الصناعة ومعاملها في الكيان الصهيوني الى انهيار غير مسبوق

الصناعة ومعاملها في الكيان الصهيوني الى انهيار غير مسبوق

تتفاقم الخسائر الاقتصادية في الكيان الصهيوني جراء استمرار العدوان على قطاع غزة وعلى الأراضي المحتلة في الشمال على الحدود مع لبنان، لا سيما في ظل استهداف المقاومة قطاعات هامة للاقتصاد “الإسرائيلي” بحيث يطالعنا إعلام العدو بشكل مستمر على تقارير تظهر حجم الخسائر الهائلة في كيان يعتمد بشكل كبير على الصناعة وعلى استقطاب كبرى الشركات العالمية للاستثمار فيه.

قطاعان لا يستهان بهما في تحريك اقتصاد العدو، يواجهان تحديات غير مسبوقة. فالمصانع الرئيسية لا سيما في شمال الكيان باتت تنتقل بشكل متزايد إلى أماكن أخرى يعتقد العدو أنها أكثر أماناً، علماً أن اليد العاملة في هذه المصانع تقلصت إلى النصف. فالعمال يواجهون معضلة صعبة بين المخاطرة بحياتهم من خلال القدوم إلى أماكن خطرة أو المخاطرة بسبل عيشهم. وبالإضافة إلى النقص المستمر في العمالة، فإن عمليات إطلاق الصواريخ المتكررة من لبنان تعطل بانتظام خطوط الإنتاج في المصانع التي لا يزال بعضها يعمل تحت النيران.

يكفي فقط أن نذكر أن شركة “إنتل” لصناعة الرقائق قررت وقف عملية توسعة بقيمة 25 مليار دولار لمصنعها في الكيان الصهيوني لنعرف مدى جسامة الخسائر على هذا الكيان. وكانت حكومة العدو قد وافقت في كانون الأول الماضي على منح “إنتل” 3.2 مليار دولار لبناء مصنع رقائق بتكلفة 25 مليار دولار في جنوب “إسرائيل”. الجدير ذكره أن هذه الشركة تدير أربعة مواقع للتطوير والإنتاج في كيان العدو تشمل مصنعها “فاب28” للصناعات التحويلية في كريات جات، وتوظف ما يقرب من 12 ألف شخص في “إسرائيل”.

ويعتبر قطاع الصناعة في الكيان الصهيوني أحد القطاعات الرئيسية في اقتصاد “إسرائيل”، وهو فرع التصدير الأهم في الدولة. نشير إلى أن عدد المصانع في هذا الكيان يبلغ 12500 مصنع، يعمل فيها حوالي 400000 عامل. وتنقسم هذه المصانع إلى نوعين: صناعات تقليدية وتشمل صناعة المواد الغذائية، الملابس، الورق، الأثاث، ومنتجات المعادن. وتستخدم في معظم هذه المصانع تكنولوجيا متطورة وطرق إنتاج حديثة ويستثمر رأسمال كبير في الأبحاث وفي تطوير المنتجات وتحسينها. ويعمل فيها بالإضافة إلى العمال العاديين، مهندسون وفنيون وخبراء حواسيب وما شابه. أما النوع الثاني من المصانع فهو ما يسمى “الصناعة الغنية بالمعرفة” أي بالخبرة العلمية أو صناعة الهايتك أو الصناعات الرفيعة. في هذه الصناعة يتم إنتاج برمجيات وأجهزة طبية متطورة، ورقاقات للحواسيب، وأجهزة إلكترونية وغيرها. معظم العاملين في صناعات الهايتك هم ذوو ثقافة عالية، وقسم كبير منهم يعمل في الأبحاث والتطوير. بين هذين النوعين من الصناعات تقوم ما يعرف ب “الصناعة المختلطة”، أي مصانع صناعة السيارات ومصانع إنتاج منتجات من المطاط والبلاستيك.

ولأن ضربات المقاومة مركزة وتستهدف القطاعات التي تضر بالاقتصاد الصهيوني، استهدفت مصنع ‌‏”بلاسان” للصناعات العسكرية المتخصصة في تدريع وحماية الآليات والمركبات لصالح جيش العدو في ‏مستوطنة “سعسع” بالصواريخ الموجهة وأصابته إصابة مباشرة. وقد اعترف العدو باستهداف مصانع أمنية مهمة في شمال الكيان، مثل معهد “ديفيد” في “هكريوت”، والمنشآت التي تنتج الأسلحة في جميع أنحاء الجليل. وأكدت إحدى صحف العدو أن إنتاج وتطوير الصواريخ بجميع أنواعها لسلاح الجو والقوات البرية، والقنابل الذكية، والطائرات المسيّرة التجسسية والهجومية، وأنظمة الدفاع النشطة، تنتشر في جميع أنحاء الشمال.

                                                الشركات المتوقفة

“وشهد شاهد من أهله” كما يقول المثل. فقد كشفت صحيفة “معاريف” العبرية أن 46 ألف شركة “إسرائيلية” أغلقت أبوابها منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول الماضي، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 60 ألف شركة بحلول نهاية عام 2024 وذلك وفقاً لشركة المعلومات التجارية Coface Bdi، التي توفر معلومات تجارية لإدارة مخاطر الائتمان منذ 35 عاماً، وتعمل على تحليل وتصنيف جميع الشركات والمؤسسات في الاقتصاد الإسرائيلي، مع الإشارة إلى أن هذا الرقم يشمل العديد من القطاعات.

وفي تحليلها لهذه المعطيات فإن حوالي 77 بالمئة من الشركات التي تم إغلاقها منذ بداية الحرب، والتي تشكل حوالي 35 ألف شركة، هي شركات صغيرة وهي الأكثر ضعفاً في اقتصاد العدو، وتنتمي إلى قطاعات صناعة البناء والتشييد، والصناعات الأخرى التي تدور في فلكها مثل السيراميك وتكييف الهواء والألمنيوم ومواد البناء، وقد تعرضت لأضرار جسيمة.

أيضاً ضمن القطاعات التي تضررت بشدة خلال الحرب يقع قطاع التجارة والذي يشمل صناعة الأزياء والأحذية والأثاث والأدوات المنزلية وقطاع الخدمات ومن ضمنه المقاهي وخدمات الترفيه والتسلية والنقل، وكذلك صناعة السياحة التي تعيش وضعاً تكاد تنعدم فيه السياحة الأجنبية، خصوصاً مع تراجع المناطق السياحية التي أصبحت مناطق قتال، وبالطبع أيضاً قطاع الزراعة الذي يقع معظمه في مناطق القتال في الجنوب والشمال، ويعاني من نقص في الأيدي العاملة.

وحسب المعطيات، وبحسب النسب المئوية، فإن قطاع البناء والتشييد تضرر بنحو 27 بالمئة، وقطاع الخدمات بنحو 19 بالمئة، فيما تضرر قطاع الصناعة والزراعة بحوالي 17 بالمئة، وقطاع التجارة بنحو 12 بالمئة. وتضررت صناعة التكنولوجيا الفائقة (هايتك) والتقنيات المتقدمة (والتي تعد من الصناعات الأولى في الكيان الصهيوني) بنحو 11 بالمئة، وصناعة الأغذية والمشروبات بنحو 6 بالمئة. 

وحسب شركة المعلومات التجارية  Coface Bdi، فإن الشركات عندما تغلق أبوابها، لا تكون لديها القدرة على سداد الديون، أضف إلى ذلك الضرر الذي يلحق بالعملاء والموردين والشركات التي تشكل جزءاً من منظومة عملها.

ومن التحديات الكبرى والصعبة التي تواجه الشركات “الإسرائيلية” هي نقص العمالة، وتراجع المبيعات، وأسعار الفائدة المرتفعة وارتفاع تكاليف التمويل، ومشاكل النقل والخدمات اللوجستية، ونقص المواد الخام، وعدم إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية في مناطق القتال.

أمام كل هذه المعطيات، فإن الحرب الدائرة في الكيان الصهيوني ليست عسكرية فحسب، بل اقتصادية بامتياز تساهم في انهيارات على كافة الصعد. ويمكن القول إن “طوفان الأقصى” طاف على كل مناحي الحياة في “إسرائيل”. لعل هذا الكيان يستمر في الغرق حتى النفس الأخير.