في ذكرى تأسيس “الحزب السوري القومي”: لإعادة تفعيل الخطاب والدور الوطنيين

في السنوات القليلة الماضية، وتحديدا مع بداية تظاهرات ١٧ تشرين وما سبقها وتبعها من أزمات سياسية قديمة متجددة، يحضر اسم “الحزب السوري القومي الاجتماعي” بتاريخ مؤسسه وبواقعه وبما يجب أن يكون. ولا شكّ في أن تأثير الأزمات الداخلية التي عانى منها الحزب على مدى سنوات لم يقف عند حدود الأطر التنظيمية والداخلية للحزب نفسه، بل انعكس ذلك أيضا على نظرة قسم لا بأس به من اللبنانيين وخاصة جيل الشباب وهي من دون شك تتضمّن شوائب ظالمة لتاريخ الحزب أو الهدف الذي وجد لأجله. ولا شكّ أيضا، أن النقاش يتشعّب ويتمدّد حول ماهية ودور وأهداف “الحزب القومي السوري الاجتماعي”، وعلى قدر ما يشكّل ذلك إشكالية، على قدر ما يشكّل أيضا فرصة لإعادة دوره الوطني والعروبي والقومي بمراجعة تتحرّر من موروثات باتت تثقل كاهل تاريخه بدل أن تفعّل حضوره وتسلّط الضوء على أهمية دوره ليس فقط عند المنتسبين والمناصرين، بل أيضا لدى غالبية الشعب اللبناني.

فاليوم أكثر من أي وقت مضى، يتجلّى ضرورة إعادة تفعيل طروحات مؤسس الحزب أنطون سعادة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي التي عبّر عنها في كتب ومقالات تصلح لكي تدرّس في علوم الفلسفة والاجتماع والسياسة والاقتصاد. وبصرف النظر عن بعض المبادئ التي تعتبر خلافية لدى الغالبية من المجتمع اللبناني والتي تحتاج لنقاش وتوضيح لا سيّما في ما يخص النظرة لفكرة الوطن وربطه بالأمّة وبفكرة “سوريا الكبرى”، إلا أنّ مبادئ الحزب في إدارة شؤون الدولة وفي تناول ومعالجة المواضيع الحياتية التي تمسّ المواطنين بشكل يوميّ في نظام الدولة السياسي لا سيّما مبدأ فصل الدين عن الدولة والاقتصاد المبني على الإنتاج لا الاستهلاك المتطرّف الذي أوصلنا إلى ما نعانيه من انهيار اقتصاديّ واجتماعيّ وسياسيّ وأخلاقيّ، كل ذلك يجعل من حضور الحزب اليوم في الحياة السياسية اللبنانية ضرورة وطنية.

أما على المستوى العقائديّ الوطنيّ، فيشكّل العداء للكيان الإسرائيلي ركيزة أساسية من مبادئ الحزب وهويّته العربية والعروبية. واليوم، نجد أنفسنا بحاجة لإعادة تصويب مفاهيم العروبة في ظلّ التشويه الكبير الذي أصاب هذا المفهوم لعاملين أساسيين وهما: الأول، السياسات الإعلامية الغربية وبعض العربية التي نجحت بشكل كبير في التأثير على العقل العربي لا سيّما الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي وفي البرامج الحوارية. أما العامل الثاني، فهو إخفاق الأحزاب والحركات السياسية والحقوقية وغيرها في ما يعرف بمحور المقاومة في تطوير مفهوم العروبة وترجمته بعيدا عن الخطابات الواعظة والتي تتسم ببعض الفوقية والادعاء في الكثير من الأحيان ولو عن غير قصد، وبالتالي الفشل في إعادة إنتاج سياسات إعلامية تحمي الذاكرة الجماعية وتواجه الحملات “الذكية” التي تستهدف مجتمعاتنا بكافة الوسائل وعلى مختلف المستويات عبر تفتيت وتكسير قدسية المسلّمات حتى بات التطبيع على سبيل المثال لا الحصر قضية تطرح للنقاش وربما مقبولة لدى شريحة واسعة من أبناء منطقتنا العربية ومنها لبنان. ويتحمّل ” الحزب السوري القومي الاجتماعي” كما باقي الأحزاب والحركات والأفراد الذين يعتنقون العروبة والعداء للكيان الاسرائيليّ مسؤولية كبيرة ووطنية في مواجهة الحرب الثقافية التي تفتك في مجتمعاتنا.

بالطبع، تحتاج الكتابة عن “الحزب السوري القومي الاجتماعي” دراسة لا يمكن اختزالها في مقال صحافيّ. لكن، في الذكرى ال٩٠ لتأسيس الحزب، تحضر الحاجة الوطنية لحضوره على أرض الواقع بخطاب وبسياسية جاذبة للرأي العام لا سيّما الجيل الجديد، مستفيدا من طاقة شبابه الملفتة التي تثبت حضورها في كافة الميادين.

د. حياة الحريري

باحثة وأستاذة جامعية