اثنتان وستون سنبلة

اثنتان وستون سنبلة

اثنتان وستون سنبلةً
بَيْدرت يا زعيمْ
في ربا سوريا
اثنتان وستون معجزة
جاوزتْ لاهبات الجحيم
من هوا سوريا،
اثنتان وستون، مرّت
بميلاد تشريعك الثورويِّ
محمَّلةً بالروائعِ
ممسوسةً بالفجائعِ
كنت تنبّأتَها
فالدنيئون، فاضت دناءاتُهمْ
والوفيون، ضاءت وفاءاتُهمْ
والرحى لم تزل تطحن الثقلينِ،
وتفرز قمح الحياةِ
عن الهش من حاويات الزؤان،
من شقا سوريا
والحديقاتُ لمّا تزل
تتبرعمُ فيها “أزاهيرك” اليانعات
“وأشبالُك” المؤمنون بوعيكَ
يستنفرون الشوارعَ
“والرفقاءُ” الخلوقونَ
يقتحمون حصونَ الشهادةِ
قولاً صريحاً
وفعلاً شجاعاً
ورؤيا على البُعْدِ
تستنطق الواقع المُدْلَهِمَّ
وتخترق العتمَ…
تاريخهم حاسم الحتمِ،
لا يعبأون بما أطفأتْهُ ضواري الرِّهانْ
من ضياء سوريا.
هانئَ البالِ يا خالقَ المدرحيةِ
نَمْ لن أطيل عليك شجون الورى.
واعتكار الزمان الزنيم…
في ذرا سوريا
النشرة الإذاعية-كانون الأول 1994- صفحة 16

ركعتان في مغارة الزبيب

1 –
لأوَّل مرَّه.
أجيىء دِمشقَ نظيفَ الملامحْ:
»قميصي مُدمَّى،
وزوادتي خاصَمَتْها الولائمْ..«
فمن يسأل الطينَ عني،
وَيفرَحُ للشُّرْفة المغلقة.؟!
زمانَ جفتْني المسافات، واْنهارَ شوقُ التمنيِّ،
على شرنقَه.!!
ولَصَّتْ مصابيحُ أحيائكمْ زَهْوة الفجر، واحتدَّ صوتٌ من
القاع. يأبى الصدى المُرَّ أن يُرهقَه..!!
تُرى من يُضحِّي بتابوته – دون خوفٍ – ويتركُ للريح سِرَّه..
وُيطفيء في داخلي البيدرَ المحترقْ،
إذا سَيَّجَ الشوكُ لِينَ المطارِحْ،
لأول مرهْ..؟!

فيا شامُ، كوني لعريي بقايا عباءَه.
وشرْخاً عميقاً، عميقاً يُغاوي رمالَ القبائل..
وكُوني حبيبه.
أخَبئُها في تجاعيد وجهي:
أخاديدَ حُمى،
ليرتاحَ في واحة النَّسْل نَخْلُ الفراتْ،
ويسكبَ في ظلِّ غمازتيها اْشتهاءه…
إذا داس في شاطىء الجفن لونُ الغُرابْ.
وأرخى – على البُعد – حَدْوُ القوافلْ:
حصيراً يُداري حُضورَ الشتاءاتِ، ضِلعاً أسيرَ الغُبار.
يقايضُ بالصحو موت السَّهر،
ويستُرُ في غُربةِ الشمس ريقَ المطر…
ويَصرخُ بالشام: لا تزرعي في حَفافيكِ قهرَ الولاده…!!
أنا منكِ – إنْ كابرَ الصبحُ – شُعْلَه،
وعُشْبٌ على خطوِ جيل السَّفَر..!!

2 –
يا أضواء الشام، أذيبي ثلجَ العتم الناطفِ ذُلاً في
أرحام الجيلِ المتعَبْ.
رُدِّي رُمحَ الفارسِ عبر الزحمه.
شُدِّي جَسدَ النِّعمه:
»يا ليلُ، الصَّبُّ متى غدُهُ
اَقيامُ الساعةِ موعِدُه.؟!«

لا أَعرفُ يومَ الحشرِ..!!

واليلُ غريبٌ طِلَّسْمي مثلي، لا يدري،
(مِهمازَ خيولِ الفجرِ)…

والعالمُ في صحراءِ الغُمْرِ.
خِشفُ غزالٍ ضيَّع أُمَّه:
»نَصَبَتْ عينايَ له شَرَكاً،
في النومٍ، فَعزَّ تصيُّدهُ..«
يا وجهَ قَفَا الدنيا الحِرباء.
صاحبُنا ضمَّ عشيقتَهُ، يُطعمها اللوزَ، ولا تَرْغَبْ..
لا يأبهُ، زيتٌ صُبَّ بِصَحْفَتِهِ، سُمٌّ أو ماء..؟!
»وأبولو« يَحرُثُ ظهرَ الكوكب..؟!
ويُيمُ الكونَ ويُقعدُهُ.
يا قبرَ الناس الأحياءْ..!!
1968

عرس الماء

رمدٌ أصابَ رؤى المساءْ.
وعلى الوسادة ساحَ كُحْلُ دَمي، وراحَ إليكِ، يَرتَجلُ الطريقَ:
يَحضُّهُ الهذيانُ والوَلُ المعسكرُ، في ذرا الكفَّيْنِ
والشفتينِ والـ …… سميِّ الخلايا باسمِ مَنْ أحببتِ،
إن شئتِ الوصولَ المطمِنَّ إلى النعاسِ، ورنَّقَتْكِ
نداوةُ المنثال من عَبَق الدماءْ..!!
هيَ ليلةٌ بحريةٌ، عذراءُ، وتَرها الترثُّبُ. أرَّقَتْها صَبْوةُ الغَسَقِ
المفلِّسِ. أسرعتْ تستأنِسُ الشُّرُفاتِ.
باغَتَها خُفوتُ الضوءِ، ما بينَ الأسِرَّةِ، راودتْ
هَرَباً، فأخطأها السبيلُ، وكان … لا … ما كانَ،
همسُ بقيةٍ منسيةٍ من جمرِ منفضةِ الرمادْ..!!
هيَ أنتِ، في أَوْجِ الحنينِ، إلى ابتكار الموتِ: تقترنينَ بالمدِّ المعربدِ
تُسفِرِينَ عن الجليل من الغواية. تلبَسينَ إزارَ
أمواجِ البنفسجِ. »تَخْلَعينَ« عَصِيَّ أقْفالِ السريرةِ.
تَدخُلينَ مع النسائمِ، لا يَراكِ سوى الرُّقادْ..!!
هَلْ يذكُرُ البحرُ اللجوجُ شحوبَ وجهكِ، حين تغتصبينَ خوفَكِ مِنْ
حصارِ فمي.؟. وفمي أشَلُّ. ومقلتاي إلى العَماء:
بصيرتانِ، وغيرُ باصرتينِ ـ منشدِهاً ـ وحبرُ الليلِ
يدفَعُ جلدنا الرمليَّ. مذعوريّيْنِ كيف نعودُ مختصِرَيْنِ،
ـ والحراسُ ينتظرونَ ـ حيرانَيْنِ كيفَ نُزيلُ آثارَ »الوليمةِ«
بعدما ارتسمتْ على الجسدينِ آياتٌ من الكَرَزِ المحرَّمِ
تسألينَ، وأسألُ الزمنَ المنافقَ، كيفَ تَغْتَسِلُ
الحصاةُ من الحصاةْ..!!
هي وهَلَةٌ ـ عُمْرٌ تخثَّرَ في الهنيهةِ، نَزْوَ جِنِّيَّيْنِ، إنسانَيْنِ،
مسعورَيْنِ: شاهِدُها دَمٌ. وشهيدُها بحرٌ ومغتربانِ.
هل تتوجَّسينَ.؟. تُرى يَضيرُ نُباحُ هذا الكونِ،
فَرحةَ عاشقَيْنِ »تجانَسَا« شَفَقاً. وفاتَهُمَا
الصباحُ، وضَيَّعا طوقَ النجاةْ..؟!
»هُمْ« أَرغَمونا أن نكونَ محرَّمَيْنِ. وكبَّتُونا مِئزرَ »الخُلُق المزيَّفِ«
هوَّلوا »خَطَرَ الجحيمِ«، وزيَّنوا »نِعَمَ النعيمِ«. وغلَّسوا
، يتهازؤونَ بجهلنا الفطريِّ ـ نحنُ صِغارُهمْ وصَغارُهمْ ـ
كم ضلَّلونا عن هناءاتِ الحياةِ، وخلخلوا شَغَبَ الطفولةش،
ـ أيها الشغبث الجميلث ـ وأوْغَلوا في النهبِ، منتهزينَ
غفوتنا، على الإكراهِ. وانْسَلُّوا إلى جُحْرِ الجريمةِ،
واطمأنُّوا، أنَّنا نحنث الجُناةْ..!!
هَوْناً وتنطَفِئُ الحرائقُ في المضائقِ.
هل أضرَّ بنا التعسُّفُ، مالنَا نخشى.؟
وما للائمينَ ـ حبيبتي ـ .؟
إن صنَّفونا في سِجلِّ الخالدينَ، أو الزُّناةْ..!!
»هُبَلاً« أَكُنْتُ لدى الشَّموتِ، وكنتِ لي رؤيا »مَنَاةْ«:
صنمانِ ينتصبانِ في عَكَرَ اللزوجةِ. لن يُريدا من عُطوفةِ هَيْبةِ
الجانينَ، »قَدْرَ قُلامةٍ«، ويَخيبُ من ظَنَّ المجاعةَ
آلفتْ ما بينَ مدلولَيءهما. متناقضانش، مشتَّتانِ، تنافرا
غَصْباً، ورسَّخَ بين مجروحَيْهما هَزْلُ الوشاةْ..!!
هوناص وتنطفئُ الحرائقُ، في لهاةِ اللاهثينَ.
تدثَّري باليمِّ، وانتهبي اللذاذةَ،
خوفَ تنطِفئُ الحياةْ..!!
لا تتركي ثلجَ الندامةِ، خُلْسَةً يحبو،
إلى جَسَد تعمَّدَ بالمحبةِ، سارياً لصاً،
إلى غرُرَفِ العذوبةِ، يستفيفُ من السُّباتْ…
»هُمْ« أنهكونا »بالعِظاتِ«، وأحرقونا بالمخاوفِ
أخَجلوا نُبْلَ البراعمِ في تفتحُّها الوشيكِ.
وخلَّفونا ـ بعدما ثَمِلوا ـ
نعالجُ ما تبقىَّ من نفاياتِ الفُتاتْ..!!
وخَليجُكِ المستورُ مِنْ… لا … لَسْتُ أذكرُ ـ أيِّ عامٍ. شاءَ يَهْرُبُ
من صقيعش الصمتِ. يمنحُ صومَهُ للبحرِ، لا تتعثري بالرملِ.
يَأتِلقُ النشيدُ بوقعِ خطوكِ، أكملي لُغَةَ التنزُّهِ:
خُطوةً أخرى، وتجتازينَ خوفَ الرعشةِ الأولى لِلَمْسِ
الماءِ. لا تتقاعسي. عَطَشٌ يُشقِّقُ حَلْمتَيْكِ ، يَحُثُّ وهجكِ.
كيف ترتعدينَ.؟. يندهُكِ التوحُّدُ في وشاحِ البحر
في عينيهِ ما يرجوا الغريقُ، وامتعُ الفُرَصِ الخصيبةَ.
فاْحضُنيهِ، وأغلقي أُذنيكِ عن لَوْمِ السنينِ الكالحاتْ…
»هي فُرصةُ الْهَتْكِ الوحيدةُ، كيفَ تنقصُكِ الجسارهْ.؟!.«
تتردَّدينَ، وتُحجمينَ عَنِ اْقترافِ الوقتِ،
في زمنِ أضاعَ المهتدونَ بهِ،
فضاءَ القافلاتِ، وضيَّعَ الهادي مَسَارهْ..!!
ما نَفْعُ صمتِكِ بعدَ أن صَرَخ المساءْ.
واحدودَبتْ ساقُ البكورةِ، وارتختْ شفةُ البكارهْ..؟!
هي فُرصةُ الْهَتْكِ اليتيمةُ، تستضيفُكِ.
ـ لا تصُدي غيمةً هطلتْ ـ
أعينيها على فيضٍ »تلبَّسَها«.
وعُدِّيها شفيعاً ـ في شقاواتِ المسافرِ ـ
للخطايا المقبلاتِ، وبعضَ خاتمةِ العزاءْ..!!
-1984-

الشاعر فايز خَضّور أحد أبرز الأصوات الشعرية السورية ، حيث يعد من جيل شعراء الستينات الذين كان لهم حضورهم الواسع خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي
ولد فايز خضور في مدينة القامشلي عام 1942، ونشأ في مدينة سلمية ودرس في عدد من المدن السورية، ثم تخرّج بشهادة الإجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق عام 1966. وعمل مدرّساً لمدة عام واحد ثم انتقل إلى الحقل الصحفي، فمارس الكتابة في الصحافة في دمشق وبيروت. كما عمل في إدارة المخطوطات في اتحاد الكتاب العرب في دمشق منذ العام 1972، وتسلّم أمانة تحرير جريدة الأسبوع الأدبي ومجلة الموقف الأدبي الصادرتين عن اتحاد الكتاب العرب.
بدأ “خضور” حياته الأدبية في أواخر الخمسينات، ونشر للمرة الأولى في صحف ومجلات سورية ولبنانية وفلسطينية، وله العديد من المشاركات في احتفاليات شعرية أدبية في سوريا.
وكان خضور قد انتقل مع غيره من الالأدباء السورين الى لبنان بسبب الملاحقات التي تعرض لها المنتمون إلى الحزب القومي السوري، الذي تعرض لحملات أمنية واسعة في سوريا في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي. وخلال وجوده في بيروت اقترب من جماعة مجلة “شعر”، وتردد برفقة محمد الماغوط ،ابن مدينته سلمية، إلى الندوة الأسبوعية للمجلة في منزل الشاعر يوسف الخال برأس بيروت. وتعرَّف على عدد غير قليل من الشعراء كالسياب، أدونيس، فؤاد رفقه وآخرين
له دواوين شعرية عديدة تجاوزت العشرين، منها “الظل وحارس المقبرة، وصهيل الرياح الخرساء، وعندما يهاجر السنونو، ونذير الارجوان، وستائر الأيام الرجيمة، وحصار الجهات العشر، وقداس الهلاك، ومصادفات، وغيرها.
عن عمر ناهز 79 عاماً رحل يوم الأحد 9 أيار 2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *