بعد عملية “الجرف الصامد” التي نفذها جيش العدو ضد غزة في العام 2014، بدأت فكرة بناء جدار إسمنتي تكنولوجي على تخوم غزة، وبدأ العمل ببنائه في العام 2017، وأُنجز في شهر كانون الأول عام 2021، وتم تدشينه في احتفال رسمي حضره وزير الدفاع السابق بيني غانتس، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش في ذلك الوقت أفيف كوخافي، ورؤساء المجالس المحلية للمستوطنات “الإسرائيلية” المحيطة بغزة، وقال غانتس يومها بأن هذا الجدار هو مشروع تكنولوجي من شأنه أن يأخذ من حركة حماس إحدى القدرات التي كانت تحاول تطويرها وهي الأنفاق الهجومية، وأضاف أن “هذا الجدار سيساعد هذه المنطقة الجميلة على الاستمرار في النمو والازدهار”.
ويصل ارتفاع الجدار إلى ستة أمتار فوق سطح الأرض، ويمتد إلى عشرات الأمتار تحت سطحها، وبطول 65 كيلومتراً حول قطاع غزة، وكان الهدف منه حماية “الإسرائيليين” من الأنفاق الهجوميّة، التي عجز جيش العدو عن محاربتها، أو معرفة أماكنها خلال تلك المعركة، وتمت إقامة ستة مصانع باطون على طول قطاع غزة لتوفير مواد خام لبنائه، كما تم استخدام حوالي 140 ألف طن من الحديد والفولاذ، وهذا الجدار هو الجزء الأساس من بنية تحتية تكنولوجية يطلق عليها الجيش اسم “الجدار الإسمنتي الدلالي” كون البنية تشمل عشرات أبراج المراقبة، ومئات الكاميرات بالإضافة إلى وسائل إنذار مسبق ومجسات حساسة، وكان الجيش يدّعي بأن الجدار الذي كان في المراحل الأخيرة من بنائه كان قد حقق نجاحاً مطلقاً في إفشال الأنفاق التي حفرتها المقاومة الفلسطينية للتسلل إلى العمق “الإسرائيلي”.
وفي عملية طوفان الأقصى، في 7 تشرين الأول 2023، أحدثت حركة حماس أكثر من عشر فتحات عبر الجدار، واقتحمته، وهاجمت مستوطنات غلاف غزة، ما أظهر فشله في حماية “أمن الإسرائيليين” في مستوطنات الغلاف، كما تسبب بإلحاق أضرار واسعة بسمعة التكنولوجيا “الإسرائيلية” المتعلقة تحديداً بصناعة الجدران، وتُعتبر “إسرائيل” دولة الجدران، فقد أقامت جدار الضفة العام 2002، ثم أقامت جدار سيناء في العام 2012، ثم جدار لبنان في العام 2018، وأخيرا أقامت جداراً مع غزة، تم استكماله في العام 2021، ولا تقتصر صناعة الجدران “الإسرائيلية” على صب الإسمنت وبناء الحواجز، بل هي صناعة ضخمة تقوم على علوم إدارة السكان، واستخدام التكنولوجيا المتطورة والتقنيات العالية في حماية الحدود ومعرفة كل ما يحصل ما وراء الحدود، وهناك العشرات من الشركات داخل الكيان المؤقت التي تعمل في هذا المجال، كشركة أفكون القابضة، وشركة الأخوة باردارين، وشركة كول غيدير، وشركة أكرشتيان وغيرها، يُضاف إليها شركة ميغال، التي طورت من خبراتها، وعملت على تصدير صناعة الجدران إلى العالم، وحصلت على عقود لبناء جدران في كينيا والصومال، وقامت عدة دول بالاستعانة بالعدو، فقد قامت دولة المغرب بالاستعانة بالتكنولوجيا والخبرات “الإسرائيلية” لبناء جدار فاصل ما بين المغرب والصحراء الغربية، كما طلبت الهند من “إسرائيل” تخطيط جدار مع باكستان.
إنّ المقاومة ورغم تواضع إمكانياتها، أثبتت مجدداً تفوقها على العدو مع كِبَر إمكانياته العسكرية والاستخباراتية والمادية، ومن خلال تمكن المقاومين من خرق الجدار الأسمنتي التكنولوجي، استطاعت المقاومة تظهير فشل العدو في هذا المجال، حيث أن الجدار لم يستطع منع حركة حماس من استخدام الأنفاق تحت الأرض، وهو السبب الرئيسي من بناء الجدار، ورغم احتوائه على مئات من المجسات الاستشعارية والتكنولوجيات التحذيرية، فهي لم تعمل، أو ربما استطاع المقاومون أن يعطلوها عند عملية الاقتحام، وهذان الفشلان أديا إلى فشل لاحق، وهو تداعي سمعة صناعة الجدران “الإسرائيلية” في الأسواق العالمية، ما يُلحق بها خسائر مادية كبيرة، إضافة إلى خسارتها لتلك المكانة المرموقة عالمياً في هذا المجال.