يتعامل جيش العدو في اجتياحه البري لقطاع غزة، وكأن الوقت ملكه بالكامل، ولم يدرك حتى اليوم أنّ هذا الوقت هو سلاح ذو حدين، ولم يدرك أيضاً أنّ قدرة جنوده على التحمل باتت على نهايتها، لا سيما وأنهم يُمنَون بخسائر فادحة كل ساعة، والجبهة الداخلية باتت على شفير الهاوية، حيث تسود حالات الذعر والصدمة، بسبب الكم الهائل من الصواريخ التي تتساقط على معظم الأراضي المحتلة، وتُلحق الخسائر في الأرواح والأبنية وكل ما يخص المستوطنين، يُضاف إلى كل ذلك انتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش العدو، منها ما هو محروق، ومنها ما هو مدمر بالكامل، أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات لفترة طويلة.
في تحليل عسكري للموقف، نشرته صحيفة هآرتس العبرية، أكد التحليل أنّ جيش العدو قد واجه مقاومة شديدة وقوية، فاجأت قياداته، ويتابع أنّه ورغم ضراوة الضربات التي تعرضت لها، وضخامة حجم القصف الذي انهال على قطاع غزة، فإنّ حركة حماس لم تستسلم ولا تزال قياداتها بعيدة كل البعد عن الاستسلام، وأنّه يجب ألّا نخدع أنفسنا بأن حماس قريبة من الانهيار.
وركزت هآرتس على ما كان يجري خلف الكواليس الأسبوع الماضي، أي البدء في نقاش أول صفقة عملية للإفراج عن نحو 50 أسير، وهي الصفقة التي رفضها العدو من قبل بسبب خلفيات الضغوط السياسية التي يتعرض لها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والمشكلة لا تكمن في أنّ الوضع ثابت، وقد تزداد شدته فيما لو امتد القتال إلى مناطق جديدة، وليس هناك ضمان بأن الأسرى الناجين أو الذين يتمتعون بصحة جيدة نسبياً الآن، سيظلون في الحالة نفسها الأسبوع المقبل.
وعلى وقع ضغط وزير دفاع العدو، وكبار مسؤولي المؤسسة العسكرية، من أجل مواصلة الهجوم البري، على أمل تحقيق انتصارات مزعومة، قد تساعد القيادة السياسية على تحسين موقعها في المفاوضات، والحصول على تنازلات أكثر، لكنّ الواقع على الأرض يشير إلى أن جيش العدو لم يتحرك بعد في مناطق كبيرة من مدينة غزة نفسها، وخاصةً الأحياء الشمالية والجنوبية.
ورصد التحليل نقاطاَ هامة تتعلق بما يوصف بأنه نجاح جزئي في الاجتياح البري لشمال قطاع غزة، كإجبار عدد كبير من المدنيين على النزوح باتجاه وسط وجنوب القطاع، وتابع أنّ التحرك المستقبلي نحو الجنوب سيجري تحت ظروف كثافة سكانية مختلفة تماماً، ولم تتضح بعد إمكانية دفع السكان الفلسطينيين في اتجاه معاقل أخرى داخل المنطقة الجنوبية، وموضوع التعامل مع أنفاق حركة حماس، التي يزعم العدو أنّه دمر أكثر من ثلثها، ولكن حتى اللحظة، لم يستطع جيش العدو أن يفيَ بوعده بتحويل الأنفاق من نقطة قوة إلى عبء على حماس.
ويضيف تحليل هآرتس أن وزير الدفاع وهيئة الأركان المشتركة يفضلون التحرك وكأن “إسرائيل” لا تتعرض لضغوط خارجية من أجل إنهاء العدوان المكثف على الأرض، حيث قال الوزير غالانت منذ عدة أيام أننا لا نرى عقارب الساعات، بل نرى أهدافنا فقط، واستمرار الدعم الأمريكي ليس أمراً مضموناً، لأن الولايات المتحدة تستهدف الحيلولة دون تدهور الأوضاع مع حزب الله واندلاع حرب إقليمية.
يتمثل العائق الأساسي لنتنياهو في شركائه من اليمين المتطرف، وعلى وجه الخصوص وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من حزب القوة اليهودية، الذي هاجم القرارات المتخذة بطريقة مبطنة، لكنه يحرص في الوقت ذاته على زيادة الصراع اشتعالاً عن طريق توزيع الأسلحة بالجملة على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية المحتلة، وداخل الخط الأخضر، كما ينشر على الانترنت مشاهد الإهانات غير الإنسانية التي أمر بتنفيذها ضد الأسرى الفلسطينيين، وبخاصة من ينتمون لحركة حماس، تزامناً مع رهانه على النأي بنفسه عن الفشل في الحرب وربما الانسحاب من الائتلاف الحاكم، وهناك ضغوطاً أخرى تُمارس على نتنياهو تتمثل في ملف إعادة الأسرى “الإسرائيليين” لدى فصائل المقاومة في غزة، ويبدو جلياً المسار التنازلي لرئيس الحكومة في هذا الموضوع، بدءاً من مدة الهدنة، التي ارتفعت من ثلاثة إلى أربعة أيام، وإنخفاض عدد الأسرى الذين سيطلقون من سبعين إلى خمسين أسيراً.
أخطأ نتنياهو في تصريحاته السابقة المتعلقة بالقضاء على حماس وتحرير الأسرى عن طريق الحل العسكري، ولا شك أن تأخيره في الترويج لصفقة الأسرى سببه رفضه العنيد لنقاش الظروف المحتملة لإنهاء القتال، ورغم أنّ هذه الحرب خففت من الخلافات التي أشعلها على خلفية التعديلات القضائية، والتي ستعود لتتجدد بعد انتهائها، وسيغرق نتنياهو في وحول سياساته الخاطئة، وإذا استمرت لوقت أطول ستؤدي إلى تمزيق وحدة الرأي العام بين اليمين واليسار، وفي الحالتين وقع العدو في مصيدة الوقت الذي سيهزمه.