دراسة حول دستور الحزب القومي – الجزء الرابع

الفقرة الرابعة: المساوئ الناجمة عن تطبيق نظرية فصل السلطات في الحزب أولا: النزاع بين السلطة التشريعية والتنفيذية

ولدت نظرية فصل السلطات في بريطانيا نتيجة الصراع بين الملك والشعب وبنتيجة الثورات الشعبية فرض الشعب على الملك هيئة سميت “برلنت” او البرلمان وكانت اولى انجازات هذا البرلمان انه اصدر قانوناً بان « المتهم بريء حتى يدان » مما حد وخفف من سلطة الملك في ظلم العباد ثم أصدروا بعد فترة قانوناً ثانياً بان لا توضع ضرائب على الشعب الا بموافقة ممثليه ومع الزمن وبنتيجة ثورات الشعب البريطاني المتتالية ،اصبح هذا البرلمان يمارس السلطة التشريعية وبات الملك يمارس السلطة التنفيذية وعندما انتصرت الثورة الفرنسية اخذت بمبدأ فصل السلطات المطبق في بريطانيا ومن بعدها انتقل الى دول العالم.
ان البرلمان وجد لكي يمثل حرية الشعب في وجه سلطة الملك او رئيس الجمهورية، وذلك في الجمهوريات التي اعتنقت هذا النظام اي الحرية في مواجهة السلطة، وان الديمقراطية في الفكر الليبرالي الغربي هي المؤالفة والمواءمة بين حرية الشعب والسلطة. في الحزب السوري القومي الاجتماعي وفي التنظيمات التي تعتمد المركزية الديمقراطية، ان حرية الاعضاء ليست في مواجهة سلطة القيادة، بل الاعضاء والقيادة في التنظيم يعملون ويناضلون معاً وفي اتجاه واحد لتحقيق أهداف التنظيم ومبادئه، لهذا فالحرية والسلطة يتكاملان معاً. وان تبني نظام فصل السلطات سيضعهما في مواجهة بعضهما.

ثـانيـا: توازن السلطـات

يوجد توازن في نظام فصل السلطات، البرلمان يشرع القوانين والسلطة التنفيذية تنفذها، والمحاكم تطبق القوانين وتصدر الأحكام ولكل سلطة من هذه السلطات حدود تقف عندها فلا تتعدى اي سلطة على الاخرى. وكل سلطة مستقلة عن الاخرى.
ان دستور الحزب الذي وضعه سعادة مغاير تماما فقد نصّت المادة الخامسة من المرسوم الدستوري عدد واحد المتعلق بمؤسسة العمد ومجلسهم ان «صلاحية مجلس العمد تقرير التوافق الشكلي والنهج المشترك لتنفيذ سياسة الزعيم …»
اي ان مجلس العمد ليس سلطة تنفيذية مستقلة كما هو الحال في نظام فصل السلطات بل هو سلطة تنفيذ قرارات المراجع العليا في الحزب وهذا ما أكدّه الزعيم بقوله « بحيث لا يكون لاي عمدة من العمدات حرص مستقل على مصلحة الامة غير مندمج في حرص المرجع الاخير للمنظمة مهما كان شكل هذا المرجع الزعيم والمجلس الاعلى او المبادئ والتعاليم والدستور » سعادة )شروح في العقيدة ص 66 و 61( في النظام المركزي الديمقراطي الذي اخذ به سعادة في دستور الحزب يأخذ المرجع الاعلى سواء اكان الزعيم ام المجلس الاعلى القرار بكل ما يتعلق بشؤون ادارة الحزب سواء تشريعية ام تنفيذية ويلتزم مجلس العمد بتنفيذ هذا القرار وفي سياق عمله يمكن لمجلس العمد ان يتخذ قرارات ويحق للمرجع الاعلى سواء أكان الزعيم ام المجلس الاعلى تعديل او إبطال هذا القرار. وهذا يتوافق مع ما ورد في دستور وتعاليم سعادة.
بعد استشهاد سعادة كان من المفترض ان يصبح مجلس المندوبين هو المرجع الاعلى ويحق له في هذه الحالة عند انعقاده، ابطال او تعديل اي قرار تتخذه المراجع الدنيا سواء اكان المجلس الاعلى ام

مجلس العمد، ولكن بعد ان اخذ الحزب بنظرية فصل السلطات لم يعد يوجد مرجع أعلى ومرجع أدنى بل أصبحنا أمام مراجع او سلطات متوازنة ومتوازية فبدأت الخلافات والنزاعات والمماحكات حول من يتخذ القرارات في الحزب وهل هذا القرار هو من اختصاص السلطة التشريعية ام التنفيذية ام القضائية وما حدود صلاحية كل سلطة؟ وغالباً ما تنتهي الامور الى احتدام الصراع وأحياناً الى الانشقاق.

ثـالثـاً: المعارضة
يتفق جميع الفقهاء الدستوريين ان نظام فصل السلطات بأشكاله المختلفة الرئاسي والبرلماني والمجلسي ينتج بطبيعته وبمجرد تطبيقه المعارضة ويعتبرون انها سمة ايجابية وميزة أساسية في نظام فصل السلطات وأنها هي التي تعطي لهذا النظام طابعه الديمقراطي ولولا هذه المعارضة لما اتسم نظام فصل السلطات بصفة الديمقراطية.
ان نظرية فصل السلطات التي بدأ تطبيقها في الدول الليبرالية الغربية وانتشرت في العالم مبنية على أسس فلسفية ترتكز على الفرد ودور الفرد وحرية الفرد في كل ميادين الحياة خلافاً للعقيدة القومية الاجتماعية،
 ان نظام فصل السلطات يتمحور حول الفرد رئيس الجمهورية، وان انتخاب رئيس الجمهورية وتعيين الوزراء او اقتراح تعيينهم من قبله على البرلمان هو السبب الاساسي في تكوّن وولادة المعارضة. ذلك ان من ليسوا معه ولا يوافقونه الرأي يتحولون الى معارضة او معارضات في مواجهته ومواجهة من يوالونه. وان المعارضة في هذه الدول تستقل عن السلطة الحاكمة وهي لها احزابها واجهزتها وادواتها وتلفزيوناتها… الخ وهي تراقب السلطة الحاكمة وتناضل لتغييرها والحلول مكانها.
ان هذا النظام الفردي ينتج في هذه الدول عهود اً لكل رئيس عهده وجماعته ونهجه السياسي. وان كل نائب يترشّح على اسم من سيكون رئيس الجمهورية فاذا نجح مثلاً هذا النائب ودخل البرلمان معناها نجح فلان الى رئاسة الجمهورية والعكس صحيح.
ان هذا النظام الفردي يؤدّي الى تشكل لوائح تتمحور حول المرشح الى رئاسة الدولة كما يؤدي الى انتخابات نيابية حادة بين المرشحين واتباعهم، فالفريق الرابح يستلم السلطة والفريق الخاسر يصبح خارجها هذا بعض ما ينتجه تطبيق نظام فصل السلطات في الدول التي اعتمدت هذا النظام.
تسرب هذا النظام الى الحزب السوري القومي الاجتماعي ومن الطبيعي ان سمات وميزات هذا النظام ان تتولد في الحزب، ولكن اذا كانت سمات وميزات نظام فصل السلطات ادت الى نتائج ايجابية ومفيدة في الدول الليبرالية فهي على العكس ادت الى نتائج سيئة للغاية وسلبية في الحزب، وهي حتماً ستكون سيئة على اي تنظيم يطبقها ولهذا فان الغالبية الساحقة من الاحزاب والتنظيمات في العالم لا تطبق نظرية فصل السلطات.

لقد شهد الحزب منذ استشهاد سعادة ولغاية تاريخه بنتيجة اخذه بنظام فصل السلطات انقسام دائم بين الموالين والمعارضين للسلطة. وهذه المعارضة تمتد من أعلى السلطة في الحزب وصولاً الى القاعدة، وخلافاً لما يحصل في الدول فهذه المعارضة لا تستقل عن الحزب، بل تبقى داخل الحزب فتدور الصراعات والمماحكات في مختلف الوحدات الحزبية وتتغذى الاحقاد بين اعضاء الحزب الواحد. وهكذا يتراجع الحزب عن القيام بدوره الطبيعي في المجتمع الى التلهي في حلحلة مشاكله الداخلية مما يفاقم في أزمته لا بل ازماته.
عندما تستحق الانتخابات الرئاسية في الحزب مثلما يحصل في نظام فصل السلطات تتشكل اللوائح الانتخابية المتمحورة حول شخص الرئيس وتخاض الانتخابات ،اثر صدور النتائج الانتخابية في الحزب ينقسم المحازبون الى موالين للرئيس والى معارضين خاسرين ونصبح امام عهد رئاسي جديد ولكل رئيس عهده وجماعاته ومصالحة وسياساته… الخ ويدخل الحزب مجدداً في دوامة الصراعات فكل فريق يستقوي بما يتمكن من ادوات واجهزة وامكانيات واحياناً بالسلاح وبقوى داخلية وخارجية وصولاً في احيان كثيرة الى الانشقاق ولن استطرد كثيراً في عرض هذه المآسي لعدم الفائدة من عرضها.

رابعا : صلاحيات ومهام المجلس الأعلى ورئيس الحزب في نظام المركزية الديمقراطية وفي نظام فصل السلطات
أ. لجهة المجلس الأعلى

في نظام فصل السلطات المطبقّ حالياً تقتصر مهام المجلس الأعلى وصلاحياته على التشريع ودور الرقابة على السلطة التنفيذية. وبما ان عملية التشريع تقتصرعلى التشريعات الحزبية فقط، فان المجلس الأعلى شرّع منذ حوالي سبعين سنة ولغاية تاريخه ما لا يزيد عن عشرة قوانين دستورية فقط. وهكذا فإن الحزب ينتخب خيرة قياداته ليشكلوا المجلس الاعلى في الحزب وتدور معارك انتخابية حادة دون ان يكون لهذه القيادات مهام تشريعية فعلية. اما لجهة الرقابة على السلطة التنفيذية.
فليس للمجلس الأعلى، كما هو الحال في الدول الغربية اجهزة وادارة رقابة لها شرعيتها، بل تقتصر معلوماته على ما يخبره ويعلمه به رئيس الحزب خلال اجتماعات المجلس الاعلى، فيضطر أعضاء المجلس الى الحصول على المعلومات بأساليبهم الخاصة، مما يعيق التوصل الى الحلول السليمة لمعالجة المشاكل الحزبية، ونظراً لعدم وجود مهام وصلاحيات فعلية لدى المجلس الاعلى فيتم التقليل من أعضائه بحيث تراوح عدد أعضاء المجلس طيلة تاريخ الحزب بين احدى عشر والسبعة عشر عضواً.

يختلف دور المجلس الاعلى عند تطبيق الديمقراطية المركزية اختلافاً جذرياً عن دوره في نظام فصل السلطات، فالمجلس الاعلى هو القيادة العليا للحزب، وكافة قراراته ملزمة في الشؤون التشريعية والتنفيذية والعسكرية… الخ. ويتم انتخاب مجلس العمد من بين أعضائه.
ان انتخاب العمد هو من الاسباب الاساسية لكيلا ينقص عدد أعضاء المجلس الاعلى عن ستة وثلاثين عضواً ثلثهم يعينون في مجلس العمد والباقي يمارسون اعمالاً قيادية في الحزب. فالمكتب السياسي يجب ان يكون منتخباً من المجلس الاعلى ومن بين اعضائه، وليس معينّاً من قبل الرئيس الفرد. كما يتم انتخاب لجان ومكاتب اخرى من أعضاء المجلس الاعلى وفقاً لمصالح الحزب تختص في الامور الدفاعية والتدريبية والقضائية والمسلكية والإدارية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والتربوية … الخ وهذه اللجان يشرف عليها ويساهم في تسهيل عملها كل عميد ضمن اختصاصه وذلك في الفترة الممتدة بين اجتماعين للمجلس الاعلى.

 في النظام الحزبي المركزي الديمقراطي لا يوجد اي مانع ولا شيء يحول دون زيادة أعضاء المجلس الاعلى، ومع نمو الحزب وتصاعد دوره في المجتمع من الممكن ان يزاد عدد اعضاء المجلس الاعلى مما يحول دون حصول معارك انتخابية حادة ويدخل دم جديد الى المجلس الاعلى، دون ان يؤدي ذلك الى خسارة قيادات تمرست في المجلس الاعلى، ولا يوجد اي مانع من وصول عدد أعضاء المجلس الاعلى الى سبعين او مئة عضو، ولا شيء يحول دون الاستفادة من طاقاتهم وتعيينهم في مختلف المسؤوليات الحزبية من وكلاء عمد ومنفذين عامين او في المكاتب واللجان التي ينشئها المجلس الأعلى، ومن المفارقات ان انتخابات المجلس الأعلى تتم على أساس النظام الانتخابي الاكثري فتخاض الانتخابات على أساس لوائح وينجح من معه أكثرية الاصوات وفي المقابل يطالب الحزب بأن تجري الانتخابات النيابية في لبنان على أساس النظام الانتخابي النسبي.

ب. لجهة رئاسة الحزب

ينتخب رئيس الحزب عند تطبيق النظام المركزي الديمقراطي من قبل مجلس المندوبين في اقتراع سري، ويترأس رئيس الحزب اجتماعات المجلس الاعلى ومجلس العمد كما كان الحال خلال سفر الزعيم حيث كان الامين نعمة تابت هو رئيس الحزب ورئيس المجلس الاعلى وخلافاً لما هو الحال في نظام فصل السلطات المطبق حالياً، فان عدم اختيار الرئيس للعمد والمسؤولين في الحزب يحول دون تشكل المعارضة، التي نشهدها في نظام فصل السلطات، ويبعد الرئيس عن المماحكات والصراعات الداخلية ويجعله الرمز الذي يمثل كافة السلطات وتلتف حوله كافة الاطراف ويحاسب على أعماله في الانتخابات الحزبية التي تجري عادة كل ثلاثة او اربعة سنوات.

الفقرة الخامسة: القراءة الصحيحة للمواد 11-12-13 من دستور الحزب على خلفية نظرية المركزية الديمقراطية.

نصّت المادة الثانية عشر «يكون للرئيس المنتخب السلطة التنفيذية فقط وتحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الاعلى»
ان بعض التنظيمات التي تعتمد المركزية الديمقراطية عند عدم اجتماع السلطة العليا )المؤتمر( تحول وتفوّض كامل الصلاحيات الى المرجع الثاني اي القيادة العليا )المجلس الاعلى في الحزب( وعند عدم اجتماع القيادة العليا تحول كامل الصلاحيات الى القيادة اليومية )مجلس العمد( وعند عدم اجتماع القيادة اليومية تحول الصلاحيات الى الرئيس او امين عام الحزب، وهكذا بين الاجتماع والاجتماع تصبح كامل الصلاحيات بيد رئيس الحزب او امين عام الحزب فيتحول الى ديكتاتور وحاكم فردي مطلق وهذا ما جرى في العديد من الاحزاب والتنظيمات وادى الى سيطرة فرد او عدة افراد على التنظيم والتحكم بمصيره.

ان المادة الثانية عشرة من دستور الحزب عند قراءتها على ضوء الفهم المركزي الديمقراطي ،يتضّح انه لم تفوّض الصلاحيات من المجلس الاعلى الى السلطة التنفيذية بل حصرت في المجلس الاعلى كافة الصلاحيات من دستورية وغير دستورية ،مما يخفف من تمركز السلطات في يد فرد او افراد ويعزز الديمقراطية على حساب المركزية في نظام الحزب كما ان عبارة «ان يكون لرئيس الحزب السلطة التنفيذية فقط» لا يعني مطلقاً ان السلطة التنفيذية تتمركز في رئيس السلطة وهو الذي يعين معاونيه وكافة المسؤولين في الادارة فكلمة « سلطة تنفيذية » في دستورسعادة تعني القوة المعطاة لرئيس الحزب لتنفيذ القرارات الحزبية وتختلف عن كلمة السلطة التنفيذية الواردة في دساتير الفكر الليبرالي الغربي. ما يؤكّد ذلك ان المرسوم عدد واحد نص في المادة الاولى منه على ممارسة العمد «السلطة التنفيذية» وهكذا مثلما “يكون للرئيس السلطة التنفيذية” يكون للعمد “ممارسة السلطة التنفيذية” دون ان يعني ذلك ان الرئيس او العمد لهم اي دور في تعيين أعضاء مجلس العمد كما لا يعني ان السلطة التنفيذية هي مستقلةّ.

 ان المادة الخامسة والمادة السادسة من المرسوم عدد واحد تؤكدان ان السلطة التنفيذية في الحزب ليست سلطة مستقلة فصلاحية مجلس العمد ليس تنفيذ القرارات باستقلالية بل تقتصر على « تقرير التوافق الشكلي والنهج المشترك لتنفيذ سياسة الزعيم » وعلى « ابداء الرأي في المسائل التنفيذية التي يطلب منه الزعيم درسها » وهكذا يتبدى ان ممارسة السلطة التنفيذية من قبل مجلس العمد تعني تنفيذ قرارات المرجع الاعلى سواء اكان الزعيم ام المجلس الاعلى ام مجلس المندوبين، وما يؤكّد ان مجلس العمد ليس سلطة مستقلة وان المجلس الاعلى بعد سعادة هو صاحب الصلاحية في تعيين العمد ما ورد في رسالة للزعيم الى غسان تويني العام 2316 « فكون مجلس العمد مؤسسة صادرة عن سلطة تشريعية عامة لتحقيق أغراض تعاليم معينة فمرجعه هذه السلطة وهذه الاغراض والتعاليم المقيد بها والمسؤول تجاهها في كل ما يخطط ينهج ويجب عليه ان لا يتعدى هذه الحدود الا اذا اراد تعريض النظام الدستوري كله للانهيار ) سعادة الآثار الكاملة الجزء 29 ص 911( واضح من هذا النص ان مجلس العمد صادرعن المجلس الاعلى وليس عن رئيس الحزب ومرجعه المجلس الاعلى وهو مقيد به ومسؤول تجاهه في كل ما يخطط وينهج وعليه ان لا يتخطى حدوده. نص صريح يناقض دور السلطة التنفيذية المستقلّ المحدّد في نظام فصل السلطات.
. . . يتبع . . .