تدور احاديث مطوّلة ويتم تداول وجهات نظر عند القوى والجهات الإقليمية ذات العلاقة بحرب تشرين الثانية عن مستقبل غزة بعد هذه الحرب، ولا يشذ عن هذه القاعدة الا السلطة الفلسطينية التي تكاد تبتلع لسانها وتتلعثم ما بين تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بداية الحرب من انه مستعد للعودة لغزة وادارتها اذا كان ذلك عبر مسار سياسي تفاوضي شامل يؤدي الى حل الصراع، وبين بعض اركان السلطة واحدهم وزير الاعلام الذي يقول ان لا شأن للسلطة و حتى للشرعية الفلسطينية المتمثلة بمنظمة التحرير بالصراع الدائر بين المقاومة- الخارجة عن الشرعية و بين حكومة الاحتلال، و ان السلطة الفلسطينية مستعده لاستلام غزة بموجب المسار السياسي القديم (مسار اوسلو)، اما “الاسرائيلي” فهو عند هذه النقطة لا يمكن ان يقبل بدور للسلطة في غزة اذا كانت ستؤدي الى العودة عن الانقسام بين شطري ما تبقى من فلسطين، ثم انه قد اخذ مؤخرا بإجراءات اضعاف السلطة بالضفة الغربية و كانه بصدد التحضير لمرحلة السلطة لا ما بعد الحرب و انما ما بعد الرئيس عباس، و من افضال هذه الحرب على فلسطين و اهلها ان “الاسرائيلي” لم يعد يريد السلطة او المقاومة، لم يعد يريد الفلسطيني مهما كان موقفه من الصراع.
مع كل الصمود الذي ابدته المقاومة والقدرة على ادارة المعركة والانتفاع بإمكانياتها ومصادرها المتواضعة قتاليا ولوجستيا باقتدار، و مع كل الفشل الاسرائيلي وسقوط اهداف الحرب المعلنة التي بدأت تقول بسحق المقاومة مره واحده للابد و بتحرير من تم اسرهم عنوة، لتنتهي للتفاوض مع من تريد سحقهم في عمليه تفاوضيه تبدو يد المقاومة هي اليد الطولى فيها واستطاعت قيادتها في غزه ولا زالت ان تتلاعب بأعصاب السياسيين الصهاينة اثناء التفاوض واثناء الهدنة.
الغريب في امر هؤلاء ان معظمهم ان لم يكن جميعهم يبدون وكأنهم يعيشون في زمان اخر او مكان اخر فالأفكار المتداولة الجدية منها او تلك النمطية المستهلكة منذ زمن طويل تفترض ان لا دوره لحركه حماس والمقاومة ولا مكان لهم في مستقبل غزه وفي عمليه ادارتها.
اطلقت هذه الحرب رصاصة الرحمة و الموت على مرحلة اوسلو و نتائجها و على مبادرة السلام العربية 2002 وقصص حل الدولتين التي عاد و تذكرها امس الاحد الرئيس الامريكي، و البحث عن مسار سياسي تفاوضي، واسقطت معها مجموعة من المعادلات، و ان كانت تلك المعادلات لا زالت قيد التداول و لكن مع نهاية الحرب سنرتاح من سماعها.
عند كتابة هذا المقال يكون قد تبقى للهدنة ساعات قليلة لنعرف ان كانت الجهود التي يبذلها الوفد القطري الزائر الى تل ابيب قد نجحت في اطالة امدها لبضعه ايام ام لا، والرغبة في تمديد الهدنة تشمل الرئيس بايدن و قد عبر عنها في كلمته مساء الامس الاحد موجها الشكر لأمير قطر و مشيدا بدوره و جهوده و التي و لا بد لها علاقه باستضافته لقيادات من حركة حماس وهي الضيافة التي قادت لجعله اللاعب الاول عربيا في هذه المرحلة الدقيقة متجاوزا الدور التاريخي القديم للقاهرة و الدور الجديد للرياض.
في يقيني انه كان من المبكر جدًا على المتحدثين عن مرحله ما بعد الحرب ان يتحدثوا في هذا الوقت فالحرب لا زالت جارية برغم الهدنه ولا زالت طويله وتحتاج الى جولات يحاول الاسرائيلي ان يسوق نصرا وهميا بانه استطاع الدخول الى غزة وانه دمر مبانيها وبناها التحتية وقتل اهلها، وهدم ودمر بعض انفاقها ولكن يدرك العقل العادي غير المتخصص في العلوم العسكرية ان ذلك لا يمثل نصرا فالمقاومة لم تتوقف للحظه عن مناجزة دبابات والياته وجنوده الذين يتحصلون بها ولا يجرؤون على مغادرتها، ولعل من مصلحه المقاومة ان يبقى جيش الاحتلال عالقا في ارض غزة، تحت رمايتها و ليصطلي بنارها.
مساء امس الاحد قام مقاتلوا القسام بتسليم دفعة الاسرى في شوارع شمال غزة التي كان وزير الحرب الاسرائيلي قد اكد على ان المقاومة قد فقدت السيطرة و عليها و لم تعد موجودة هناك.
لا زال طريق الحرب طويل، و لا زالت الاهداف كثيرة في ارصدة بنوكها من الجانبين، و لكن الاكيد ان أي تفكير في مرحلة ما بعد الحرب ستكون المقاومة حاضرة.
سعادة ارشيد – جنين فلسطين المحتلة