطنية العامة في العالم الغربي: مكتبة الكونغرس الأمريكانية، المكتبة الوطنية الفرنسية، و “مدينة الكتاب” في المانيا.

مكتبة الكونغرس هي أكبر مكتبة في الولايات المتحدة. تأسست في العام 1800، احتفل بمئويتها الثانية في مطلع الألفية الثانية، وهي عبارة عن بناء أثري فخم يبلغ طول رفوف الكتب فيه خمسة أضعاف امتداد الشاطئ في لبنان، وبالتحديد 851 كلم من الرفوف التي تحتضن 111 مليون قطعة (إحصاء 1997)، وقد بلغت ميزانية خدماتها في العام 1996 أكثر من 352 مليون دولار. وهي تضمّ مجموعة ضخمة من الكتب والمخطوطات من مختلف أنحاء العالم. ولا تقل مكتبة نيويورك العامة أهمية عنها وتحتوي على مجموعة متنوعة من الكتب والأبحاث. وتعتبر المكتبة البريطانية من بين أكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والوثائق التاريخية. أمّا “المكتبة الروسية” فهي من أكبر مكتبات البلاد وتحتوي على تراث ثقافي متخصّص في الأدبين الروسي والعالمي.

المكتبة الوطنية الفرنسية من أقدم مكتبات أوروبا، تضمّ مجموعة هائلة من المخطوطات النادرة، يبلغ طول رفوف كتبها 340 كيلومترا، وقد احتفلت في العام 2007، بذكرى السبعين بعد الأربعمائة على تأسيسها في العام 1537

والآن إلى ألمانيا، الأمة الثقافية بامتياز، التي استطاعت بروحها القومية أن تنتصر بثقافتها على هزيمتها في الحربين العالميتين الأولى والثانية وان تدمّر “جدار برلين”، وتعود إلى وحدتها القومية. إلمانيا تميّزت، بالمثلث الثقافي الذي جسّدته مدنها الكبرى الثلاث: ونسد روف، كانزاخ وفرانكفورت، ففي الأولى افتتح الإلمان “مدينة الكتب”، في خريف 1998، حيث تمّ عرض حوالي ثلاثين مكتبة بشكل متواصل.

السؤال: لماذا ونسد روف “مدينة الكتاب”؟

تمّ اختيار هذه المدينة القريبة من العاصمة برلين، لأنّ الجيش الروسي المحتل، اتخذها مقرا لقيادته في فترة احتلاله لألمانيا بعد خسارتها الحرب العالمية الثانية. ولأنّ ألمانيا أرادت أن تزيل آثار الإحتلال المذلّ من ذاكرة أبنائها، فكان لها وقفة عزّ تعيد إلى الشعب الإلماني كرامته وعنفوانه وروحيته، فواجهت تداعيات الإحتلال بسلاح الثقافة الذي غسل أدمغة الإلمان من صور العبودية والذل والهزيمة والإحتلال والقهر، وإعادته إلى أصالته وروحيته الثقافية الرائدة، فكانت “مدينة الكتاب” التي بعثت أنوار الحياة والحرية والمعرفة من تحت رماد الموت والعبودية والإنحطاط والهزيمة، فانتفضت حرفا وكتابا، يثبت في معناه، حكمة سعاده: المجتمع معرفة والمعرفة قوة.

أمّا في الزاوية الثانية من المثلث الثقافي وهي كانزاخ، فقد عرضت فيها ” أطول مكتبة”، في الوقت الذي كان فيه العالم يتهافت عبر وسائل التواصل الإجتماعي على “مطالعة” أطول تقرير جنسي إباحي، ويتلهى عبر تقرير “ستار”، بفستان مونيكا اليهودية التي مرّغت شرف أمريكانيا بالذلّ.. وفي الوقت الذي فيه الجماعات الغبية بأطول لسان وأطول يدّ، وأطول حساب مصرفي، وأطول سيارة، وأطول سهرة عربدة.. في هذا الزمن المأساوي كانت المانيا تفاخر بعرض “أطول مكتبة” في العالم، مرشحة أن تدرج في كتاب “غينتس” للأرقام القياسية في عالم المعرفة اللامتناهية!

افتتحت المكتبة التي تقع جنوبي برلين في 12 أيلول 1998، وهي بطول 1463 مترا، تحتوي على 85000 كتاب، تبرعت بها شخصيات إلمانية بارزة، وتحمل إهداءات موقعة من المستشار الإلماني هلموت كول، ومنافسه الإشتراكي الديممقراطي شرويدر، وتمّ بيع هذه الكتب بالمزاد العلني، وخصص ريعها إلى ضحايا الجرائم ومنظمة معارض الفنانيين وهواة شراء الكتب وغيرهم!

ويكتمل “المثلث الثقافي” في ألمانيا في مدينة فرانكفورت، غربي البلاد، حيث افتتح الإلمان أكبر معرض للكتب في العالم تحت اسم “البو خميسي” في 7 تشرين الأول 1998، وذلك بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس هذا المعرض الذي يقام سنويا، تخليدا لأقدم معرض للكتب أقيم على ساحل نهر الماين عام 1462 بعد ست سنوات على اختراع جان غوتنبرغ الطباعة بالحروف المتفرقة، المستعملة حتى يومنا هذا.

ومن المحطات البارزة في معرض فرانكفورت، رمز الوجه الثقافي للأمة الألمانية:

  • الغياب القسري لهذا المعرض مدّة أربعة قرون متواصلة (1548-1948)، إلى أن أعاد الشعب الإلماني إحياءه بعد الحرب العالمية الثانية،بهدف :”إظهار مؤشرات محسوسة للتجديد على المستوى النفسي…”، على حدّ تعبير مدير المعرض بيتر فايراس ، بعد أن فرض الحلفاء المحتلين عقوبات قاسية على إلمانيا لمنعها من النهوض مرّة جديدة، فإذا باحياء هذا المعرض منح إلمانيا مجددا صورة الأمة الثقافية، التي وهبت شعبها القوّة الروحية الواحدة التي دمّرت “جدار برلين”، وأعادت للأمة وحدتها وحيويتها ودورها العالمي المميز، وقد ساهمت فعلا في تزويد العالم بالخدمات الخاصة بصناعة الكتاب .
  • السماح لــ مارتن لوثر بعرض كتبه وبيعها، في الوقت الذي كانت فيه مختلف المناطق تندّد به وتتهمه بالإلحاد.
  • في معرضي فرانكفورت لعامي 1976و 1978 دعيت لأول مرّة دول أميركا اللاتينية للمشاركة في المعرض، حيث احتلت “موقع الشرف” فيه إذ وصل عدد مشاركيها إلى خمسة ألاف عارض.
  • بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وتفككه في العام 1989، أصبحت إلمانيا نقطة الجذب والإستقطاب لبلدان الإتحاد السوفياتي، ودول أوروبا الشرقية، ممّا زاد في أهمية معرض فرانكفورت.
  • على الصعيد التقني، يفاخر منظمو المعرض على أنّه استقبل أولى الإختراعات في مجال صناعة الكتاب، في السبعينات عرض فيه أولى الآلات الصغيرة للطبع (الأوفيست)، ثم “القرص المدمج”، فــ “ديجيتال أوبجكيت أيد نتيفر”، وهو أحدث إختراع في مجال ترميز الكتب.
  • أما أبرز ما عرض في هذا المعرض في العام 1998: الكتاب الإلكتروني الأول في العالم: “كتاب الصاروخ”.
  • يوم 10-10- 2007 كان مميزا في تاريخ المعرض، من خلال إفتتاح “أكبر معرض أدبي في العالم “، حيث ارتفعت في المدينة مجسمات عملاقة لــ “أنسكلوبيديا بروك هاوس (Brok Haus)

مع الإشارة إلى أنّ “مكتبة الإسكندرية” التي تمّ تدشينها في مطلع الألفية الثالثة تنافس أشهر مكتبات الغرب، فهي تمتدّ على رقعة من الأرض مساحتها 45000 متر مربع، وتضمّ رفوفها، كبداية، 200000 مجلّد، إضافة إلى ألاف المطبوعات الأخرى، وهي مؤهلة لاستيعاب 8 ملايين كتاب، ومجهزة بقاعة مطالعة تستوعب 2000 مقعدا، وبمختبر لترميم الوثائق وبمتحف للعلوم وغير ذلك.

لعلّ وعسى مما تقدّم أن نأخذ العبر من اهتمام العالم المتقدم بالكتاب والمكتبات والمطالعة، وأيضا من تاريخنا الثقافي القومي وثوراته الثقافية الأولى التي وضعت حجر الأساس في هذا البناء الحضاري الذي تفتخر به الشعوب المتحضرة، ونعمل بجدّية إلى بناء مدينة للكتاب والمعارض تكون قبلة للأجيال القادمة، على أساس المجتمع معرفة والمعرفة قوّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *