زيتون فلسطين يقاتل اليهود

زيتون فلسطين يقاتل اليهود

إن قمت بسؤال أي فلسطيني على وجه هذه الأرض ما هو أكثر شيء يعبّرعن هويتك الفلسطينية سيقوم بدون تردد بإجابتك “شجر الزيتون”.
إنّ شجرة الزيتون ليست كأي نوع من أنواع المزروعات التي يعتاد المزارعون على انتظار موسمها ليقطفوا ثمارها بل أضحت رمزاً يعبر عن هوية أهل الارض تلك الهوية التي يحاول العدو يوميًا اقتلاعها وطمسها.
شجر الزيتون بطبيعته الزراعية يعبر تمامًا عن حال المتمسّكين بالهوية الفلسطينية فهو من أكثر الأشجار تعميرًا ويمتد بجذوره لينتشر تحت الأرض.
يومياً نسمع عن أخبار اعتداء قطعان المستوطنين بحماية جنود العدو على الفلسطينيين أثناء قيامهم بقطاف ثمار الزيتون، فالموضوع ليس عبارة عن خبر عن اعتداء متكرر مشابه لغيره وإنما دائمًا ما يعتقد اليهود أنّ شجر الزيتون هو رمز يؤكد تمسك الفلسطينيين بأرضهم. فجميعنا يتذكر تلك الصورة التي حفرت بذاكرتنا ووجداننا وهي عبارة عن تمسّك امرأة فلسطينيّة مسنّة بشجرة الزيتون ومن حولها جرافات العدو وقطعانه .
تناقلت وسائل إعلام عديدة عن عدد من المختصّين بشؤون العدو أن هناك عداء متجذر بين تلك الشجرة التي تعبّر عن الحق الفلسطيني والتي لا تقبل بأن يسكن بجوارها الا الفلسطينيين وبين هؤلاء المستوطنين، وأن عداء الاحتلال لشجرة الزيتون هو مؤشر على أن هذه الأرض ليست أرضهم وأنهم غزاة لا ينتمون لهذه الارض.
في سجلّ العدو العديد من الأفعال الإجرامية اللاإنسانية التي تعبّر عنه وعن ثقافته تجاه شجر الزيتون، ففي إحدى المرات قام بتوزيع العديد من المواد المشتعلة على عدد كبير من أشجار الزيتون بهدف إشعالها وحرقها .
اختلفت الدراسات حول منشأ شجرة الزيتون الأصلي، ولكنها تميل إلى أن تكون من فلسطين حيث وجدت حفريات قديمة تدل عليها في مناطق عديدة بينها بيسان، وتطرقت الكتب اليونانية إلى الجهد الكبير الذي بُذل في زراعتها في عهد الملك ثلمي فيادلفوس عام 270 قبل الميلاد، وقُطعت معظم أشجار الزيتون من جبال القدس في عصر الرومان لبناء الحصون والقلاع أما البيزنطيون فاهتموا بها، وكذلك الأسباط قدّروها كثيرًا، وكانت إحدى مصادر الدخل في فترة الحكم العثماني.
تنفرد شجرة الزيتون على مساحة تقدر بنحو 50% من الأراضي المزروعة في الضفة الغربية بعدد يقارب 9 ملايين شجرة وتسهم في تأمين دخل 10 آلاف عائلة فلسطينية فهي مصدر طعامهم وكسوتهم وأثاث بيوتهم ومبيتهم وسكنهم وعلاجهم من أعراض طارئة ووقود تدفئتهم، وفي موسم قطاف الغلة تتقابل الأسر سنويًا وفق مراحل تسجل رحلة رمزية في التعاضد والتكاتف بدءًا من جمع الحبات المتساقطة والفرش تحت الأوراق الوارفة وهز الأغصان وسواها يداً بيد بلا كلل أو تراجع، وهناك أهازيج باتت جزءاً من تراث الدلعونا، يأتي ضمن مقاطعها “زيتون بلادي أجمل ما يكون . . زيتون بلادي واللوز الأخضر”.
وفي السنوات السابقة وتحديدًا قبل حوالي 12 سنة هناك فتوى أصدرها حاخام يهودي تحث على سرقة محصول الزيتون الفلسطيني، فيما صرّح جيش العدو للمستوطنين ضمنًا بإتلاف الأشجار لأنها توأم الهوية والرغبة بالبقاء والنضال وممارسة ثقافة الحفاظ على التاريخ والتراث والمستقبل من الجد إلى الأب حتى الابن فالحفيد وفق موروث متناقل، ولا تخلو قرية من هذه الشجرة وتعتبر بمثابة تعريف ولادة وجسر يربط بين أهل الشتات وخيرات أراضيهم ورمز للتقارب والتعاون والتضامن بما يشبه وحدة تلتقي عليها فوارق الفصائل وشاهد دائم على هوية هذه الأرض.
لازمت شجرة الزيتون الحديث عن رمز ثقافة أهل البلد وفي رواية “أم سعد” لصاحبها غسان كنفاني فإن الشخصية الواقعية للسيدة الريفية ترتكز على انفعالات وجدانية تحركها العلاقة مع الأرض ورحلة الغرس والقطف، وفي رواية رشاد أبو شاور “العشّاق” تبدو شجرة الزيتون عنصرًا دائم الحضور في الأحداث ومرافقًا يلازم أبو خليل، وعن ذلك يعلّق أبو شاور: “الفلاح الفلسطيني وشجر الزيتون وجهان لشيء واحد، وهي بالنسبة له حقيقة كفيلة بمناهضة مزاعم يهودية باطلة تريد اقتلاعها، وبذلك يشعر أنها تقتلعه ويرى في زوالها نهائيًا زوال وطن”.
وتعلق إحدى المخرجات على علاقة الفلسطينيين بشجرة الزيتون قائلة: “عندما حملت الكاميرا وسجلت علاقة المواطنين بأراضيهم توقفت مبهورة أمام مشهدين، الأول ترك مسن في القدس لمنزله ومكوثه في كهف قريب مطل على أشجار الزيتون في مزرعته التي نهشها جنود الاحتلال ومروره إلى جانبها واشتمامه رائحة أوراقها، والثاني تشبث مخضرم فلسطيني بشجرة زيتون أراد اليهود اقتلاعها فقال لهم اجرفوني معها، ولم يتحرك من مكانه إطلاقًا لقناعته بأنها فصل رئيسي في تاريخ ومسيرة التشبث بالوطن.