رسائل سعاده (1926 – 1949)في إصدار متكامل

رسائل سعاده (1926 – 1949)في إصدار متكامل

إحتفاءً بالذكرى العشرين بعد المائة لميلاد أنطون سعاده مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه، ستصدر خلال الأيام القليلة المقبلة طبعة جديدة كاملة لما توافر من رسائله بين العام 1926 والعام 1949، عمل عليها وحققّها أحمد أصفهاني وبدر الحاج وسليم مجاعص. وقد توزعت الرسائل على سبعة مجلدات، واحتوت المجموعة على فهرس عام ومقدمة موجزة توضح طبيعة وخلفيات إنجاز هذا المشروع الاستثنائي.
ونقدم هنا عرضاً تأريخياً مكثفاً لمراحل الحصول على رسائل الزعيم ثم نشرها. فلمدة تسع سنوات، بين 1938 و1947، أصبحت الرسائل البريدية وسيلة التواصل الوحيدة – تقريباً – بين سعاده من جهة وبين القيادات الحزبية والشخصيات السياسية وفروع الحزب في عبر الحدود من جهة أخرى. لقد إضطرته سلطات الاستعمار الفرنسي إلى مغادرة الوطن سنة 1938، حيث زار الأردن ثم فلسطين قبل أن يتوقف في قبرص لترتيب خطوته التالية.
ومن تلك الجزيرة، وجّه سعاده سلسلة من الرسائل إلى رئيس المجلس الأعلى فخري معلوف (الاسم المستعار نصّوح الخطيب) وإلى بعض المسؤولين الآخرين تضمنت ترتيبات إدارية وسياسية لتمكين الحزب من مواجهة المستجدات المتسارعة. غير أن رسالة تنبيه وتحذير من فلسطين سرّعت في انتقاله إلى روما ثم برلين قبل أن يعبر الأطلسي إلى البرازيل. وهناك بدأ فصل جديد من التآمر الفرنسي شاركت فيه العناصر الرجعية والطائفية من السوريين.
كانت طبول الحرب العالمية الثانية تُقرع بقوة عندما وجد سعاده أن الأرجنتين هي المكان الوحيد المتاح له بعد البرازيل. ونظراً إلى أن القنصلية الفرنسية رفضت تجديد جواز سفره في بوانس آيرس، فقد كان سعاده – عملياً – “أسير” الاغتراب القسري في الأرجنتين.
تشكل رسائل سعاده، وهي تقدر بالمئات، نافذة مشرّعة للإطلالة على الظروف التي واجهها في سعيه إلى نشر العقيدة القومية الاجتماعية، وبناء الطاقات الحزبية الواعدة، وتثقيف المقبلين على الدعوة، واستكمال عملية البناء الإداري للوحدات الحزبية. ولا نبالغ إذا قلنا إن رسائل سعاده خصوصاً بين 1939 (إقامته في الأرجنتين) و1946 (قرار العودة إلى الوطن) تختزن قسماً أساسياً من تاريخه الشخصي، ومن تاريخ النشاط الحزبي في المغتربات على وجه التحديد.
هذا التراث الغني لم يحظ في الفترة الأولى بنفس الأهمية التي حظيت بها كتابات سعاده الأخرى. فبعد إستشهاده سنة 1949، أعطيت الأولوية لإعادة ترميم وترتيب البيت الداخلي للحزب. كانت رسائل معدودة تجد طريقها إلى النشر بين الحين والآخر. وتولت عمدة الثقافة في مطلع الخمسينات مهمة إعادة طباعة المعروف من كتابات سعاده، والبحث عن المفقود أو المنشور في المغترب الأميركي لنشره في الوطن.
في العام 1952 تمكنت عمدة الثقافة من الحصول على رسالات الزعيم إلى الرفيق غسان تويني، فأصدرتها في عدد “النظام الجديد”، كانون الثاني / شباط / آذار 1952 بعنوان ” كل حق وكل خير وكل جمال”. (“النشرة الرسمية”، العدد الخامس ـ أيار 1958). وفي سنة 1957، قامت عمدة الثقافة بنشر الرسائل ومعها مقالات أخرى في كتاب بعنوان “شروح في العقيدة”، العنصر الأساسي فيه الرسائل إلى تويني. وهذا ما يجعل الكتاب، تجاوزاً، أول “مجموعة” رسائل لسعاده تجد طريقها إلى النشر، ليس في إطار مستقل وإنما كجزء من “الكتابات العامة”!
في مطلع السبعينات تسارعت جهود البحث عن تراث سعاده، وخصصت جريدة “البناء” زاوية أسبوعية لنشر ما يتم العثور عليه، وبينها عدد كبير من الرسائل. وعندما باشرت عمدة الثقافة إصدار سلسلة “الآثار الكاملة” إبتداء من العام 1975، تقرر نشر الرسائل في القسم الأخير من كل مجلد. وزاد من تعقيد الصورة أن الرسائل في كل قسم رُتبت وفق الموضوعات وليس بالتسلسل التاريخي. وكان علينا الانتظار حتى العام 1978 حين أنجز الرفيقان سليم مجاعص وحبيب كيروز ثلاثة مجلدات ضمت الرسائل التي كانت متوافرة حتى ذلك الوقت. وأصبحت قواعد النشر المستخدمة في هذه المجموعة نموذجاً أساسياً لكل من عمل في مجال نشر تراث سعاده.
وهكذا أصدر الرفيقان بدر الحاج وأحمد أصفهاني سنة 1989 مجموعة عامة، القسم الأكبر من محتوياتها رسائل الزعيم إلى صديقه نعمان ضو. بعد ذلك، صدرت مجموعتان خاصتان: الأولى سنة 1997 وضمت رسائل سعاده إلى أدفيك جريديني. والثانية سنة 1999 واحتوت على 120 رسالة موجهة إلى زوجته جولييت المير سعاده (ضياء ـ الأمينة الأولى). وأصدرت “مؤسسة سعاده للثقافة” سنة 2001 “الأعمال الكاملة” في 12 مجلداً، خُصص ثلاثة منها للرسائل. وأخيراً نشرت “دار الركن” سنة 2020 المجلد الأول من مشروع أوسع.
هل يعني هذا أن المجلدات السبعة التي ستصدر خلال أيام تستكمل كل رسائل الزعيم؟
الجواب: نعم من حيث أننا جمعنا كل ما هو متوافر ومعروف حتى يومنا هذا.
الجواب: لا، لأننا أحصينا عشرات الرسائل التي يذكر سعاده أنه أرسلها ولكنها ما تزال مفقودة!
لعل هذا الإنجاز يثير إهتمام وفضول الجيل الثاني أو الثالث من أقرباء الذين راسلهم سعاده أصلاً، وما تزال الرسائل في صناديق عتيقة من مواريث الآباء والأجداد!!