هل فقدت ” إسرائيل ” وظيفتها؟

على مدى عقود طويلة يروِّج مئات الكتاب الغربيين والعرب لقوة ” إسرائيل ” التي لا تُقهر ، فمنهم من يعزو ذلك للدعم الغربي ، ومنهم من يربط ذلك بتآمر الأنظمة العربية ، والبعض يجزم بأنّ سرّ تفوق ” إسرائيل ” لكونها نظام ديمقراطي حيث يقولون ان من أسباب تفوّق النظام الديمقراطي الالتزام بقاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب، ويتولى قيادة أجهزة الدولة السياسية والعسكرية الأشخاص الأكثر كفاءة إضافة أن للنظام الديمقراطي آلية لتدارك واصلاح الأخطاء حيث تفضح الصحافة الحرّة فساد أو تجاوزات المسؤولين ويتولّى القضاء المستقل محاسبتهم .
البعض الآخر يسوِّق لكون ” إسرائيل ” ليست مجرّد مُستورد للأسلحة الغربية، بل هي اليوم واحدة من أكبر مُصنّعي ومُصدّري الأسلحة في العالم بعد أن توطّنت فيها صناعات عسكرية عديدة.  
فهناك في إسرائيل اليوم 200 شركة صناعات عسكرية بينها أربع شركات كبرى تم تصنيفها عام 2015 ضمن أكبر مقاولي الدفاع في العالم، وعقدت إسرائيل عام 2020 صفقات لتصدير أسلحة بقيمة 7.2 مليار دولار كما أصبحت رائدة في تصنيع الطائرات بدون طيار وشبكات الرادار ومعدّات الحرب الإلكترونية وفي صناعة صواريخ متطوّرة بالشراكة مع الهند، كما تفوّقت عالمياً في الدفاع الجوي عبر منظومة القبّة الحديدية ولذلك احتلت مكانة متقدمة ضمن أكثر عشر دول تصديراً للأسلحة في العالم . 
ممّا لا شكّ ان هذه المقاربات لمكامن القوّة في ” إسرائيل ” تأتي من ضمن الدعاية المستمرة المُموّلة من الصهيونية العالمية لكن الوقائع ومسارات الصراع تقول غير ذلك .
فمنذ العام 2000 بدأت مسيرة انحدار الكيان الإسرائيلي مع خروج الجيش الذي لا يُقهر مقهوراً بعد سنوات من المقاومة اجبرته على الخروج من اراضِ محتلة بقوة المقاومة حيث يمكننا التأريخ بأن 25 أيار / مايو من عام 2000 هو تاريخ بدء مرحلة انحدار الكيان الذي لم ينتصر في أي معركة خاضها بعد ذلك التاريخ من غزة 2005 الى غزة 2023 حيث تم منعه في كل هذه المواجهات من تحقيق أهدافه وتحوله الى خوض معركة الدفاع عن أراضي فلسطين المحتلة التي يسيطر عليها بعد ان كان يُرعب دولاً بقدّها وقديدها .
مسار الصراع يقول ايضاً ان التحوّل الكبير في العقيدة العسكرية الإسرائيلية بالإنتقال من الحرب السريعة الخاطفة لأيام معدودة الى الحرب الطويلة سواء كانت تراشقاً بالأسلحة من بعيد مع توغلات محدودة على غرار جولات غزة السابقة وصولاً حتى القتال الذي لا يزال دائراً حتى اللحظة على الرغم من التوقف بسبب اتفاق هدنة إنسانية يُثبت انّ الجيش الإسرائيلي لم يستطع تحقيق سيطرة عسكرية على المناطق التي توغّل فيها وانها لا تزال مناطق اشتباك ، علماً بأن الفرق في موازين القوى بين الإسرائيليين وفصائل المقاومة لا يقاس .
وردّاً على من يقولون ان سبب تفوق هذا الكيان هو الديمقراطية فهو يرزح منذ عقد ونصف في الحد الأدنى تحت سيطرة اليمين المتطرف والجماعات اليهودية المتطرفة ، واذا وافقنا من حيث المبدأ ان الديمقراطية تتيح للأكفأ تولي زمام السلطة فهذا أمر قد ولّى مع حقبة نتنياهو والمتطرفين وبات منطق تلازم الديكتاتورية والهزيمة ينطبق على الكيان الإسرائيلي .
ومن يقولون بأن تفوق ” إسرائيل ” سببه الأسلحة الأكثر تقدماً في العالم فها هو الميدان يوثّق تدمير دبابات الميركافا وناقلات النمر بقذائف الياسين وعبوات العمل الفدائي ، كما وقوع جنود العدو في كمائن المقاومين في حرب لن تنفع فيها كل التكنولوجيا وإلإشباع الناري ولا القتل الجماعي والإبادة .
حتى اللحظة لا يزال الجيش الإسرائيلي في مرحلة الإستعلام التكتيكي ولم يستطع السيطرة لا على مناطق التوغل ولا القدرة على تقطيع اوصال شمال قطاع غزّة .
الأهم من هذا كله لنفترض ان الجيش الإسرائيلي استطاع القتال لشهور وتكلّف الآف الإصابات في صفوف جنوده فهذا سيعيد له بعض الهيبة التي تهشمت ولكنه لا يُيح له استعادة الوظيفة التي قام بسببها وهي ردع المحيط المباشر وغير المباشر .
الآن وعلى مدى 23 سنة منذ خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان تراكم المقاومات قوتها وتضيف كل يوم الى تجاربها والأهم هو تحوُّل الكيان الى جغرافيا محاصرة بحزام من النار من كل الإتجاهات وهو ما سيُسقط اصل الفكرة التي قام عليها الكيان وهي الهجرة الى فلسطين ، فالأرض لم تعد بنظر الكثيرين من المستوطنين ارض الميعاد ولا ارض السلام ولا ارض الرفاهية فلماذا يستمرون بالعيش فيها ؟
ختاماً : بالتأكيد ان جولة القتال الحالية ليست معركة زوال الكيان حتى لو تمكن الجيش الإسرائيلي من احكام السيطرة على قطاع غزة وهذه فرضية تشير كل المؤشرات الى عدم واقعيتها ، ولكن بالتأكيد ايضاً ان ما يحصل هذه الأيام هو معركة ما قبل الزوال فساعةالمواجهة الشاملة لم تدق بعد ، وان تعجّل الصهاينة في حصولها فلكل حادث حديث .
يبقى ان اميركا التي ستدرك يوماً ان لقيطتها ” إسرائيل ” قد فقدت دورها ووظيفتها وسيتعامل معها من يحكم الدولة العميقة في اميركا براغماتياً وسيتخلون عنها وهو امرٌ ثابت في سياسة الولايات المتحدة الأميركية تشير اليه كل معارك اميركا الخاسرة .