التعاقد والنظام الجديد – الحلقة الأولى

   جاء في مقدمةتأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة إلى القومية السورية الاجتماعية وبين المقبلين على الدعوة على أن يكون واضع أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية زعيم الحزب مدى حياته وعلى أن يكون معتنقو دعوته ومبادئه أعضاء في الحزب يدافعون عن قضيته ويؤيدون الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته الدستورية.
ويضيف الزعيم في مكان آخر : “
إنّ عضوية الحزب السوري القومي الاجتماعي خلافاً لجميع عضويات الجمعيات والأحزاب المانعة المبادئ والمناقب، هي عضوية مؤسسة، من الوجهة الحقوقية، على مبدأ التعاقد الذي لا يملك حلّه الا المنظمة ذاتها في هيئاتها القانونية، ونصّ دستور الحزب، لا يدع مجالا من هذه الوجهة“.
من البديهي طرح الأسئلة التالية :

  1. أولا التعاقد نفسه: ما هو مضمون هذا التعاقد؟ الغاية منه؟ من هم أطرافه؟ ما هي موجباته؟ ماذا يترتب عليه؟ شروطه؟ ما هو العقد أساس التعاقد؟ لماذا التعاقد وليس أي نظام آخر؟

 دستور الحزب:

وما علاقة التعاقد بالدعوة والشارع والنهضة ومعتنقو دعوته، الثلاثي الوارد في النص (دعوة وقضية ونهضة) لماذا قصد ايراد الثلاثة دون تعبير واحد؟

  •  ما هي أهمية هذا التعاقد؟ وضمن أي مجال تكمن هذه الأهمية؟ ما هي الإضافة الفكرية التي قدّمها؟ بماذا اختلف عن انواع التعاقد الموجودة؟

لذلك هذا موضوع كبير لا يتسع له بحث واحد، لكنني سأحاول ان أصوغ مقدمة تسهل معالجة الموضوعات اللاحقة. اولا سأدخل الى الموضوع من الجانب التاريخي. عند مجيء سعادة ما كان الوضع العام؟

المشهد الأول: مع مجيء سعادة،

  1. نحن أمام مشهد انحطاط كامل. انحطاط أخلاقي كامل، انحطاط النظرة والقيم والمقاييس، وحالة تردي كامل: نحن أمام غياب هوية، غياب التاريخ بين المسروق والمزور والمشوه والمجزأ، وضياع التراث وقصًا على ذلك.
  2. نحن امام حالة تخبط فكري كامل، بلبة وتشويش، نتيجة تسرب النظرة الغربية واختلاطها وضياع المفاهيم والمقاييس والنقد، وتبني كامل نظرتها الاستشراقية في النظر الى الاجتماع والسياسة.
  3. نحن أمام قصور فكري عن النظر الى القضايا الكبرى والأساسية في الاجتماع والسياسة، مفاهيم المساواة والعدالة والحرية وحقوق الانسان والتمثيل والديمقراطية، وغيرها.
  4. نحن امام شلل مؤسساتي كامل وغياب المؤسسات القومية.
  5. نحن امام انسحاق نفسي اجتماعي، اقتصادي، سيادي، فكري، تفكك وتجزئة …..
  6. أيضا نحن امام مثلث احتلال وتجزئة السياسية وتشرذم اجتماعي.
  7. وأيضا غياب النموذج الحقيقي.

هنا كان مشروع سعادة هائلا، اختصر منه بعدين:

  1. البعد الأخلاقي
    تلخص في تحرير النَّظْرَة الأخلاقية من النِّظْرة الفردية التي سلخت الفرد عن مجتمعه وأن مجموع الأفراد ليس مجتمعَا. تأسيس نسق قيمي راقٍ عبر سياق الارتقاء الأخلاقي النفسي أساسه القيم، تأسيس مرجعية الأمة كمصلحة عليا، إعادة صياغة للمفهوم الأخلاقي أساسه القيم السورية التاريخية الأصيلة. على أساس دور الفضائل والواجب وموقع الفرد في هذه السيرورة وأخلاق الجماعة وفضائلها الاجتماعية الناظمة لدينامية الجماعة، وهي التعاون والتناغم والتكافل والتضامن. إن تضحية الفرد في سبيل مصلحة الحماة هي في أعلى درجاتها. وتثبيت الخير العام كقيمة واتجاه. تأسيس المرجعية القياسية الأخلاقية النَّظْرَة في القياس والنظر التقييم والموقف، وإعادة قراءة القيم قراءة جديدة وتحريرها من السردية الدينية المتحجرة التي عطلتها، وأطلقتها وألغت خصوصيتها، وإعادة قراءتها على أساس المصالح، وحسم موقعها في السياق الإنساني الثقافي التاريخي، وأيضا مصدرها وغايتها ونسبتها وغايتها. وتأسيس النموذج الأخلاقي التاريخي الجديد.
  2. استكمال العملية النقدية للأسس الفكرية والمفاهيم المؤسسة وللتجربة لكل النظرة المحيطة من هنا نقد النظرة والتجربة للأنظمة التمثيلية والديمقراطية. ما هو حق وخير وجميل هو ما نشترك نحن في رؤيته.
  3. إعادة تأسيس وابتكار الشكل والنظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي اللازم المترافق مع حياة الأمة وحركتها واتجاهها في هذه الحياة فالأشكال هي هندسة هذا العقل تحمل درجة تطوره وتحقق أغراضه وتبر من هنا الدور السوري الذي حمله سعادة لهذه الذات في ابتكار الحلول اللازمة للبشرية وإخراجها من مأزقها. إن حالات الشلل التي أصابت الأشكال الحالية والمجتمعات، هي رهن بتقدم الذات السورية واحداث التحول. لعل إحدى الأمثلة هو مفهوم المساواة الذي تتخبط به الأنظمة الليبرالية الديمقراطية، الذي شاخ وحان وقت إيجاد اشكال جديدة بعد تطوير هذه المفاهيم العتيقة وإيجاد الأشكال المناسبة. إن ابتكار أنظمة لإدارة شؤون حياة الأمة على قواعد العدالة والإنصاف ابتكارًا لا تقليدا. والابتكار من ميزات النفس السورية. وتأسيس النموذج. أما السلطة ومؤسساتها ودورها وتشريعاتها في سياق العقل السوري الأخلاقي العملي نفسه. إذاّ، إن روح الابتكار هي من خصائص الروح السورية التاريخية ومزاياها.

من هنا كانت نظرة سعادة أولا استعادة النظرة السورية الاصيلة التاريخية وتحريرها من كل ما علق بها، مما هو ليس من طبيعتها ودخيل على هويتها وطبيعتها. وهذا ما نسميه الاستقلال الفكري النفسي الروحي الأصيل.

  • تأسيس المؤسسات الجديدة التي تحمل كل المضامين النقدية والفلسفية والأخلاقية على الأسس المذكورة.
  • ايجاد الانسان الجديد المؤهل لحمل هذا الفرك النقدي والتعامل معه وحمل اعباء هذه النهضة.

اذاّ، نحن أمام مشروع كبير جدا (استعادة، تحرير، تأسيس، تجديد ، صياغة جديدة .)
السؤال كيف يمكن ان نحلل التعاقد على هذه المقاييس؟ ما هو الأصيل ما هو الدخيل؟ ما القيمة المضافة؟ ما الذي أضافه سعادة؟  هذا مشروع فكري كبير ملقى على عاتقنا جميعا كتلامذة تم فتح الباب الفكري، لكننا علقنا في الانبهار والترداد وقدسية النص. انتهى المشهد الأول.

اكتفي بهاتين النقطتين لعلاقتهما بموضوع التعاقد، ولكن مشروع سعادة الفكري أوسع كثيرا من هذا. إذاً في هذا السياق التاريخي نضع موضوع التعاقد.
   نبدأ  بالمشهد الثاني  :
   أنطون سعادة ، استعاد الذات السورية وهويتها وطبيعتها وتاريخها وحررها من ما لحق بها و ووضع اسس نهضتها وأوجد أسس المشروع الفكري. بقي المشروع العملي.
وعليه ما العمل؟
  نحن امام الحاجة لبناء هذه الامة، للاضطلاع بمهمة كبيرة خطيرة تحتاج مواصفات فوق العادة. النهوض بهذه الأمة من الدرك الذي هي فيه. أطلق سعادة الدعوة، للمؤهلين المهيئين الجاهزين للتضحية، هو صاحب الدعوة وهم مقبلون على الدعوة. هذا هو سياق التعاقد المنهجي وهذا عمقه.

هنا ابتكر سعادة نظاما جديدا، شبيهًا بما سماه الأمين احمد اصفهاني التعاقد الرسولي.  وسماه د سليم مجاعص تعاقد التأسيس. هذا الواقع وهذه المعطيات هي التي فرضت هذا الشكل  وبغاية محددة هي النهوض.
ويصوغ الرفيق المحامي زهير قتيلان العقد على الشكل التالي

  • “أما العقد القومي الاجتماعي، فهو عهدٌ وليس اتفاقًاعهد بين طرفين تعاهدا على تحقيق أمر خطير يساوي وجودهما، لا حِيَدَةَ عن دربه. درب يمتد مع التاريخ، يسير معه ويخط على صفحاته بالعرق تارةً وبالصبر على الألم حينًا، وبالأحمر القاني أحيانًا، نضال المؤمنين بالأمة لإعادتها إلى مكانتها تحت الشمس. مَوثِقُهُ: شرفٌ وحقيقة ومعتقد.  يقول مؤسس الحزب: إننا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، تعاهدنا على تحقيق أمر خطير يساوي وجودنا. وإننا عن هذا الأمر لن نحيد ولو تراكمت جثثنا على طريق الحياة كي تطأها الأجيال القادمة سلمًا نحو المجد.” ويقول في خطابـه المنهجـي الأول الـذي ألقـاه فـي العـام 1935: “نحن في الحزب لأننا في قضية تجمعنا، من أجلها نقف معا ونسقط معًـا

ويقول سعاده:” إنّ الزعيم قد وضع رسالته أمانة في قلوب القوميين الاجتماعيين وعقولهم، وهي الرسالة التي عبّر بها ليس عن نظرته الشخصية الفردية إلى العالم وشؤونه بل عن نظرة الأمة السورية إلى الحياة والكون والفن، ولذلك أصبحت هذه عقيدة القوميين الاجتماعيين وإيمانهم لأنّهم وجدوا فيها التعبير عن نفسية أمتهم وخططها في التاريخ. والزعيم نفسه قد عبّر عن إيمانه العظيم بأمته و أنّه ليس إلا معبّرا عن شخصيتها العظيمة ومواهبها السامية بقوله في ختام كتابه الأخير الصراع الفكري في الأدب السوري: إنّ ما دفعني إلى إعطاء هذا التوجيه هو محبة الحقيقة الأساسية التي وصل إليها تفكيري ودرسي وأوصلني إليها فهمي، الذي أنا مديون به كلّه لأمتي وحقيقتها النفسية.”
إذا في هذا التعاقد ثلاث عناصر: الشار
ع، المقبلون، الدعوة او العقد.

ويسمّي الامين حماتي الغاية المثلثة التي كان الحزب لأجلها: هي: بعث نهضة وإطلاق حركة وإقامة نظام جديد.

ويرتبط سعادة بقسم الزعامة: “أنا أنطون سعادة أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنّي أقف نفسي على أمتي السورية ووطني سورية، عاملاً لحياتهما ورقيهما، وعلى أن أكون أمينًا للمبادئ التي وضعتها وأصبحت تكون قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولغاية الحزب وأهدافه، وأن أتولى زعامة الحزب السوري القومي الاجتماعي وأستعمل سلطة الزعامة وقوتها وصلاحياتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيته، وألا أستعمل سلطة الزعامة إلاّ من أجل القضية القومية الاجتماعية ومصلحة الأمة على كل هذا أقسم أنا أنطون سعادة“.

التزامات صاحب الدعوة: حددها قسم الزعامة وفيه ألزم نفسه بأن:

  • يقف نفسه على أمته السورية ووطنه سورية
    • أن يعمل لحياتهما ورقيهما
    • أن يكون أمينًا للمبادئ التي وضعها ولغاية الحزب الذي أسسه
    • أن يستعمل سلطة الزعامة وقوتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيته
    • ألا يستعمل سلطة الزعامة إلاّ من أجل القضية القومية الاجتماعية ومصلحة الأمة بهذا ألزم نفسه ووثقه بما أقسم به عليه

الطرف الثاني فهو المقبل على الدعوة

  • كل سوري، ذكراً كان أم أنثى، يحقّ له دخول الحزب السوري القومي على أن تتوفر فيه الشروط الآتية:
  • أ ـ أن يكون قد بلغ الثامنة عشرة من عمره.
  • ب ـ ألا يكون قد تجاوز الأربعين من عمره.
  • ج ـ ألا يكون مجرماً ضد المجتمع أو ضد الأمة.
  • د ـ أن يدين بالقومية السورية ويعتنق مبادئ الحزب السوري القومي ونظامه