شكل اللقاء بين الرئيس بشار الأسد والفصائل الفلسطينية، ومن ضمنها مندوب حركة حماس، حدثاً مفصلياً في هذه المرحلة التاريخية من تاريخ امتنا. فدمشق كانت وما زالت الحضن الدافئ، والداعم الأساسي للمقاومات وقوى التحرر في هذه البقعة من العالم، وفي مقدمتها الثورة الفلسطينة بكل فصائلها وتنظيماتها وألوانها، هذا الدعم التي تجلى بالقدرات العديدة والإمكانات التدريبية والتسليحية بالإضافة الى الدعم الإعلامي والمعنوي، مما أدى الى تحقيق انتصارات واضحة بمواجهة اعتداءات العدو المتواصلة .
وبالتأكيد كان هذا الدعم المتواصل سبباً من أسباب الحرب الكونية، سبباً دفعت لأجله الشام ثمناً مادياً وبشرياً واقتصادياً وإدارياً باهظاً. غير أن صمود الشام وانتصارها في هذه الحرب جعل دولاً كثيرة ومعها بعض المنظمات تعيد حساباتها تمهيداً للفترة القادمة من الأيام وخاصة بعد التحول الدولي والحرب الروسية- الأطلسية التي ستؤدي بالتأكيد إلى تغيير في النظام العالمي.
كانت حماس إحدى الحركات التي تحظى بعناية خاصة لدى القيادة في دمشق من حيث حرية الحركة لقيادتها وعناصرها، والدعم اللوجستي والعملاني والإعلامي بل كانت تتصدر المشهد الفلسطيني المقاوم في النشرات الإخبارية والمساندة في المحافل الدولية.
في بداية الحرب على الشام، وتحديداً عام 2012، واستناداً لحساباتها السياسية، أعلنت القطيعة مع دمشق والتجأت الى قطر ومن ثم الى المحور التركي، بل ونسقت في هذا السياق مع هذا المحور لعملية الانقلاب على من مدّ لها يد التقدم والنمو والحماية والدعم. قد تكون العودة إلى دمشق ضرورة وحاجة.
غير أن ما يلفت الانتباه، في التصريح الذي أدلى به مندوبها في الوفد الذي زار الشام نقطتان لا ترتبطان مباشرة بالوضع كما أراد صاحب التصريح. أولى النقاط كانت في معرض التبرير لإشتراك حماس في الأعمال القتالية في مخيم اليرموك وتصوير تقنية وأدوات حفر الأنفاق على أنها أعمال فردية، والحقيقة هي غير ما أدلى به ، ويكفي الاطلاع على مواقف قادة الحركة في تلك الأثناء ومنهم خالد مشعل وإسماعيل هنية، إن من ناحية التصريحات أو صورهم مع علم ما يسمى بالثورة. إن حركة حماس، حسب ميثاقها الأساسي، حركة مؤسساتية وبالتالي لا يمكن لأعمال بهذه الحجم أن تحصل دون موافقة القيادة. وينص الميثاق التأسيسي أيضا على أنها حركة تعمل إلى تحرير فلسطين ولا تتدخل في شؤون الدول الأخرى وهذا لم يحصل في انحيازها الواضح والفاضح في الحرب على سورية .
أما النقطة الثانية التي لفتت نظرنا، فهي أن تركيا وقطر لا تمانعان العودة الى الشام بل تشجعان الحركة في هذا الإتجاه، مما يدل على أن المجيء إلى الشام تم بالتنسيق مع هاتين الدولتين او ربما بناءاً لرغبتيهما رغم الوساطات الطويلة والمضنية التي قام بها السيد حسن نصرالله والقيادة في إيران.
بغض النظر عن هذه السلبيات، فإن النقاش يجب أن يدور حول أهمية هذه الخطوة لجهة لملمة الصف المقاوم تمهيداً للحقبة القادمة. إن مصلحة حماس الاستراتيجية هي أن تنخرط في المحيط والعمق الذي يؤمن استمرارية قوتها، خاصة بعد حملات التطبيع من الدول العربية الواقعة تحت التأثير الصهيوأميركي الساعي إلى إقامة ناتو عربي جنباً إلى جنب مع العدو، بل يشكل هذا العدو رأس الحربة في هذا الحلف. وللوصول الى ذلك، لا بد من حسم وضعها الداخلي لجهة انتمائها إلى حركة الإخوان المسلمين. وإن إعلانها عام2017 لم يكن كافياً من الناحية العملية، بل نرى الٱن وبوضوح آراء قيادية في حماس تعارض هذا الانفتاح كما يعارضه الإخوان المسلمون، خاصة في تركيا ومصر ومعظم الدول العربية لارتباط هذه الجماعة بأجندات خارجية بعيداً عن مصلحة حماس نفسها.
أخيراً، إن حماس بالتأكيد تعرف مصلحتها ومصلحة الثورة في فلسطين ومصلحة فلسطينيي الشتات وتعرف تماماً أن أميركا والعدو واحد في مواجهتها.
وليد زيتوني