دروز فلسطين

دروز فلسطين

مع كل حرب أو هجمة عسكريّة جديدة يشنّها الكيان الإسرائيلي على بلادنا، تعود مشاهد انخراط دروز فلسطينيّين في المجهود الحربي الإسرائيلي، لتطرح التساؤلات حول ما يصطلح على تسميته بحلف الدم بين كيان الاحتلال و الطائفة المعروفيّة في فلسطين. فما هي قصّة هذا الحلف المفترض.
يروّج الصهاينة لأنّ هذا الحلف قد بدأ بعد لقاء موسى نبي اليهود بشعيب، النبي المبجّل في أوساط الموحّدين. هذا في الأساطير أمّا على أرض الواقع فإنّ العلاقة لم تكن دائمًا بهذه الورديّة. ففي عام ١٩٣٤ و قبل المشروع الصهيوني، و ضمن سياق الفوضى و أحداث العنف الطائفي التي خلّفها الغزو المصري لبلاد الشام بقيادة إبراهيم باشا، تعرّض يهود مدينة صفد لمجزرة كان منفّذوها من الدروز و المسلمين الفلسطينيّين. بعد قرنٍ و في ظروف مختلفة، في ظل الاحتلال البريطاني و تنصيب المشروع الاستيطاني الصهيوني نفسه وصيًّا على الوجود اليهودي في فلسطين و وريثًا لأرضها، حاولت الحركة الصهيونيّة الدخول في البيت الدرزي الفلسطيني، عبر اللعب على وتر النزاع بين الشيخ أمين طريف و عبداللّٰه خير. في عام ١٩٣٢ حاول الأخير و هو شاب متعلّم أن يؤسّس اتّحادًا اجتماعيًّا درزيًّا يتولّى شؤون الطائفة و منها الوصاية على مقام النبي شعيب الذي كانت سدانته لآل طريف. حاول الصهاينة في البداية التحالف مع الشيخ أمين طريف الذي كان سلبيًّا تجاههم، فتحوّلوا نحو منازعه الذي قبل التعاون. هذا النزاع الذي دخل الصهاينة على خط تغذيته استحال دمويًّا في نيسان من عام ١٩٣٣ خلال التجمّع في مقام النبي شعيب. على إثر ذلك تدخّل شيخي عقل لبنان الذين أنهيا الصراع و أقنعا عبداللّٰه خير بترك الشأن العام.
في العقد نفسه و بعد سنتين اندلعت الثورة الفلسطينيّة الكبرى. و كما غيرهم من أبناء الشعب انخرط الدروز في الثورة بمساعدة من إخوتهم الدروز من سوريا و لبنان. و في معارك عديدة نجح الثوّار من الدروز بإيقاع الخسائر في البريطانيّين و في إسقاط طائراتهم. إلّا أنّ التفوّق البريطاني مكّنهم من إلحاق خسائر فادحة في الثوّار من الدروز فاستشهد سلمان الغضبان و العشرات من الثوّار.
و على إثر الخسائر الثقيلة و الهزائم المتلاحقة فترت مشاركة دروز فلسطين في الثورة. و في هذا الجو بدأت تتنغّص علاقة الدروز بقيادة الثورة المنزعجة من علاقة الحركة الصهيونيّة بعملاء من آل أبو ركن من عسفيا و خنيفس من شفاعمرو، كانو يساعدون الحركة بالتواصل مع دروز سوريا و لبنان لثنيهم عن الالتحاق بثوّار فلسطين.
لم تكن ظاهرة العمالة للصهاينة حكرًا على طائفة و قد كان هناك عملاء من المسلمين أيضًا لكن و في هذه الأجواء المضطربة قام أحد قادة الثورة المدعو يوسف أبو درّة بالهجوم على قريتي عسفيا و دالية الكرمل الدرزيتين، فارتكب و رجاله أعمال مشينة، كان منها الاعتداء على الأعراض و تدنيس رسائل الحكمة.
شكّلت الحادثة مفترقًا مكّن المتعاونين مع الوكالة اليهوديّة من تسويق أنفسهم كحماة للطائفة، ليقوموا لاحقًا خلال حرب ٤٨ بتجنيد مقاتلين من الدروز لصالح الهاگاناه. و ليحاولوا تجنيد الفوج الذي أرسله سلطان باشا الأطرش من السويداء ليقاتل في حرب فلسطين.

سنة ١٩٥٦ تم ضم الدروز و الشركس إلى التجنيد الإجباري. و بعد ممانعة القيادة الدينيّة الدرزيّة في البداية، خنع الشيخ أمين طريف و مضى في مسار الأسرلة.
و بالإضافة إلى التجنيد الإلزامي عمل الكيان على مسارين، الأوّل هو فصل الدروز عن بقيّة المكوّنات الفلسطينيّة، من تعريف الهويّة الإثنيّة كدروز إسرائيليّين بدلًا من الهويّة الفلسطينيّة أو العربيّة كما يسمّيها فلسطينيّو الداخل، و في سبيل ذلك قامت حتّى بفصل المناهج التعليميّة للدروز عن المناهج التعليميّة لبقيّة الفلسطنيّين. أمّا المسار الثاني فهو دفع الدروز نحو العمل في الجيش كملاذ اقتصادي و قد ساهمت بذلك سياسة الكيان في مصادرة أراضي القرى الدرزيّة.

اليوم يشكّل الدروز الفلسطينيّون ما نسبته ١,٣٪ من مواطني كيان الاحتلال بتعداد بلغ عام ٢٠١٩ قرابة ١٢٠ ألف نسمة.
و بالإضافة إليهم يقطن في الجولان قرابة ٢٥ ألف درزي سوري لا زالت الغالبيّة منهم ترفض الجنسيّة الإسرائيليّة.
يحاول الاحتلال إبقاء الدروز تحت عباءته مستعينًا بمن اختاروا التصهين من أبناء الطائفة، ففي سبيل ذلك أسّس يوسف ناصر الدين الحركة الصهيونيّة الدرزيّة عام ١٩٧٥ و قبلها بسنتين أسّس النائب عن حزب الليكود أمل ناصر الدين الدائرة الصهيونيّة الدرزيّة. تهدف هذه التجمّعات لإبعاد الدروز سيّما جيل الشباب عن الأفكار الوطنيّة الفلسطينيّة. في المقابل تقف المبادرة الدرزيّة في وجه مشروع الأسرلة. أطلقت المبادرة حملة رفض الخدمة العسكريّة في صفوف جيش الاحتلال تحت عنوان “أرفض شعبك بيحميك” عملت على قطع الطريق على تنصيب العدو ناطقًا باسم الطائفة عبر منع المظاهر السياسيّة في الاحتفالات الدينيّة في مقام النبي شعيب.
من غير الممكن معرفة نسبة التزام الدروز في الخدمة الإلزاميّة، ففيما يدّعي العدو الإسرائيلي أنّ نسبة امتثال الدروز لأداء الخدمة تصل إلى ٨٢٪ ترفض لجنة المبادرة الدرزيّة هذه النسبة و تقول بأنّ قرابة ٥٠٪ من الدروز يرفضون الخدمة الإلزاميّة و يواجهون عقوبة السجن بسبب التخلّف عن الالتحاق في الخدمة العسكريّة.
و في الوقت نفسه يساهم خطاب الكراهية الذي تبثّه الحركات الإسلاميّة ضد الدروز في تعزيز النظرة بأنّ الكيان الإسرائيلي هو ضمانة البقاء، في المقابل ساهمت النزعة المتطرّفة التي صعدت في إسرائيل خلال العقود الأخيرة بزعزعة ثقة الدروز بالكيان. فالأحزاب اليهوديّة المتطرفة التي صعدت إلى السلطة تمثّل تهديدًا لما يسوّق له من وضعيّة مواطنة، كما أنّ قانون يهوديّة الدولة الذي تم تمريره مثّل طعنة في ظهر الدروز المتأسرلين، الذين باتوا بحكم القانون مهدّدون بالتهميش الرسمي. و ما العلاقة سوءًا أنّ أحد المصوّتين على القانون كان الدرزي الصهيوني أيّوب قرّا العضو في حزب الليكود لتصبح علاقته بأبناء طائفه في أسوأ حالاتها و هي التي كانت متوتّرة أصلًا بفعل تصريحاته التي حاول فيها أن ينسب الدروز إلى الأسباط اليهوديّة الضائعة.