لم يكن احد على علم بعملية طوفان الأقصى حتى اقرب حلفاء حماس سوى دائرة صغيرة قريبة من محمد الضيف ويحي السنوار ، وهذا بحد ذاته كان عنصر المباغتة الأول ، على الرغم ممّا تمّ تداوله من روايات تبقى مندرجة ضمن القيل والقال بأن المخابرات الأميركية والإسرائيلية كانت على علم بها ن وانها سمحت بتنفيذها لتمتلك الذريعة بتنفيذ العدوان الوحشي غير المسبوق ” للقضاء على حماس ” والسيطرة على القطاع ومن ثم ضمّه والتفرغ لاحقاً للضفة الغربية وحزب الله ، وهي روايات تفتقد الحد الأدنى من الأدلة والمصداقية ، حيث شكلّت المفاجأة المدوية لعملية طوفان الأقصى بمسارها ونتائجها المدخل الأول والأخير للدلالة على مستوى السرية التي احيطت بها مرحلة التخطيط والإعداد للعملية .
وللمرّة الألف أؤكد ان هذه العملية ليست مجرد عملية نوعية وقد تخّطت بنتائجها توقعات الذين خططوا لها ، بل هي بمثابة تحوُّل وتطوُّر نقل الصراع من وضعية معادلات الردع والدخول في مقدمات معادلات النصر .
وجواباً على السؤال المؤكد من الجميع : ” كيف انتقلت المقاومات من معادلات الردع الى مقدمات معادلات النصر ؟ ” .
بعد ساعات من بدء العملية صرّح اغلب قادة الكيان الإسرائيلي بأن ما تعرضوا له هو تهديد وجودي لا سابق له وهو أمر دقيق وصحيح ، فالكيان قام على دعامتين أساسيتين هما:
- الجيش الذي أقيمت له دولة ووظيفة .
- الدعم الغربي الذي بدأ بريطانياً وفرنسياً واصبح فيما بعد أميركياً
بالنسبة للجيش ساد شعور لدى قادة الكيان بأن مستوى الصدمة كان كفيلاً بإحداث انهدام كبير لا سابق له تمثل بالقضاء على هيبته وقدراته وكشف نقاط ضعفه ليس فقط على المستوى التكتيكي وانما في المستوى الإستراتيجي المرتبط بمهام الجيش ووظيفته وهو ما استدعى القيام بردّة الفعل الوحشية المستمرة والتي هي بمثابة الإنتقام وليس العمل العسكري .
هذه الصدمة فرضت على قيادة الكيان طرح اهداف بسقف عالٍ باعتقادي واعتقاد الكثيرين هي اهداف غير قابلة للتحقق والتي تندرج بـ :
- القضاء على حماس واجتثاثها وهو امر يخالف الوقائع ، فحماس ليست تنظيماً عسكرياً فقط لتنتهي اذا ما فقدت القدرة على الفعل ببعده العسكري وانما هي مجتمع متكامل وانعكاس لفكرة مستمرة هي المقاومة التي تغير على مدى مائة عام شكلها التنظيمي وبقيت كفكرة قائمة تتصاعد وتتشكل وتتطور بابعاد متجددة طوراً بعد طور .
- تحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية وهو ما لم يستطع الكيان الإسرائيلي تحقيقه ابداً رغم بعض المحاولات تاريخياً والتي انتهت بمآسي ، لذلك هو مضطر لدخول مفاوضات والرضوخ لصفقة ستكون هذه المرّة من اكبر صفقات التبادل بالنظر الى عدد الأسرى الكبير .
- احتلال القطاع والسيطرة عليه بشكل مباشر او تسليم زمام الأمور للسلطة الفلسطينية وفي الحالتين لن يستقر الأمر لا للإسرائيليين ولا للسلطة وسوف يواجهون بمقاومة ستجبرهم على الرحيل كما حصل في العام 2005 .
اذن ومهما طالت المواجهة فالتدبير المنطقي الذي يجب ان تسلكه قيادة الكيان هو البدء بتحضير الأجواء للنزول عن الشجرة والا فالبديل هو تصاعد الأمور على الجبهات الأخرى خصوصاً ان تراجعاً قريباً لن يحصل لا من الإسرائيليين ولا من الأميركيين وهو العامل الأخطر الذي يشبه القنبلة الموقوته والتي يحمل جهاز التفجير بيده هو من يدير هذه الحرب واقصد هنا الأميركي الذي يملك وحده مفاتيح انهاء الحرب او توسيع مجالها ومستواها .
في الغالب وبالنظر الى التناقض بين تصريحات الديبلوماسيين الأميركيين ومسؤولي البنتاغون من الواضح انهم يحاولون تطبيق نظرية العصا والجزرة متجاهلين ان هذه النظرية لم تُفلح معهم خلال كل حروبهم ما يبقي الأمور مفتوحة على احتمالات التصعيد وليس انخفاض وتيرة الإشتباك سواء على جبهة غزة او على الجبهات الأخرى ، وهو ما يدركه قادة محور المقاومة ويعدون له العدّة في نفس الوقت الذي يديرون فيه المعركة بما يتناسب مع خصوصية كل جبهة وبما يحقق وحدة الساحات وتكامل الجبهات .
الخبير العسكري وخريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية عمر معربوني