سعاده والفنون الجميلة – الجزء الثالث

سعاده والفنون الجميلة – الجزء الثالث

رابـــعـــا: الرقص والمراقص
خصّ سعاده، أثناء وجوده في أمريكانية، الرقص والمراقص بمقالة نشرت في جريدة “المجلة” عام 1924، تحدث فيها عن عيوب الرقص والمراقص في المدن الكبرى، خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكانية، تناول فيها العناوين الرئيسية الآتية: المراقص العمومية، المراقص المقفلة، والكباريهات، وختمها بتعليل تلك الحالة السيئة، ممهدا بالسؤال: هل الرقص مسبب للفساد، أم أن الفساد الأخلاقي في الهيئة الاجتماعية مسبب للرقص. وفي تلك الحالتين، يجزم سعاده بأنّ الرقص الحالي وباء اجتماعي ويدعو إلى محاربته، لأنّ آلام الهيئة الاجتماعية قد بلغت حدّا هائلا من جرائه، وقد آن الأوان لضرب مفاسد هذه المدنية ضربة قاضية.

نحن من الذين يعتقدون أنّ الرقص الحالي وباء اجتماعي ويقولون بمحاربته بكل شدة، غير خائفين أن يقال عنا بين الراقص والراقصات إننا من أبناء الجيل العتيق الذين ربوا على «التقاليد» القديمة. ونحن فوق ذلك من الذين يعتقدون بضرورة التقاليد والثبات على ما كان مفيداً منها، أما الخروج على التقاليد فلا معنى له إذا لم يكن هنالك تقاليد أخرى يؤخذ بها. وكل شيء جديد يصبح تقليداً، والتقليد الجديد إذا لم يكن أفضل من التقليد القديم كان من الحماقة أن يؤخذ به. والرقص واحد من التقاليد الجديدة التي هي أسوأ من كل قديم سيء. فالعالم اليوم في حاجة إلى من يوقف هذا الجيل ا لمجنون عند حد، بل إلى من يردُّه إلى الحدود القديمة والتقاليد الجميلة السالفة.
نحن لا ننزّه القديم عن الأغلاط والعيوب، ولكننا نعتقد أنّ هذا الجديد الذي بلغ هذا الحد من الفحش أقبح من كل قبيح قديم. فآلام الهيئة الاجتماعية قد بلغت حداً هائلاً من جرّائه، ولقد آن أوان ضرب مفاسد هذه المدنية ضربة قاضية يتنفس بعدها العالم الصعداء (14).
الدبكة والرقص المنفرد
إنّ موقف سعاده الرافض كليّا، في مقالته السابقة، للمراقص والرقص الذي اعتبره وباء يجب القضاء عليه، لمفاسده ونتائجه المدمّرة للهيئة الاجتماعية، يختلف عن موقفه من رقصة الدّبكة، والرقص الفرديّ، وقد تطرق لهذا الموضوع في قصة “سيدة صيدنايا”، اللافت أنّ سعاده بإشارته المقتضبة لحلقة الدبكة، إنّما أراد أنّ يشير إلى الاختلاف الجذري بين الرقص الجماعي المختلط في المراقص المغلقة والكباريهات، وبين الرقص في الأماكن العامة، في الهواء الطلق، وحيث يقتصر فيها الرقص على جنس واحد (الفتيات القرويات). (15) .
خــامــســـا التلوين الصوري

يتحدث سعاده في مقالة “معرض التلوين الصوري” عن زيارته لإحدى هذه المعارض في شارع الصالحية في دمشق لثلاثة من أساتذة هذا الفنّ الوطني، وهم الأساتذة فائز العظم وتوفيق طارق وكرشه، مبديا شكره للمساعي المبذولة لإنشاء رابطة فنية للتلوين، لأن الفنون على أنواعها، ومن ضمنها الأدب، هي عنوان ارتقاء نفسيات الأمم.

قبل أن أترك المعرض أقبل الأمير فريد شهاب، وهو أحد الهواة الذين لم يحرموا المعرض من بعض ما أوجدوه في فرص العمل وبشرني بأن المساعي مبذولة لإنشاء رابطة لتعزيز فن التلوين في مجموعنا. لا أعرف من المساعي ما يستحق الشكر أكثر من المساعي لإنشاء رابطة فنية للتلوين في محيطنا، لأن الفنون على أنواعها، ومن ضمنها الأدب، هي عنوان ارتقاء نفسيات الأمم.
وختم: خرجت من المعرض مسروراً من النتيجة الفنية القليلة التي رأيتها فيه. وكان سروري على نوع خاص، بمدلولها على بداءة الحياة الفنية في مجموعنا. ولا يسعني في الختام إلا تهنئة الأساتذة والتلاميذ بنتيجة جهودهم التي لا أراها ذاهبة عبثاً” (16).
في قصة “فاجعة حبّ”، وأثناء زيارته إحدى المعارض أبدى سعاده شغفه بالصور الملوّنة وإعجابه بالبعض منها ّ:”وكنت مشغوفا بالصّور الملوّنة: “حتى إنّي كنت أقف وقتا طويلا أمام الصورة الواحدة الهامة، مطيلا النظر إليها، كأنّي أحاول طبع ما فيها من دلائل الحياة وعظة الفنّ، في ذهني، بحيث لا تعود تبرحه. أعجبتني ثلاث صور كثيرا: الأولى رأس قروي، والثانية بريّة جبلية، والثالثة منظر وردة على نور الشمعة ” (17)
ومن روائع الفن التصويري، التي اعتبرها سعاده “أثمن ما يملكه” لوحة العرزال التي رسمها الفنان الكبير الرفيق مصطفى فروخ، ومن بعده الفنان صليبا الدويهي (18).
. ســادســا: المسرح والتمثيل
سئل سعاده من قبل أحد هواة فن التمثيل عن كيفية ترقية تمثيل الروايات في سورية.
أجاب:” إنّ الأمر مرتبط بترقية حياة الشعب السوري نفسه. فإنّ تمثيل أدوار الحبّ والشهامة والبطولة بألوان راقية، يحتاج إلى شعور الممثّل بهذه الصفات شعورا راقيا. والذين لم يتعوّدوا من الحبّ غير اتجاهاته الفيزيائية، لا يمكنهم أن يمثّلوا حالاته النفسية السّاميّة” (19).
ســابــعــا: النحت

 اهتم سعاده بالنحت كاهتمامه بسائر الفنون الجميلة الأخرى، يذكر الرفيق جورج عبد المسيح، أنّ النحات يوسف الحويك كان يلحّ على سعاده أن يكرّر زياراته لمحترفه لمتابعة البحث الممتع في فنّ النّحت، يقول عبد المسيح "الحويك كان رائدا من روّاد الفنّ، في فترة انطلاقة النّهضة. وفي محترفه كنّا نقضي ساعات نستمع إلى نقاش في فنّ النّحت التعبيري، وفيما عبّر عنه فنّانون سوريّون تملأ أثارهم المتاحف الكبرى في العالم، في روما حيث درس الفنان الحويك، وفي باريس ولندن واستنبول، حيث تمتّع بما فيها من أثارنا التي تدلّ علينا. كان الفنّان الرّائد يوسف الحويك يلحّ على “الأستاذ سعاده" بالعودة إليه، في محترفه لمتابعة البحث الممتع (20)

.
ويذكر أنّ إحدى الصحف اللبنانية حملت على يوسف الحويك لعلاقته بالحزب السوري القومي الاجتماعي، إلا أنّه ظلّ معتصما بسكوته وعزلته، على حدّ ما ذكره الفيلسوف أمين الريحاني في رسائله (21).

ثــامــنــا: الأدب والشعر
استكمالا لهذه الدراسة “سعاده والفنون الجميلة”، نلقي الضوء على أبرز ما كتبه سعاده في موضوعي الأدب والشعر، على ألا يعتبر ذلك دراسة شاملة في هذين الموضوعين، أو منفصلين عن نظرته الشاملة إلى الحياة والكون والفن ّ. مع الملاحظة أنّه من السهولة الإحاطة بما كتبه سعاده، في هذا الموضوع، من خلال مؤلفاته الآتية: “فاجعة حبّ وسيدة صيدنايا”، و”الصراع الفكري في الأدب السوري “، و “جنون الخلود”، و “الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية “. فهذه المجموعات تؤلف مع بعض المقالات الموزعة في “الأعمال الكاملة” حقلا خصبا للدراسات الأدبية النقدية، التي تتمحور حول عالم سعادة الأدبي.
كان من نتائج اهتمام سعادة بالثقافة الفنية، على نحو ما مرّ سابقا، انبعاث نهضة فنية داخل صفوف الحزب، وانعكاسها على محيطه، وقد تبلورت هذه النهضة ببروز أسماء فنية رائدة في مختلف الفنون الجميلة، وما تبعها من إنشاء الفرق الفنية، في الوطن وعبر الحدود، وتأسيس المسارح، وازدهار حركة التأليف والنشر، كلّ ذلك في إطار العنوان الكبير:
“الفنّان المبدع والفيلسوف هما اللّذان لهما القدرة على الانفلات من الزمان والمكان، وتخطيط حياة جديدة، ورسم مثل عليا بديعة لأمّة بأسره”.

الهوامش
*- هذه المقالة هي موجز لدراسة مطوّلة تقع في سبعين صفحة.

سعاده: “نظرة سعاده إلى الإنسان”، المحاضرات العشر، ط 3 ص 142 .
سعاده: الصراع الفكري في الأدب السوري، ط3، 41 .
سعاده: المحاضرات العشر، المحاضرة 9
سعاده: الأعمال الكاملة، م 8، 415 .
سعاده: الأعمال الكاملة، م 6، ص335 .
سعاده: المحاضرات العشر، راجع المحاضرة الأولى.
لوحة سومارية بالأحرف المسمارية في وصف الموسيقى موجودة على ختم أسطواني يعود إلى حوالي 2400ق م، وجد في بقايا مدينة لا قش في عهد ملكها العظيم قوديا.
مخايل نعيمه: من مقدمته لمجموعة جبران خليل جبران.
سعاده: راجع قصة فاجعة حبّ.
سعاده: جريدة النهضة، العدد101، تاريخ 22شباط 1938 .
سعاده: الأعمال الكاملة، م6، ص333 .
. راجع، ما يتبع.
سعاده: جريدة: الزوبعة”، ع51، تاريخ 1/9/1942. سعاده: الأعمال الكاملة، م 6، ص 230
. سعاده: الأعمال الكاملة، م1، ص129 .
سعاده: راجع قصة سيدة صيدنايا..
سعاده: الأعمال الكاملة، ج1، ص250 .
سعاده: راجع قصة فاجعة حبّ..
جهاد العقل: الحركة القومية الاجتماعية أضواء ورموز، ص181 .
سعاده: الصراع الفكري في الأدب السوري، ص40و41..
جورج عبد المسيح: رسالة من رسالة، ص104 .
أمين الريحاني: رسائل أمين الريحاني، ط2، 1991، ص702 .