ملتفى الرافدين 2022 العالم يتغير

                            

   بدعوة من “مركز الرافدين للحوار”، عقد ملتقى الرافدين للحوار لقاءه السنوي في فندق الرشيد ما بين السادس والعشرين والتاسع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر، تحت عنوان: “العالم يتغير”، بحضور أكثر من 300 شخصية عربية وإسلامية وأجنبية وحوالي 1000 شخصية عراقية من مختلف الأطياف الفكرية والسياسية والدينية.

   عقد الملتقى وأمتنا والعالم العربي والإسلامي يعيش حالة عدم اليقين والارتباك والقلق وعدم الاستقرار، بسبب التدخلات الأجنبية واذكاء الصراعات الطائفية والمذهبية والحروب والأزمات السياسية والأمنية التي تواجهها أمتنا والعديد من الدول العربية والإسلامية، مما انعكس سلباً على استقرارها ، في ظل  غياب المشروع القومي النهضوي والعربي، وسبل المواجهة، وعدم توفر الإجابات المقنعة على مختلف التحديات المحلية والعربية والعالمية.

   ورغم التازم السياسي القائم في العراق نتيجة الفساد المستشري ودستور برايمر وعدم الإتفاق على شخصية رئيس الحكومة، والأجواء السياسية والأمنية الضاغطة التي تعيشها بغداد هذه الأيام وقصف المنطقة الخضراء بثلاثة صواريخ لحظة انعقاد مجلس النواب العراقي للتجديد لرئيسه، إلا إن ذلك لم يؤثر في استمرار أعمال الملتقى بنجاح ملفت لكل الجلسات والنقاشات التي استمرت طيلة الأيام الأربعة لانعقاده، ولا بد من التنويه بالإدارة الناجحة للملتقى ودقة التنظيم، ومشاركة معظم الأجهزة الرسمية والمؤسسات الحكومية والمصرف المركزي العراقي، وعدد كبير من المؤسسات الخاصة ومراكز الدراسات العربية والدولية، وشخصيات أجنبية

من مختلف أنحاء العالم في هذا الملتقى.
                                                                                                                                                                 
   تناولت ورش عمل الملتقى العديد من الموضوعات والملفات، بعضها يتعلق بالشأن العراقي بشكل مباشر، والبعض الآخر يتعلق بهموم العالم العربي والإسلامي، بالاضافة إلى قضايا عالمية وفكرية عامة، تمحورت حول:

  • منظومة الفساد: آفة مستحكمة..حلول خجولة .
  • دور المنظمات غير الحكومية في توجيه السياسات العامة ودعم دولة القانون .
  • العالم يتغير : من إتفاقية باريس إلى ميثاق غلاسكو للمناخ .
  • الدستور العراقي : خروقات مستمرة .. تعديلات مؤجلة ..حلول غائبة.
  • قطاع الطاقة : ضرورات الحوكمة ..مسارات التنويع .. آفاق الاستدامة.
  • التحول الرقمي من الأرض إلى الفضاء :فرص للنمو الاقتصادي أم تهديد للأمن القومي.

   هذا بالاضافة إلى جلسات نقاشية ولقاءات خاصة تناولت :

  • عالم ما بعد الحرب الروسية الاوكرانية:التحديات الجيوسياسية وإحتمالات الحرب الكونية
  • عشرون عاماً من التغيير السياسي في العراق :إدارة التعقيد وجدليات الاستمرار.
  • من ساحات الإحتجاج إلى قبة البرلمان : جدليات التغيير ومآلات المستقبل.
  • –         “قمة بغداد للتعاون والشراكة” : ضرورات العمل الإيجابي لمواجهة التحديات .
  • قدرات الردع الدفاعي والجهد الأمني ركائز أساسية في تعزيز السياسة وحماية المجتمع.
  • –         “الحزام والطريق” و”البوابة العالمية”:تقاطع الإستراتيجيات  والإستقطاب الدولي .
  • مشكلات التعليم العالمي : أزمة البحث العلمي والمؤثرات السياسية ومتطلبات المستقبل .
  • أزمات المغرب العربي “تونس”و”ليبيا”جدليات الصراع ورهانات المستقبل .
  • إستدامة الأمن الغذائي تعثر سلاسل التوريد وإستراتيجيات المواجهة .
  • أفغانستان : مستقبل مجهول بين تجدد الصراع وخيارات التعايش.
  • العشائر : أصالة التقاليد.. ضرورات الحداثة.. إيجابية الدور.
  • تمكين المرأة عالمياً الممارسات والأدوار والوسائل.


   كل هذه الموضوعات السياسية والفكرية والأمنية والبيئية والاجتماعية كانت محور الجلسات والنقاشات، مما أتاح للمشاركين الإطلالة على المشهد العراقي وأزماته عن قرب، ومواكبة المتغيرات في العالم وإدراك حجم المخاطر التي يواجهها العالم اليوم بسبب الصراعات والحروب وقضايا البيئة والغذاء، وتراجع دور المنظمات الدولية وإستمرار خطر الإرهاب وإنتشار العنصرية والتطرف.

   بالإضافة إلى حرص إدارة الملتقى على تخصيص لقاءات خاصة شارك فيها عدد من القيادات العراقية (رئيس مجلس النواب الأستاذ محمد الحلبوسي، رئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، رئيس الوزراء العراقي الأسبق الدكتور حيدر العبادي، والأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، الشيخ قيس الخزعلي، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق أول ركن عبد الوهاب الساعدي، وقيادات أخرى متنوعة سياسية واقتصادية). وخصصت جلسات أخرى فكرية تناولت العديد من قضايا الفكر الإسلامي وتحدياته

اليوم، شارك فيها مفكرون عرب ومسلمون.

   كمشاركين في هذا الملتقى الحاشد والمتنوع، نستخلص حجم الارتباك والقلق وعدم الإستقرارالذي نعيشه في أمتنا وعالمنا العربي اليوم بسبب أزماتنا الطائفية والسياسية والأمنية، والتحديات العالمية وانعكاس تداعيات الحرب الكونية التي تدور رحاها على الساحة الاوكرانية بين روسيا الإتحادية من جهة وأمريكا والأطلسي من جهة أخرى، والإرباك الفكري الكبير وعدم توفر الإجابات المقنعة على مختلف التحديات العالمية والإقليمية والمحلية اليوم، لا سيما بعد فشل التجارب العربية في الحكم في بناء دولة المواطنة التي تحقق العدالة الاقتصادية والسياسية والحقوقية ، ومواجهة التحديات الجديدة التي تواجهنا والتي تتطلب رؤية مستقبلية إستشرافية

ومشروع نهوض متكامل يجيب عن الأسئلة الكبيرة .

   ورغم وجود عدد كبير من المفكرين والناشطين على الصعد الفكرية والعلمية والتنموية في الملتقى، نستنتج من خلال المناقشات والإستماع للعديد من آراء المشاركين حجم القلق والرعب الذي يسود العالم اليوم بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا والصراعات الدولية في أكثر من بلد، إضافة لأزمات الغذاء والطاقة والبيئة. والخوف الأكبر من أن تتطور هذه الصراعات والحروب إلى حرب نووية في أي لحظة، في ظل عدم وجود رادع يمكن أن يمنع إستعمال الأسلحة النووية، وفي ظل تراجع دور المنظمات الدولية وعدم قدرتها على وقف هذه الحروب والصراعات، وغياب الآلية العملية لدى الأمم المتحدة لوقف الحرب وعجز مجلس الأمن عن اتخاذ أي قرار عملي وحاسم .

   لقد كان ملفتاً جداً غياب الرؤية المستقبلية والمشروع القومي والعربي لمواجهة التحديات، وغياب فلسطين كقضية مركزية لأمتنا والعالمين العربي والإسلامي، وغياب حرب اليمن وانعكاساتها على كل منطقة الخليج، وغياب نقاش الحرب الكونية على سورية توأم العراق القومي وترابط المصير والمسار بين التوأمين، وغياب لبنان أيضاً بأزمته البنيوية المستعصية على الحل، والتي لولا مداخلاتي في ورش العمل لما ذكر اسم لبنان وسورية في الملتقى.

   في ورشة عمل “الحزام والطريق” و”البوابة العالمية”:تقاطع الإستراتيجيات  والإستقطاب الدولي، والتي شارك فيها وزير التخطيط العراقي  “د خالد بتام النجم”، وسفير الصين في العراق “تسوي وي”،  ورئيس الديوان الملكي الأردني الاسبق “د جوداد العتاتي” ، “والسناتور بلوشان خان” رئيس لجنة التجارة في مجلس الشيوخ الباكستاني، والسيد “اندريه ديسي”رئيس معهد الشؤون الدولية في ايطاليا، وبعد مداخلات المشاركين القيمة وكلام وزير التخطيط العراقي عن الإتفاقية الصينية العراقية  وميناء الفاو والقناة الجافة وأهميتهما لعراق المستقبل، ولغياب ذكر سورية في ورشة العمل هذه، كانت لنا مداخلة أكدت على اهمية موقع سورية الجيوسياسي كبوابة لطريق الحرير على البحر المتوسط وموقع سورية في إستراتيجية الحزام والطريق، وأهمية موانيء سورية ولبنان كموانيء لطريق الحرير والحزام الاقتصادي، ومشروعنا في لبنان للإتجاه شرقاً وطرحنا للسوق المشرقية المشتركة بين كيانات الهلال الخصيب لتأمين الدورة الاقتصادية الواحدة والتكامل التنموي الاستثماري في هلالنا الخصيب، وتساءلت عن سبب غياب سورية عن ورشة العمل هذه، وسألت وزير التخطيط العراقي ألا تصل قناة الفاو الجافة إلى مصبها على ساحل سورية؟ وسألت أيضاً عن المعوقات التي أخرّت إنجاز ميناء الفاو التي نعرفها جميعاً، وهل زالت هذه المعوقات؟ أجابني رئيس الديوان الملكي الأردني مؤكداً على مركزية سورية في إستراتيجية الحزام والطريق وإن غابت عن الحضور في هذه الندوة فهي في موقع القلب في هذه الإستراتيجية.

   وأيضاً كانت لنا مداخلة في ورشة عمل ،”عالم ما بعد الحرب الروسية الاوكرانية:التحديات الجيوسياسية واحتمالات الحرب الكونية”، بعد تحميل الحرب الروسية على اوكرانيا مسؤولية هذه التداعيات، أكدنا في مداخلتنا على تحمل الولايات المتحدة الأمريكية والأطلسي مسؤولية هذه التداعيات بسبب عدم أخذ هواجس روسيا الأمنية بعين الاعتبار ودفع الحلف الاطلسي للتمدد شرقاً في حدائق روسيا الخلفية، وتشجيع اوكرانيا على الانضمام للأطلسي لدفع روسيا لتنفيذ العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا، ورغم تحذيرات صندوق النقد والبنك الدولي للرئيس جو بايدن بأن هذه الحرب إن وقعت ستقضي على توقعات النمو المتوقعة في العالم الرأسمالي، وسترفع التضخم وستتسبب بإرتفاع كبير في أسعار الطاقة مما يؤثر بشكل كبير على سلاسل التوريد وإرتفاع أسعار السلع، وستتسبب بأزمة غذاء عالمي لأن روسيا تصدر حوالي 30 % من قمح العالم والأسمدة، واوكرانيا على 3.5 % منه، لكن الرئيس بايدن لم يصغِ لهذه التحذيرات بل دفع روسيا للفخ الاوكراني لإستنزافها هي والإتحاد الأوروبي معاً لأن شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية وشركات إنتاج البترول والغاز هي المستفيد الأول والوحيد من هذه الحرب، وتطرقت إلى الحرب الإعلامية التي يقودها الغرب والتي تشوّه الحقائق وتكيل بعدة مكاييل، وتحمل روسيا مسؤولية تداعيات الحرب والأزمة الإنسانية للأوكرانيين ولشعوب العالم التي سببتها هذه الحرب، وسألت المشاركين لماذا تحتجز الموانيء الأوروبية القمح الروسي والاوكراني الذي مررته روسيا بوساطة تركية وحجبته أوروبا عن العالم بإيعاز أمريكي، ولماذا لا تفرج أمريكا والأطلسي عن مئات ملايين الأطنان من الأسمدة والحبوب التي تبرع بها الرئيس بوتين إلى فقراء العالم، ولماذا ترفع أمريكا وأوروبا حقوق الإنسان في اوكرانيا وتتناسى حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة واليمن وسورية التي يعاني شعبها الموت جوعاً نتيجية الإحتلال الأمريكي لشمال شرق سورية ونهبه سلة الغذاء والطاقة السورية في الرقة ودير الزور ونتيجة عقوبات قانون قيصر، وتساءلت لماذا هذه العنصرية والتمييز في التعاطي مع حقوق شعبنا مُحملاً أأمريكا والأطلسي كل المآسي والمعانات التي تعانيها سورية معتبراً أن استمرار معاناة سورية هي وصمة عار في وجه أمريكا والأطلسي والإتحاد الأوروبي والضمير الإنساني العالمي.

   انتهت حوارات ملتقى الرافدين في بغداد التي اصابت في تحديد شعار الملتقى “العالم يتغير “ونجحت في توصيف المشكلات والمخاطر القادمة والتحديات على كل الصعد، لكن هذه الحوارات عجزت عن تقديم الحلول أو تقديم تصور واضح لمستقبل أمتنا والعالم الذي تغلب عليه الصراعات والحروب وأزمات الغذاء والطاقة وتداعيات ما بعد الحرب الكونية في اوكرانيا وانتهاء صلاحية النظام العالمي أحادي القطب ومستقبل النظام العالمي الجديد ومخاض ولادته،كل ذلك يتطلب المزيد من الجهود والتحركات لوقف تلك الصراعات والبحث عن الآليات المناسبة لمعالجة أسباب الحروب والأزمات، في ظل غياب المؤسسات  الدولية القائدة القادرة على وقف الإنهيار.

   نعود من بغداد والخوف والقلق الذي كان ينتابنا فبل زيارتها  زاد بعد إنتهاء الملتقى بسبب الخوف على بغداد ومستقبل العراق والخوف على مستقبل أمتنا والعالم العربي والرعب الذي يجتاح العالم اليوم، والخوف الأكبر من عدم تلمس وجود حلول قريبة لكل هذه الأزمات، ووضع آليات للحلول أو في تقديم مشروع إنقاذي جديد يخرجنا من هذه الأزمات، على أمل أن تتيح الملتقيات والمؤتمرات الأخرى التي يجب أن يشهدها عالمنا العربي لتحقيق هذه المهمة الكبرى.

رياض عيد