نحو جبهة مقاومة ثقافيّة

لا تقلّ الحرب على الجبهة الثقافية والإعلامية أهمية وتأثيرًا عنها في أيّ ميدان آخر بما في ذلك الاشتباك الميداني.
إضافة إلى المثقّف العضوي كما صاغ فكرته المفكّر الإيطالي غرامشي، والمثقّف المشتبك، تجربة الشهيدين باسل الأعرج ونزار بنات في الضفة المحتلة، لا بد من العمل على بناء جبهة مقاومة على الصعيد الثقافي، سواء لجهة التصويب النظري والاشتباك على جبهة المفاهيم أو لجهة الأشكال الممكنة للممارسة كما عرفناها خلال الحرب الأهلية الاسبانية والمقاومة الفلسطينيّة في سنواتها الأولى، حيث انخرط مئات المثقّفين العرب والأجانب فيها.
إلى ذلك، نطرح هنا المشروع التالي للنقاش والتطوير
الإطار النظري العام:
المقاومة كخطاب:
في مواجهة خطاب المتروبولات الرأسمالية بكل مكوّناتها وأدواتها وسرديّاتها بما في ذلك الثقافة المركزيّة الأوروبيّة الأميركيّة، المتعالية العنصرية، إزاء كل ما هو غير أوروبي وأميركي.
في مواجهة الخطاب التوراتي الفاشي الذي يتخللّ كل خطابات الغرب الرأسمالي، ويشكّل معها الجوهر الربوي للرأسمالية المتوحشة، والذريعة الإيديولوجية لفكرة المستعمرة الصهيونيّة والكولونياليّات الجديدة.
في مواجهة خطابات التبعية والطائفية والهويات القاتلة لمنظومة سايكس – بيكو صمام الأمان الموضوعي لدولة وعد بلفور.
في مواجهة الخطاب الليبرالي كقناع للهيمنة الإمبريالية، تارة تحت عنوان التمدين وتارة تحت عنوان حقوق الإنسان، حيث يستمد مرجعيته من تقسيم العالم بين غرب متحضّر مزعوم وبين شرق وجنوب متوحّشين بحاجة إلى التمدين عبر جماعات الثورات الملوّنة المشبوهة أو عبر اللجوء إلى الإبادة كما حدث مع الهنود الحمر وكما يحدث اليوم مع الشعب العربي الفلسطيني على يد المتوحّشين الصهاينة.
المقاومة كمفهوم، ينبثق من الجدل وفلسفة الحق والواجب ويتجلى في فهم قانون التناقضات، ومنها: التناقض الأساسي مع الإمبرياليّة العالميّة، الأميركيّة والأوروبيّة. والتناقض الرئيسي، في الحالة العربيّة، مع العدو الصهيوني كموضوع تناحري لا يحسم إلّا بدحره النهائي عن كل فلسطين من البحر إلى النهر.

المقاومة بمعنى المثقف العضوي عند جرامشي، حيث تستمد المفاهيم حقيقتها ومفاعيلها من الممارسة وبما يمكنها من تصويب وتطوير نفسها في كل مرة.
الإطار الخاص:
انطلاقًا ممّا سبق، وفي ضوء استحقاقات اللحظة التاريخية الراهنة وتأسيسًا عليها:
1- رؤية الصراع من زاوية التحالف الوحشي للإمبرياليين، الأوروبيّين والأميركيّين مع المستعمرة الصهيونيّة.
2- بالرغم من السّمة الرأسماليّة العامّة للنظام العالمي، إلّا أنّه بدأ بالتصدع على أساس سياسي بين غرب تقوده الإمبريالية الأميركيّة، وشرق تتنوّع تركيبته الاقتصاديّة الاجتماعيّه وتتوسّع قواسمه المشتركة انطلاقًا من تصوّرات سياسيّة أيضًا.
3- في ضوء إعادة الاعتبار للقضيّة الفلسطينيّة كقضيّة مركزيّة للأمّة كلّها، لا بدّ من إعادة الاعتبار لخطاب وثقافة حركة التحرّر العربي، مقابل أوهام التسوية وحلّ الدولة والدولتين والاتفاقيّات والمعاهدات الذليلة مع العدو، ومقابل الهويّات الكيانيّة، وأوهام الليبراليّة وعزل الديموقراطيّة واستحقاقاتها عن السياق الوطني.
فمعركة الخبز والحريّة في أيّ بلد عربي، شديدة الصّلة بالمعركة ضد التطبيع ومعاهداته، وشديدة الصّلة أيضًا وعلى نحو خاص بالهويّة العربيّة المقاومة وبالالتحام الوطني مع الشعب العربي الفلسطيني وقوى المقاومة، وبطرد الإمبرياليين وقواعدهم من بلادنا.
4- دعوة الهيئات المدنيّة ومراكز الدراسات المموّلة من صناديق الدول الداعمة للعدوان الصهيوني إلى قطع هذه العلاقات والإعلان عن إدانة هذه الدول وما يرتبط بها من مؤسّسات وصناديق.
5- إيلاء أهميّة خاصّة للمعركة على الجبهة الثقافيّة والإعلاميّة، بما في ذلك: حرب المفاهيم، ثقافة الهزيمة والدّونيّة إزاء الغرب الرأسمالي، ثقافة التشكيك بالمقاومة، كما يشار كذلك إلى خطورة خاصّة فيما يتعلّق بخلط الأوراق والتناقضات، سواء كان ذلك مقصودًا أو ناجمًا عن فقر معرفي، وخاصّة فيما يتعلّق بتضليل الرأي العام حول الأخطار والتحدّيات ومصدرها، والإزاحة عن الخطر الصهيوني وداعميه الإمبرياليين وأدواتهم.
6- الانطلاق من خطورة الاستراتيجيّة الصهيونيّة الّتي تسعى لتعويم فكرة الأرض والشعب وحصرها في الجماعة الصهيونيّة الغازيّة واعتبارنا مجرد جغرافيا وسكان في نطاق إبراهيمي مزعوم مركزه الكيان الصهيوني.

وبقدر ما يستدعي ذلك اشتباكًا معرفيًّا وثقافيًّا مع هذا الخطاب والرواية الصهيونيّة المرتبطه به، بقدر ما يستدعي، أولا، مغادرة أوهام التسوية والتعايش والمعاهدات والاتفاقيات وكلّ ما من شأنه تكريس السيطرة الصهيونية على شبر واحد من فلسطين، وثانيًا، الانخراط في الأشكال المتاحة لمنظومة المقاومة وخطابها وترجمة ذلك في الوسط الثقافي الوطني وهيئاته، من خلال إطلاق جبهة مقاومة ثقافيّة.